أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    02-Nov-2025

واقع المياه في الأردن سنة 2024: الفواتير الشهرية وارتفاع الفاقد المائي*جواد عباسي

 الغد

في الحقيقة أن وضع المياه في الأردن الحبيب حرج للغاية. بحسب وزارة المياه فإن حصة الفرد من المياه بالأردن كانت 61 مترا مكعبا سنويا في 2024 وهي الأقل عالميا. وهنالك قلق عميق من تغييرات مناخية مستمرة تقلل من الهطل المطري السنوي. وعند النظر إلى واقع المياه في الأردن ستظهر جليا أمور جيدة وسيئة وبشعة:
 
-الجيد مشاريع عديدة في حصاد المياه وتجويد الشبكات والسدود.
-والسيئ تفاقم مشكلة الفاقد المائي على الرغم من تحسين الشبكات.
- والبشع سرقات مستمرة وسياسة ضريبية تشجع هدر مياهنا الشحيحة بدون أي فائدة لمعظم الأردنيين أو الاقتصاد الوطني.
لنبدأ بالمشاريع الجيدة التي نتمنى أن تستمر وتثمر.
تشمل إستراتيجة وزارة المياه ما بين 2023 الى 2040 تنفيذ 420 سدا صحراويا ترابيا بسعة 250 مليون متر مكعب، وإنشاء 10 آلاف بئر مياه تجميعية و400 بركة زراعية، وتنفيذ ثلاثة سدود كبيرة جديدة وتنظيف السدود القائمة. بالإضافة الى استثمار 2400 مليون دينار في شبكات التزويد المائي والصرف الصحي وتكثيف حملات ضبط الاعتداءات والسرقات. وهنا أتمنى على الوزارة والبلديات خصوصا في المدن كثيفة السكان مثل عمان وإربد والزرقاء الاهتمام بحصاد المياه في المباني الصناعية والتجارية والسكنية خصوصا تلك التي يوجد فيها مواقف وتسويات أو ارتدادات واسعة. فمياه مزاريب المطر مصدر جاهز للحصاد المائي بدلا من ضياعها في الشوارع أو في المجاري خلافا للمواصفات. وربما على وزارة المياه دراسة تقديم حوافز مادية لمالكي العقارات- بالتعاون مع البلديات- لتعديل مزاريب الأمطار لحصاد المياه. مثلا تخصيص خمسة ملايين دينار سنويا من وزارة الزراعة لتعديل وضعية مزاريب المطر لخمسين ألف عقار بمعدل مساحة سطح 250 مترا لكل عقار، وعلى فرض هطل مطري بمعدل 400 ملم سيقلل هذا من مياه المطر في الشوارع بواقع 5 ملايين متر مكعب (5 أضعاف سد وادي شعيب تقريبا) معظمها يذهب حصادا مطريا جميلا وسقاية لمساحات خضراء في المدن الأردنية.
كانت زيادة الفاقد المائي في سنة 2024 بعد انخفاض جيد في 2023 من أهم الأمور السيئة. بحسب تقرير شركة مياهنا فإن فاقد المياه في محافظات عمان والزرقاء ومادبا تجاوز 121 مليون متر مكعب سنة 2024 مرتفعا بنسبة 9 % عن الفاقد في سنة 2023 والذي بلغ 111 مليون متر مكعب. فيما كان 127 مليون متر في 2022. تقرير مياهنا الرسمي يبين كذلك أن الفاقد المائي كان 23 مليون متر مكعب في البلقاء سنة 2023 و20 مليون متر مكعب في 2022. أي أن فاقد مياه أربع محافظات يقطن فيها أكثر من نصف سكان الأردن يتجاوز 140 مليون متر مكعب سنويا بنسبة فاقد تتجاوز 40 % من مياه كلفتنا الكثير الكثير ضخا وتنقية وتعقيما لتذهب هدرا كفاقد تقني او سرقات يتحمل كلفتها المواطن الملتزم الواعي. للمقارنة هذا الرقم يعادل 140 % من كل ما يحمله خط الديسي سنويا وتقريبا نصف ما سيجلبه الناقل الوطني عند بدء إنتاجه بكلفة سنوية قد تتجاوز 400 مليون دينار!
كلفة المياه على المواطنين موضوع سيئ آخر. تظهر ميزانية شركة مياهنا لسنة 2024 أن معدل كلفة المتر المكعب على المواطن زادت بأكثر من 15 % لتصل إلى دينار و20 قرشا في 2024. حيث دفع المستهلكون للمياه 220 مليون دينار ثمنا لاستهلاكهم سنة 2024 بزيادة أكثر من 23 مليون دينار عما دفعوه لنفس الاستهلاك في 2023. وهذا طبعا سببه التحول نحو الفاتورة الشهرية في نهايات 2023 وزيادة أسعار المياه في 2024.
زيادة كلف المياه على المشتركين في 2024 لربما كانت من اهم أسباب زيادة الفاقد. ففي عمان مثلا زاد الفاقد بنسبة 11 % عن سنة 2023 ليصل الى 84 مليون متر مكعب. ولأن الفاقد زاد على الرغم من الاستثمار الكبير في تحسين جودة شبكات تزويد المياه يكون عندنا قرينة قوية على زيادة سرقات المياه بسبب رفع الكلفة على المستهلكين. ناهيك عن أن زيادة كلفة المياه على الأردنيين حتما لها أثر تثبيطي على الاقتصاد لأنها تقلل من الدخل القابل للصرف وكان هذا بحجم 23 مليون دينار سنة 2024.
 تفصيلا فإن كلفة متر المياه للشريحة الأعلى مع الصرف الصحي في 2024 كانت ثلاثة دنانير و40 قرشا وهذا يعني أن من يستهلك أكثر من 42 مترا مكعبا شهريا يوفر 42 % من كلفة المياه لو اشتراها من صهاريج المياه  للاستهلاك فوق 42 مترا مكعبا. ومن يستهلك أكثر من 31 مترا مكعبا شهريا يوفر 28 % لو اشترى المياه من صهاريج المياه. والمشكلة ان نسبة كبيرة من مياه الصهاريج هي نفسها المسروقة من الخطوط الرئيسة التي تسرق ومن ثم تباع للمواطنين. لربما يكون التسعير الحالي حافزا للسرقات مما ستوجب دراسة الموضوع وإعادة النظر بتسعير المياه. 
طبعا لا بديل عن الصرامة بتطبيق القانون لحل جذري لموضوع سرقات المياه. بداية يجب التمبير بين مشكلتي العبث بالعداد وبين الاعتداء على خطوط رئيسة ومن ثم بيع المياه بالصهاريج. وهنا الحل قد يكون بتغيير التشريعات والقوانين بحيث تصبح الأخيرة جريمة بعقوبة سجن طويلة مع غرامات مالية عالية ومع إعلان أسماء كل من يدان بهذه الجرائم. ويكون هناك حملة توعية عالية أن القانون سينطبق بصرامة بعد صدوره على الجميع وبكل المناطق ليرتدع من يسرق حاليا قبل ان يطاله القانون.
 أخير يجب أن نتذكر الأمر البشع في قطاعنا المائي. يدفع الإنتاج الزراعي المستهلك محليا رسوما وعمولات كبيرة نسبيا فيما تعفى الصادرات الزراعية من كل الرسوم والضرايب. وحل هذا التشوه العميق يكون بإعفاء الإنتاج المحلي الذي يذهب لموائد الأردنيين من كل الرسوم والعمولات وفرض بدل فرق دعم مياه على أي محصول زراعي مروي ذاهب للتصدير. بحيث يتم استيفاء رسوم فرق كلفة مياه بحسب كل محصول وبصمته المائية عند تصديره. هكذا سياسة تفيد صغار المزارعين وتزيد من دخلهم وتجوّد ما يأكله الأردنيون. وبعدها يقرر كل مزارع كبير إن كان من المناسب له أن يستمر في التصدير ضمن هذه الكلف العادلة الجديدة. كذلك يجب إلغاء أي حماية جمركية إو إغلاقية لأي محصول زراعي في الأردن ليس من ضمن الأمن الغذائي الأردني. فزراعة البندورة والبطاطا والبصل من الأمن الغذائي الأردني لكن محاصيل مثل الأفوكادو والكاكا والموز مثلا ليست من أساسيات السلة الغذائية الأردنية خصوصا وأننا ممكن أن نستوردهم بكلف أقل من زراعتهم محليا وبدون استنزاف كميات مهولة من المياه.
لا يكفي أن نستمر بتوفير مياه جديدة بكلف عالية متصاعدة. يجب أن تعدل التشريعات والسياسات بحيث نضمن أن يكون استهلاك المياه على مستوى الأردن فعالا ومرتبطا بأولويات الأمن المائي والغذائي والاقتصاد الوطني عموما. وأن يتزامن ذلك مع المضي قدما بمشاريع الحصاد المائي السهلة في المدن والجاهزة للتنفيذ بكلف قليلة للغاية.