أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    22-Dec-2025

ما الذي يعنيه إلغاء "قانون قيصر" للاقتصاد الأردني؟أحمد عوض

 الغد

على مدى السنوات الست الماضية، خلّف تطبيق "قانون قيصر" الأميركي آثارا اجتماعية واقتصادية قاسية على المجتمع السوري، حيث تجاوزت العقوبات أهدافها السياسية المعلنة لتصيب جوهر الحياة اليومية للسوريين. فعلى الرغم من وجود استثناءات إنسانية، بقيت هذه الاستثناءات محدودة الأثر، فيما استمرت معاناة الشعب السوري نتيجة التضخم، وانهيار الدخل، وتراجع الخدمات الأساسية.
 
 
لم تقتصر الكلفة الاقتصادية لقانون قيصر على الداخل السوري فحسب، بل امتدّت بتداعياتها المباشرة وغير المباشرة إلى دول الجوار، وفي مقدمتها الأردن، الذي تكبّد خسائر اقتصادية متعددة نتيجة تعطّل أحد أهم مساراته التجارية الإقليمية، وفقدانه سوقا وشريكا اقتصاديا تقليديا لطالما شكّل امتدادا طبيعيا لاقتصاده.
فقد أدّى تطبيق القانون إلى انكماش حاد ومستمر في حركة الترانزيت عبر الأراضي السورية، ما ألحق خسائر مباشرة بقطاعات النقل البري، والتخزين، والخدمات اللوجستية، والتخليص الجمركي في الأردن. وتراجعت أعداد الشاحنات العابرة بشكل ملموس، وارتفعت كلف التشغيل والتأمين، وتقلّصت هوامش الربح، الأمر الذي انعكس سلبا على آلاف العاملين في هذا القطاع، سواء من السائقين أو الشركات أو العاملين في الخدمات المساندة، وأدى إلى فقدان جزء مهم من مصادر الدخل وفرص العمل.
وفي الوقت ذاته، تكبّد الاقتصاد الأردني خسائر ناتجة عن انكماش الصادرات إلى السوق السوري، التي كانت تمثّل منفذا طبيعيا ومباشرا لعدد من الصناعات الأردنية، خاصة الصناعات الغذائية والدوائية والسلع الاستهلاكية، ما أثّر على طاقات الإنتاج، وحجم المبيعات، واستدامة بعض المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة.
كما ساهم قانون قيصر في تعطيل أو تأخير مشاريع إقليمية إستراتيجية كان الأردن طرفا رئيسا فيها، لا سيما في مجالات الطاقة والنقل. فقد تأخر تفعيل الربط الكهربائي الإقليمي، وتعطلت الاستفادة الكاملة من خط الغاز العربي، ما حدّ من قدرة الأردن على ترسيخ دوره كمركز إقليمي للطاقة والخدمات، وأفقده فرصا اقتصادية واستثمارية واعدة.
إضافة إلى ذلك، أدّت العقوبات إلى ارتفاع كلفة التجارة الأردنية مع لبنان وتركيا وأوروبا، بعد فقدان المسار السوري بوصفه الممر البري الأقصر والأقل كلفة، الأمر الذي زاد من أعباء النقل والوقت والتأمين، وأضعف تنافسية الصادرات الأردنية في هذه الأسواق.
وفي هذا السياق، يفتح إلغاء قانون قيصر نافذة اقتصادية مهمة أمام الأردن لتعويض جزء من هذه الخسائر، إلا أن تحويل هذه النافذة إلى مكاسب فعلية يتطلب تحركا سريعا ومدروسا، خاصة في ظل منافسة إقليمية مرتفعة من دول أعادت تموضعها الاقتصادي مبكرا تجاه السوق السوري وتسعى إلى الاستحواذ على حصص متقدمة في التجارة والخدمات ومراحل إعادة الإعمار.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذ الفرصة، يتطلب الأمر تحركا أردنيا منسقا بين الحكومة والقطاع الخاص.  فعلى المستوى الحكومي، تبرز الحاجة إلى تطوير إطار سياساتي واضح للتعامل مع مرحلة ما بعد العقوبات، يشمل تسهيل الإجراءات الجمركية، وتحديث البنية التحتية للمعابر، وتقديم ضمانات قانونية ومالية للأنشطة الاقتصادية المرتبطة بسورية، إلى جانب تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لحماية المصالح الأردنية.
أما القطاع الخاص، فهو مطالب بالتحرك السريع لإعادة بناء الشراكات التجارية، وتحديث سلاسل التوريد، والاستثمار في الخدمات اللوجستية والتخزينية، ورفع تنافسية المنتجات الأردنية من حيث السعر والجودة. كما أن التنسيق بين غرف الصناعة والتجارة، والبنوك، وشركات النقل، سيكون عنصرا حاسما في اقتناص الفرص قبل انتقالها إلى منافسين إقليميين.
في المحصلة، لا يمثّل إلغاء قانون قيصر مجرد تطور سياسي، بل لحظة اقتصادية مفصلية. وبالنسبة للأردن، فإن النجاح في تحويل هذه اللحظة إلى مكسب تنموي حقيقي يتوقف على سرعة التحرك، وجودة التخطيط، والقدرة على تعظيم المنافع الاقتصادية.