تعزيز جهود جودة الحياة.. رهان رؤية التحديث الاقتصادي
الغد-عبد الرحمن الخوالدة
بعد سنوات من تداعيات الأزمات الاقتصادية والجيوسياسية التي أثقلت كاهل المواطنين وأثرت على واقعهم المعيشي والخدمي، يعلق الأردنيون آمالا واسعة على رؤية التحديث الاقتصادي، في أن ترسي ملامح جديدة لجودة الحياة في المملكة.
وفي هذا السياق، يرى خبراء اقتصاديون أن رؤية التحديث الاقتصادي أعطت جودة الحياة أولوية قصوى، وذلك من خلال إدراجها كركيزة أساسية للرؤية خلال العقد المقبل، حيث تمثل خطوة نوعية تحمل في طياتها فرصا لإعادة بناء بيئة معيشية أكثر توازنا وكرامة للمواطنين.
غير أن بلوغ هذه الغاية، وفق الخبراء، يتطلب مضاعفة الجهود وتسريع وتيرة العمل، مع التركيز على تحويل الأفكار والخطط إلى مشاريع ملموسة، مطالبين بتعزيز مخرجات الورش الجارية تمهيدا لإطلاق المرحلة الثانية من برنامج تنفيذ الرؤية، إضافة إلى توفير الموارد المالية والتمويل اللازم لتنفيد الرؤية المتعلقة بركيزة جودة الحياة، إلى جانب أهمية وضع تصور شامل قابل للتنفيذ في البرنامج، يغطي مختلف جوانب حياة الفرد والمجتمع.
وشدد هؤلاء الخبراء في تصريحات لـ"الغد"، على أن جودة الحياة تعزز الاستقرار الاجتماعي وتقلل التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، كما تحد من التوترات المجتمعية، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، من خلال خلق بيئة أكثر جذبا واستقرارا.
ماهية ركيزة “جودة الحياة”
ووضعت رؤية التحديث الاقتصادي التي تعد بمثابة خطة تنموية للنهوض بالاقتصاد الوطني للعقد المقبل “جودة الحياة”، كركيزة ثانية لها، سعيا للنهوض بنوعية الحياة وتطوير مستوى مرتفع ومستدام لجودة الحياة للجميع.
وينقسم مفهوم “جودة الحياة” في رؤية التحديث الاقتصادي إلى مكونين رئيسن، هما: مستوى المعيشة ونمط الحياة. ويؤدي هذان المكونان معا، دورا أساسيا في تحسين جودة الحياة للأردنيين، وينبغي تطويرهما بالتوازي لتحقيق الرضى الشامل.
الاستراتيجية المستقبلية لجودة الحياة
وتتمثل الأهداف الاستراتيجية لركيزة “جودة الحياة”، في مضاعفة نسبة رضا المواطنين عن مستوى حياتهم بشكل عام، بنسبة تصل إلى 80 % بحلول العام 2033، إضافة إلى تحسين الحياة اليومية للأردنيين، من حيث نوعية الحياة ونوعية السكن، ونوعية البنى التحتية والمرافق، وكذلك نوعية خدمات النقل، ونوعية التعليم والرعاية الصحية واللياقة البدنية، وأيضا نوعية المرافق العامة والخدمات.
وفي قائمة أهداف الركيزة المذكورة أيضا، تعزيز تنافسية الأردن دولياً كوجهة للعيش، وتحسين أداء الأردن في المؤشرات العالمية لنوعية الحياة، والعمل على تكون مدينة أردنية من أفضل 100 مدينة عالميا.
“جودة الحياة”.. ركيزة للتنمية الشاملة
قال الخبير الاقتصادي حسام عايش “إن مفهوم “جودة الحياة”، يعكس مستوى رفاهية الإنسان في مختلف الجوانب: الصحية، الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية والمالية، ويعبر عن قدرة الأفراد والأسر على العيش بكرامة وأمان، مع توفر الخدمات الأساسية والفرص العادلة للنمو وتحقيق الذات”.
وأضاف أن جودة الحياة تتجاوز مجرد تلبية احتياجات البقاء، لتشمل الشعور بالرضا العام والرفاهية النسبية في حياتهم اليومية، بما في ذلك الاستقرار المالي، التعليم، الصحة الجسدية والنفسية، السكن والخدمات، والمشاركة المجتمعية.
وأوضح عايش أن رؤية التحديث الاقتصادي، أعطت “جودة الحياة” أولوية قصوى، مؤكدا أنها تسعى إلى تحسين الأداء الاقتصادي العام بما يرفع مستويات المعيشة، ويزيد الدخل الصافي للأفراد بنسبة لا تقل عن 3 %، ما يتيح لهم الإنفاق على متطلبات الحياة بطريقة أكثر رفاهية واستقرارا.
وأكد أن تعزيز “جودة الحياة”، يعزز الاستقرار الاجتماعي ويقلل التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، ويحد من التوترات المجتمعية، ويشجع الاستثمار المحلي والأجنبي من خلال خلق بيئة أكثر جذبا واستقرارا.
وأشار عايش، إلى أن رؤية التحديث الاقتصادي تهدف إلى تطوير المشاريع الخدمية والتنموية على مستوى المحافظات والبيئات المحلية، وتحسين البنية التحتية الصحية والتعليمية والنقل والخدمات الرقمية الذكية، بما يوفر سهولة أكبر في إدارة متطلبات الحياة اليومية.
وبين عايش أن “جودة الحياة”، تشمل مؤشرات متعددة يمكن قياسها، مثل الصحة والتعليم والدخل والتشغيل والسكن والأمن والمشاركة المجتمعية والرضا عن الحياة، إضافة إلى جودة البيئة والهواء والمياه والمساحات الخضراء، وكلف المعيشة، وفرص العمل، ومؤشرات العدالة والمساواة. معتبرا أن تحسين هذه المؤشرات ليس هدفا بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق مجتمع مزدهر واقتصاد قوي ومستقبل مستدام وأكثر قدرة على التكيف مع التحديات.
تحسين “جودة الحياة” ضرورة للاستقرار السياسي والاقتصادي
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي زيان زوانة أن “جودة الحياة” عنصر أساسي لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لارتباطها المباشر بالأفراد والمجتمع، حيث إن تمتعهما بمستوى جيد من الرضا المعيشي والخدمي، يحقق لديهما الاستقرار، ما ينعكس إيجابا على دافعيتهما الاقتصادية والإنتاجية، وبالتالي ضمان الاستقرار الشمولي (سياسي اقتصادي اجتماعي).
ولفت زوانة، إلى أنه تتوفر لدينا أردنيا الموارد التي تجعل “جودة الحياة” بمستوى أكثر من مرض، سواء على صعيد الاستقرار الأمني والسياسي، أو استقرار المجتمع، من حيث تنوع المجتمع وانفتاحه وحالة السلم ما بين مكوناته، أو ما يتعلق بالظروف المناخية واعتدالها، حيث تتوافر العوامل السياسية والاجتماعية والمناخية لتحقيق حياة ذات جودة مضمونة محليا للمواطنين.
في المقابل، فإن الظروف المرتبطة بجودة الحياة من النواحي الاقتصادية، تبدو متواضعة للغاية ما ينعكس سلبا على الصورة الكاملة للجودة المعيشية والخدمية للمواطنين، حيث إن العنصر الأساسي المتعلق بالرضا المعيشي يرتبط بمستوييات الدخل المنخفضة، حيث لم يطرأ عليها ارتفاع منذ سنوات طويلة، ما ينعكس على جودة الخدمات الصحية والتعليمة والمعيشية المختلفة.
وأوضح زوانة، أن الاختلالات الاقتصادية لدى الحكومات المتعاقبة والمتعلقة بالمالية العامة والعجز المستمر للخزينة العامة، يحدان من قدرتها على الإنفاق في تطوير المرافق التعليمة والصحية، وتحسين شبكات النقل والبنية التحيتة والمشاريع الترفيهية وغيرها.
وشدد زوانة، على أهمية أن تركز مناقشات المرحلة الثانية لرؤية التحديث الاقتصادي على توفير الموارد المالية والتمويل اللازم لتنفيد الرؤية المتعلقة بركيزة “جودة الحياة”، إضافة إلى العمل على تحسين مستوى الإدارة العامة.
رغبة حكومية حقيقية للارتقاء بنوعية حياة الأردنيين
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي منير دية “إن هناك رغبة واهتماما حقيقيين لدى مؤسسات الدولة في الارتقاء بمستوى جودة الحياة ونوعيتها للمواطنين، ويتضح ذلك، من تضمنيها إحدى الركائز الخاصة برؤية التحديث الاقتصادي”.
وأضاف أن الرؤية لا تقتصر على تحسين الواقع المعيشي وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، بل تشمل أيضا تعزيز المشاركة في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية، وخلق بيئة متوازنة ومستدامة، يمكن لجميع المواطنين العيش فيها برضى وطمأنينة.
وأكد دية أن تحسين جودة الحياة يعكس كفاءة الحكومة في إدارة الوزارات والقطاعات المختلفة، ويؤدي إلى رفع مستوى الأردن في المؤشرات العالمية لنوعية الحياة.
وأوضح دية أن تحسين جودة الحياة يتطلب من القائمين على نقاشات المرحلة التنفيذية الثانية للرؤية، وضع تصور شامل قابل للتنفيذ في البرنامج، يغطي مختلف جوانب حياة الفرد والمجتمع، بما في ذلك فرص العمل، نوعية السكن، البنية التحتية، خدمات النقل، الرعاية الصحية، الأمن والأمان، سيادة القانون، والأمن الغذائي، حيث في حال توفرات هذه العناصر، سيشعر المواطن بالرضى عن مستوى معيشته، وسيعكس ذلك مستوى جودة الحياة في الأردن بشكل عام.