المديونية.. أنقذتنا من العواصف*علاء القرالة
الراي
في ظل أزمات متلاحقة وأحداث غير مسبوقة، برزت المديونية الأردنية كحاجز واق وحل استراتيجي حمى الاقتصاد الوطني والجميع، فالمديونية ليست «مجرد أرقام»، بل «قصة صمود وحكمة» في إدارة الأزمات، جعلتنا نتجاوز العواصف التي اجتاحت المنطقة، وهنا المديونية ليست عبئا مزعوما، بل درع حمى الوطن والمواطن، فما هي الحقيقة؟
ولفهم الصورة الحقيقية، يجب العودة إلى عام 2010، حين لم تكن المديونية تتجاوز 10 مليارات دينار، ثم جاء «الربيع العربي»، الذي تسبب بانقطاع الغاز المصري، ما كلف الأردن نحو 8 مليارات دينار لتوليد الكهرباء فقط، وبالوقود الثقيل حفاظا على استمرار الخدمة وعدم انقطاعها عن الأردنيين ولو لدقيقة، فارتفع الدين إلى 18 مليارا لمواجهة هذا التحدي فقط.
ثم واجهنا أزمة اللجوء السوري، حيث استقبل الأردن نحو 1.5 مليون لاجئ، أي ما يعادل عدد السكان في خمس محافظات بالمملكة، وفي ظلّ تخلّي المجتمع الدولي عن التزاماته، اضطرت الدولة لتحمّل أعباء مالية تُقدَّر بنحو 15 مليار دينار على مدار سنوات استضافة هؤلاء اللاجئين، من خلال صرف 20% من الموازنة لخطة الاستجابة لاستقبالهم، ليرتفع الدين بعدها إلى 33 مليارا.
السنوات الممتدة من 2011 وحتى 2019 لم تكن سهلة أيضا، بسبب الأحداث الأمنية، وتعطّل الصادرات، وتراجع السياحة لدواع أمنية في الإقليم، فكان لا بد من ارتفاع العجز سنويا في الموازنات، ما اضطر الدولة إلى تعويضه بالاقتراض.
لاحقا، وفي عام 2020، جاءت جائحة كورونا، التي أضافت نحو 4 مليارات دينار جديدة، نتيجة قرار الحكومة بعدم التخلي عن الاقتصاد، والحفاظ على القطاع الصحي، ومنع تسريح الموظفين أو نقص السلع الأساسية، فقررت الدولة الاستدانة للحفاظ على سيرورة الحياة، فنجت بالأردنيين من ويلات الأزمة، بينما شهدت دول كثيرة حول العالم انهيارات صحية، وانقطاع السلع، وتسريح العمالة.
ثم جاءت أزمة أسعار المحروقات نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث تحملت الخزينة نحو 1.5 مليار دينار، بسبب تثبيت الأسعار حينها من قبل الحكومة السابقة كفروقات سعرية، إلى جانب تداعيات التضخم وتعطّل سلاسل الإمداد، لترتفع المديونية إلى 39.5 مليار دينار، ثم جاءت تداعيات العدوان على غزة واضطرابات الإقليم، التي كلفت الأردن خلال عامين ما يزيد على 4 مليارات دينار مديونية، للحفاظ على استقرار البلاد ماليا ونقديا واجتماعيا وأمنيا.
خلاصة القول، لقد أصبحت المديونية أداة في يد بعض أصحاب الأجندات السوداوية والشعبوية لابتزاز الحكومات وشيطنة الدولة، فتارة تتهم بالفساد، وتارة يحمل الإنفاق العام مسؤوليتها، وغالبا تستخدم للنيل من الإنجازات وتحطيم المعنويات وجلد الذات وإثارة الرأي العام والتحريض، إلا أن المديونية في الحقيقة كانت درعا حمى الأردن والأردنيين من الانهيار، بينما انهارت اقتصادات أخرى من حولنا، وشاهدها الجميع بأعينهم.