الدستور
تشير التقديرات إلى أن القطاع غير المنظم يشكل بين 20 ٪ إلى 35 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وأن النسبة استقرت عند حدود 25 ٪ تقريبًا. أي أن ما يزيد على 9 مليارات دينار من النشاط الاقتصادي لهذا القطاع غير مسجل رسميًا، رغم أنه يؤمّن سبل العيش لشريحة من المواطنين، خصوصًا أصحاب المهارات المتدنية، والشباب، والنساء – اللواتي يُشكلن ما بين ربع إلى ثلث العاملين في هذا القطاع – ومع ذلك فهو يؤدي إلى خسائر مزدوجة على صعيد الإيرادات العامة وعدالة توزيع الموارد.
وبالتالي، يطرح كثيرون، ومنهم الحكومة، أفكارًا بشأن دمج هذا الاقتصاد في الاقتصاد الرسمي دون نتائج ملموسة، لأن الدمج ليس مسارًا تقنيًا أو قرارًا إداريًا، بل هو عملية تحول هيكلي تتطلب سياسات مرنة وعادلة تراعي خصوصية الفئات العاملة فيه، وبالذات النساء، وتوفّر لهم الحوافز الاقتصادية والاجتماعية للاندماج الطوعي في الاقتصاد الرسمي.
على المستوى الكلي، فإن دمج الاقتصاد غير المنظم في الاقتصاد الرسمي يفتح المجال أمام توسيع القاعدة الضريبية دون رفع الضرائب، ويعزز قدرة الحكومة على تمويل برامج الحماية والرعاية والخدمات العامة من طريق زيادة عائد الإيرادات المحلية، ومن طريق زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، سواء بالأسعار الثابتة أو الجارية.
فالناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة مثلًا سينمو من خلال عملية الدمج لوحدها نحو 4.4 ٪ – ونحو 4 ٪ نمو في الناتج المحلي الإجمالي المقدر بالأسعار الجارية – في سنة 2025 بفرض أن المرحلة الأولى من دمج القطاع غير المنظم ستبدأ هذا العام؛ وتشمل دمج 50 ٪ منه، أي نحو 4.5 مليار دينار، على مدار السنوات 2025 و2026 و2027، وبمعدل دمج سنوي 1.5 مليار دينار.
هذا الدمج سيرفع حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة ومع نهاية العام الحالي 2025 إلى 34.9 مليار دينار، حتى دون حدوث تغيير في حجم الإنتاج الفعلي، بل فقط عبر إدخال أنشطة غير مسجّلة إلى الاقتصاد الرسمي، ما يبين حجم الخسائر المحاسبية التي يتحملها الاقتصاد نتيجة غياب الإدماج الفعلي لهذا القطاع.
في حين أن هذا الناتج ومع إضافة النمو المتوقع عند 3 ٪ تقريبًا للعام 2025 سيبلغ نحو 35.9 مليار دينار، وسيصل في العام 2026 إلى مستوى 38.5 مليار دينار، وإلى 41.1 مليار دينار في العام 2027.
النتائج أعلاه لحجم الناتج المحلي الإجمالي الثابت على وقع دمج 50 ٪ فقط من الاقتصاد غير المنظم؛ سترفع حصة الفرد من الناتج المحلي الثابت من 2846 دينارًا سنويًا كما في نهاية 2024، إلى 3017 دينارًا سنويًا في نهاية 2025، وبفارق 171 دينارًا عن حصة 2024، علمًا بأن حصة 2024 ارتفعت 16 دينارًا سنويًا فقط عن حصة 2023، أي أن الزيادة ستكون أكبر بنحو 11 ضعف الزيادة بين عامي 2023 و2024.
تحقيق دمج حتى 50 ٪ من الاقتصاد غير المنظم ستكون عملية تحول كبرى، تتطلب إصلاحات متعددة، تتجاوز البنية الضريبية والإجراءات البيروقراطية، لتشمل الحد الأدنى للأجور، والبيانات الإحصائية ذات الصلة، وآليات القياس، ونماذج المسح ومنها باستخدام أدوات مثل نموذج MIMIC – يربط بين الأسباب البنيوية للنشاط غير الرسمي والمؤشرات الاقتصادية غير المباشرة، ويستخدم لقياس الظواهر غير المشاهدة مباشرة، كحجم الاقتصاد غير المنظم، أو الفساد، أو الفقر الخفي – من أجل تصميم سياسات مبنية على فهم هذا الاقتصاد بنسخته الأردنية، بالاستناد إلى حوار اجتماعي اقتصادي مهني تشارك فيه منظمات المجتمع المدني، والنقابات، والقطاع الخاص، والعاملون في القطاع غير المنظم أيضًا.
دمج الاقتصاد غير المنظم في الاقتصاد الرسمي ليس خيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا وماليًا فقط، بل هو شرط لبناء اقتصاد عادل ومستدام، يعزز العدالة الاجتماعية، ويمنح كل فرد فرصته في العمل والإنتاج والحماية. فبدون شمول الفئات الهشّة، والاقتصاديات الهامشية، لا يمكن تحقيق نمو حقيقي، ولا عدالة اقتصادية حقيقية.