الدستور
في خطوة تعكس نهجا محسوبا، أعلنت مجموعة «أوبك+» امس الاول عن زيادة إنتاجها النفطي بمقدار 137 ألف برميل يوميا اعتبارا من الشهر المقبل، وهذا تعديل طفيف مقارنة بالتخفيض الطوعي البالغ 1.65 مليون برميل يوميا والذي أُقر في نيسان 2023، هذا القرار يأتي في ظل توقعات اقتصادية عالمية مستقرة وانخفاض ملحوظ في مخزونات النفط، ما يشير إلى رغبة المنظمة في الحفاظ على توازن السوق دون إغراقه بالمعروض.
لا شك ان هذا التوجه يعيد تشكيل ملامح السيناريوهات المطروحة سابقا، ويؤكد أن أوبك+ تتبنى استراتيجية «الرفع البطيء» للإنتاج، وهو ما يستدعي إعادة قراءة دقيقة لتأثيراته على الأسواق العالمية، وهو ما يدفع الى اعادة البحث في سيناريوهاتها الثلاثة ودراسة تأثيراتها المتوقعة.
السيناريو الاول يقول بان المنظمة تلتزم بخفض الإنتاج تدريجيا اذا رأت ذلك افضل بعد تقييم قرارها عن زيادة محدودة في الإنتاج، اي ان اوبك+ ما زالت ملتزمة بضبط السوق، لكنها بدأت في تعديل تدريجي ومدروس، وهذا السيناريو يفرض بعض التأثيرات الهامة على رأسها استقرار الأسعار بين 65–70 دولار للبرميل، مع هامش تقلب محدود، كما انه يعزز الثقة في قدرة أوبك+ على إدارة السوق دون مفاجآت، والاهم انه يدعم ميزانيات الدول المنتجة مع الحفاظ على جاذبية الاستثمار في الطاقة.
اما السيناريو الثاني، فانه يحتمل عودة تدريجية للفائض في المعروض، فبالرغم من أن الزيادة الأخيرة لا تُعد ضخمة، إلا أن استمرارها قد يؤدي إلى فائض تدريجي في السوق إذا لم يترافق مع نمو في الطلب، وفي هذه الحالة فإن هناك احتمال حدوث انخفاض في الأسعار إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل على المدى المتوسط، عدا عن ان هذا الامر قد يسبب ضغوطا على الدول المنتجة التي تعتمد على العائدات النفطية، ومن الممكن حدوث اضطراب في الأسواق المالية المرتبطة بالطاقة.
فيما يرى السيناريو الثالث انه قد يحدث تصاعدا في الطلب العالمي على النفط، وذلك في حال استمر النمو الاقتصادي العالمي، خاصة في آسيا، وبالتالي قد يتجاوز الطلب المعروض، مما يدفع الأسعار للارتفاع رغم الزيادة التدريجية في الإنتاج، وهذا الامر بالطبع قد يؤدي الى ارتفاع الأسعار إلى 75–85 دولاراً للبرميل، كما انه قد يحدث توسعا في مشاريع التنقيب والإنتاج، خاصة في المناطق غير التقليدية، الا انه سيخلق تحديات بيئية وسياسية نتيجة زيادة الانبعاثات وتباطؤ التحول نحو الطاقة النظيفة.
بالتأكيد ان قرار أوبك+ الأخير بزيادة الإنتاج بوتيرة بطيئة يعكس إدراكا عميقا لحساسية السوق، ويؤكد أن المنظمة تسير على خيط رفيع بين دعم الأسعار وتلبية الطلب، ومع استمرار الاجتماعات الشهرية لمراجعة أوضاع السوق، فإن المرونة ستكون هي الهدف.
وفي ظل هذه السيناريوهات المتباينة، يبقى التحدي الأكبر أمام الدول المستوردة للطاقة القدرة على التكيّف مع تقلبات السوق العالمي، فبين استقرار الأسعار، وانخفاضها، وارتفاعها المفاجئ، تتطلب المرحلة القادمة سياسات طاقة مرنة، واستراتيجيات تنويع فعالة، واستثمارا جادا في مصادر الطاقة البديلة.