كيف أصبح صندوق استثمار أموال الضمان رافعة الاقتصاد الأردني؟*د. محمد الحدب
الراي
بات صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي اليوم أحد أهم محركات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الأردن، وانتقل من مجرد مدير لمدخرات العاملين والمتقاعدين إلى لاعب رئيسي في التنمية الوطنية. فمع اتساع حجم أصوله وتنوع أدواته الاستثمارية، أصبح الصندوق ركيزة أساسية لدعم النمو الاقتصادي وتعزيز الحماية الاجتماعية وتوفير فرص العمل، في ظل تحديات اقتصادية إقليمية ومحلية متصاعدة.
سجّل الصندوق أداءً لافتاً خلال عام 2025؛ إذ ارتفعت موجوداته إلى نحو 18 مليار دينار مع نهاية الربع الثالث، بزيادة تقارب 1.7 مليار دينار منذ بداية العام وبمعدل نمو يبلغ نحو 10.6%، بحسب بيانات صندوق الاستثمار. ويأتي ذلك بدعم من الأداء الاستثماري القوي وارتفاع القيم السوقية للمساهمات الاستراتيجية. كما حقق الصندوق خلال الفترة نفسها صافي دخل استثماري يقارب 809.6 مليون دينار، إلى جانب أرباح غير مُحقَّقة من إعادة تقييم الأسهم بنحو 741.7 مليون دينار، إضافة إلى تحويل فائض تأميني بقيمة 164 مليون دينار. هذه المؤشرات تعكس متانة النهج الاستثماري وقدرته على تعظيم القيمة على المدى المتوسط والطويل.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، سجّل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الأردن نموّاً قدره 2.8% في الربع الثاني من 2025، وفق بيانات دائرة الإحصاءات العامة. هذا السياق يُعزّز فاعلية تدفق الاستثمارات ويؤكد تشابك تأثير الصندوق مع الحركة الاقتصادية العامة.
لا تقتصر أهمية الصندوق على المؤشرات المالية؛ إذ يتجلى أثره المباشر في سوق العمل عبر استثمارات إنتاجية ذات أثر تشغيلي واضح في قطاعات مثل الصحة والسياحة والعقار والخدمات اللوجستية والتأجير التمويلي لمشاريع البنية التحتية. ومع بقاء معدل البطالة عند نحو 21.3% في الربع الأول من 2025، تتزايد أهمية توجيه نسبة أكبر من الاستثمارات نحو مشاريع توليد فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في المحافظات، بما يعزز الطلب المحلي ويرفد سلاسل التوريد الوطنية.
وتُعد استثمارات الصندوق في المحافظات من بين أكبر الاستثمارات المؤسسية خارج العاصمة، بحسب بيانات وتقارير صندوق الاستثمار، الأمر الذي يسهم في تقليص فجوة التنمية ويرفع مشاركة الشباب والنساء في سوق العمل ويقوّي التماسك الاجتماعي.
أما سياسة توزيع الأصول الحالية، فتُظهر تركيزاً على أدوات الدخل الثابت إلى جانب الأسهم والأدوات النقدية والعقار، حيث تمثل أدوات الدخل الثابت نحو 57.8% من المحفظة، والأسهم 18.2%، والأدوات النقدية 12.6%، والعقار 5%، والسياحة 1.8%، وفق بيانات الربع الثالث 2025. هذا المزيج يوفر مظلة توازن بين العائد والمخاطر، مع مساحة متاحة لتعميق الأثر التنموي عبر زيادة الحصة الموجهة للمشاريع التشغيلية ذات القيمة المضافة.
رؤية المرحلة المقبلة تتطلب البناء على هذه النتائج من خلال تعزيز الاستثمارات التشغيلية طويلة الأجل في المحافظات (صناعة خفيفة، لوجستيات، تكنولوجيا، طاقة متجددة)، تنويع الأدوات والقطاعات ضمن حدود المخاطر المقبولة، توسيع الشراكات مع القطاع الخاص والصناديق العربية، تحسين قياس الأثر عبر نشر مؤشرات دورية لعدد الوظائف الناتجة وتوزيعها الجغرافي ونِسَب مشاركة الشباب والنساء، تعظيم العائد على الأدوات قصيرة الأجل دون المساس بالمرونة المالية لالتزامات الضمان.
أثبت صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي مكانته كمؤسسة وطنية محورية تجمع بين حماية مدخرات الأردنيين وتحفيز النمو الاقتصادي. ومع نهج مؤسسي قائم على الحوكمة والشفافية، يرسخ الصندوق دوره كضامن لمستقبل المتقاعدين وركيزة لاستدامة الاقتصاد الوطني، جامعاً بين تعظيم العائد المالي وتعزيز التنمية وفرص العمل وبناء اقتصاد أكثر عدالة وصلابة للأجيال القادمة.