الدستور
في عالم تتغير فيه معادلات الطاقة بوتيرة متسارعة، تبرز تساؤلات ملحّة حول مستقبل إنتاج النفط لدى تحالف «أوبك+»، الذي يضم 23 دولة بقيادة المملكة العربية السعودية وروسيا. وبينما نجح التحالف منذ جائحة كورونا في فرض توازن هشّ على أسواق النفط العالمية، فإن مستقبل سياساته الإنتاجية يبدو مرهونًا بمجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية والتكنولوجية، فضلاً عن الضغوط البيئية المتصاعدة.
خفض الإنتاج كأداة استراتيجية
منذ الانهيار الكبير في أسعار النفط عام 2020، اعتمدت دول أوبك+ سياسة خفض الإنتاج بهدف دعم الأسعار ومنع تشكّل تخمة في المعروض العالمي. وقد أثبتت هذه السياسة فعاليتها في المدى القصير، حيث ساهمت في استقرار الأسعار فوق حاجز 70 دولارًا للبرميل رغم التوترات الجيوسياسية وضعف الطلب في بعض الفترات.
لكن هذه السياسة لم تأتِ من دون كلفة، إذ تحملت الدول المنتجة أعباء مالية واقتصادية مقابل تلك التخفيضات، خاصة الدول التي تعتمد بشكل أساسي على العوائد النفطية في موازناتها العامة.
خطوات تدريجية نحو زيادة الإنتاج
رغم استمرار بعض التخفيضات الطوعية، تشير الاتجاهات الحالية إلى أن أوبك+ تتهيأ للعودة التدريجية نحو مستويات إنتاج أعلى بحلول عام 2026. هذا التوجه يعكس عدة دوافع، أبرزها:
توقعات بارتفاع الطلب العالمي على النفط، خاصة من الاقتصادات الآسيوية الناشئة مثل الصين والهند.
الحاجة إلى تعويض الانخفاض الطبيعي في إنتاج الحقول القديمة.
منافسة النفط الصخري الأميركي، التي تشكّل تهديدًا دائمًا لحصص أوبك+ السوقية.
ورغم أن هذه العودة لن تكون سريعة أو شاملة، فإنها مرجّحة أن تتم ضمن إطار من التنسيق المدروس لتفادي صدمات مفاجئة في السوق.
خلافات داخل التحالف
غير أن وحدة تحالف أوبك+ ليست مضمونة دائمًا. فقد ظهرت خلال السنوات الأخيرة خلافات بين بعض الدول الأعضاء حول الحصص الإنتاجية، ولا سيما بين السعودية من جهة، والإمارات والعراق وروسيا من جهة أخرى. وفي حال تصاعدت هذه التباينات، فإنها قد تُضعف فاعلية التحالف وتعيد إلى الأذهان سيناريوهات الانفصال أو الفشل في الاتفاق، كما حدث في فترات سابقة.
التحديات البيئية وتراجع طويل الأجل
على المدى البعيد، هناك يقين على أن العالم يسير باتجاه التحول الطاقي، مدفوعًا بتوسع الطاقة المتجددة، وتزايد استخدام السيارات الكهربائية، وفرض قوانين بيئية صارمة في أوروبا والولايات المتحدة.
تتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاض الطلب على النفط إلى نحو 45 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2050، مقارنة بـ100 مليون برميل حاليًا. ورغم أن دول أوبك+ تعتبر هذا التقدير متشائمًا، فإنها تدرك أن زمن الاعتماد المطلق على النفط يقترب من نهايته.
تنويع الاستراتيجيات الوطنية
استعدادًا لهذا المستقبل، بدأت العديد من دول أوبك+ في اعتماد خطط تنويع اقتصادي، وعلى رأسها السعودية من خلال «رؤية 2030»، في حين تسعى دول أخرى مثل العراق والجزائر ونيجيريا إلى تعظيم إيراداتها النفطية قبل فوات الأوان، مع استثمارات ضخمة في التكرير والبتروكيماويات.
يبدو أن مستقبل إنتاج دول أوبك+ سيبقى رهينة لمعادلة دقيقة، تجمع بين الإدارة المرنة للعرض، وضبط الخلافات الداخلية، ومجاراة التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة. وبينما يملك التحالف أدوات قوية للتأثير على السوق، فإن نجاحه في العقود القادمة سيعتمد على قدرته على التكيّف، لا على قدرته على السيطرة.