أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    07-Sep-2025

فرصة تحول الأردن كقاعدة تصديرية : الرسوم الأميركية على الهند مثالاً*د. رعد محمود التل

 الراي 

الفرص تظهر دائمًا للذين يعرفون كيف يحوّلون التحديات إلى ميزة، وهذا تحديداً ما يواجهه الأردن اليوم. فمع فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على دول متعددة، أبرزها على الصادرات الهندية، تتاح للأردن و فرصة وإستراتيجية جديدة قد تعيد رسم قواعد التصدير العالمية لصالحه.
 
فقد فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية مرتفعة تصل إلى 50% على الصادرات الهندية، في خطوة تهدد تنافسية الهند في قطاعات رئيسية تشمل السلع الهندسية، المنسوجات، المجوهرات، والإلكترونيات. فصادرات الهند إلى الولايات المتحدة تمثل نحو 20% من إجمالي صادراتها، أي ما يعادل 86.51 مليار دولار من أصل 434 مليار دولار حتى مارس 2025. هذه الرسوم وبحسب تقديرات قد تدفع النمو الاقتصادي للهند من 7٪؜ إلى 6%، وذلك يعني أن الخسارة تعادل 0.6 نقطة مئوية من الناتج المحلي.
 
وبرغم أن تكلفة العمالة والطاقة ومدخلات الإنتاج في الأردن أعلى مقارنة بالهند، إلا أن الفارق الجمركي الكبير بين 50% على الهند و15٪؜ على الأردن يخلق فرصة لتعويض “الفجوة السعرية” وجعل المنتجات الأردنية أكثر تنافسية في السوق الأميركية. هذا التحول يوفر نافذة استثمارية للأردن ليبرز كقاعدة تصديرية منافسة، خصوصًا في الصناعات التي تستفيد من الوضعية التجارية القائمة مع الولايات المتحدة فيما يخص الرسوم الجمركية.
 
الأرقام تظهر حجم الفرصة بوضوح، ففي قطاع السلع الهندسية، بلغت صادرات الهند 117.0 مليار دولار، منها 19.2 مليار دولار إلى أميركا بنسبة 16%. صادرات الحديد والصلب تمثل 17.1% من إجمالي الصادرات الهندسية، والمعادن غير الحديدية 10.5%. قطاع الأحجار الكريمة والمجوهرات يساهم بنسبة 7% من الناتج المحلي للهند، ويوجه 33% من صادراته إلى الولايات المتحدة. قطاع المنسوجات والملابس، الذي يعمل فيه 45.0 مليون عامل، يوجه نحو 34% من صادراته إلى السوق الأميركية. في قطاع الإلكترونيات، تعتمد الهند بنسبة 38% من صادراتها على السوق الأميركية، مع قفزة في مارس 2025 لتصل إلى 2.76 مليار دولار في شهر واحد. أما الأدوية والصناعات الدوائية، فتبلغ صادراتها إلى الولايات المتحدة 10.5 مليار دولار، أي 35% من إجمالي القطاع، وهي معرضة لاحقًا لرسوم قد تصل إلى 250%. هذه الأرقام تعكس فجوة كبيرة في السوق الأميركية يمكن أن يشغلها الأردن إذا تحرك بذكاء.
 
القدرة التنافسية الأردنية لا تعتمد فقط على السعر، بل أيضًا على الجودة والاستقرار السياسي والموقع الجغرافي القريب من أوروبا والخليج، مما يتيح له دورًا محوريًا كمركز لتجميع وإعادة تصدير المنتجات. القطاعات الأردنية القابلة للنمو تشمل الأدوية والكيماويات التي تتمتع بخبرة طويلة وسمعة قوية في السوق الأميركية، والملابس والمنسوجات المدعومة بمناطق صناعية مؤهلة للتصدير، بالإضافة إلى الصناعات الهندسية والخفيفة التي يمكن تطويرها بالاستفادة من حوافز حكومية للطاقة وتحسين البنية التحتية.
 
تحقيق الاستفادة يتطلب إستراتيجية واضحة، تشمل تقديم حوافز مالية للصناعات التصديرية لتخفيف تأثير ارتفاع كلفة العمالة والطاقة، وتشجيع الاستثمار المشترك مع شركات عالمية تبحث عن بديل للهند، مع التركيز على الصناعات عالية القيمة المضافة لتقليل الاعتماد على المنافسة السعرية المباشرة. الأرقام تبين أن الفرصة حقيقية: المنتجات الهندية تواجه رسوماً ضخمة، والسوق الأميركية ستبحث عن بدائل، والأردن يمكن أن يملأ جزءًا من هذه الفجوة إذا تحرك بسرعة وذكاء، مستفيدًا من الاتفاقيات التجارية، الميزة الجمركية، والاستقرار السياسي، ليصبح قاعدة تصديرية منافسة في قطاعات استراتيجية، ويحقق قيمة مضافة وفرص عمل جديدة للاقتصاد الوطني.
 
رغم أن كلفة العمالة والطاقة في الأردن أعلى من الهند، فإن العامل الأردني يمثل أحد أهم أصول الاقتصاد التصديري. العمالة الأردنية مدربة، ملتزمة، وتمتاز بجودة الإنتاج والقدرة على الالتزام بالمعايير الدولية، ما يمنح المنتجات الأردنية ميزة تنافسية إضافية في الأسواق الكبرى مثل الولايات المتحدة. هذه الجودة تعوض جزئيًا الفارق في التكلفة، وتدعم فكرة أن الأردن ليس مجرد بديل رخيص للهند، بل قاعدة تصديرية موثوقة وقادرة على تقديم منتجات عالية الجودة بأسعار منافسة بعد الاستفادة من الفارق الجمركي والاتفاقيات التجارية.
 
صحيح أن الاستراتيجية الأردنية الحالية ستستند إلى القرار الأميركي بفرض رسوم مرتفعة على الصادرات الهندية، لكن حتى في حال تغيّر هذا القرار مستقبلاً وخفضت واشنطن الرسوم، فإن الأردن سيبقى مستفيدًا إذا تحرك بسرعة اليوم. الدخول المبكر إلى السوق الأميركية سيمنح المنتجات الأردنية فرصة لبناء حصص سوقية مستقرة، وتوقيع عقود طويلة الأمد مع المستوردين، وترسيخ الثقة بجودة الصناعة الأردنية. وعندما تستعيد الهند ميزتها السعرية، سيكون الأردن قد رسخ موقعه كمورّد بديل موثوق، خصوصًا أن اتفاقية التجارة الحرة تمنحه أساسًا قانونيًا متينًا للتصدير بأمان على المدى الطويل. بهذه الطريقة، تتحول اللحظة الراهنة من فرصة مؤقتة إلى نقطة انطلاق استراتيجية دائمة للاقتصاد الأردني.