وقف تزويد القطاع الصناعي بالغاز الطبيعي
الغد-رهام زيدان
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية المتصاعدة والتقلبات الحادة في إمدادات الطاقة، بدأ قطاع الكهرباء في الأردن بتفعيل خطط الطوارئ؛ للتعامل مع نقص إمدادات الغاز الطبيعي، تضمنت جدولة تزويد المستهلكين، وأبرزهم القطاع الصناعي وحصر استخدامه في توليد الكهرباء.
حصر استخدام الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء
مصدر دولي مسؤول أكد لـ"الغد" أن الغاز الطبيعي الوحيد الذي يرد إلى المملكة حاليا هو الغاز المصري القادم من مصر عبر خط الغاز العربي وبكميات محدودة تتراوح ما بين 100 مليون إلى 150 مليون قدم مكعب يوميا.
وبين المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته في تصريح لـ"الغد" أن هذه الكميات تضخ جميعها لمحطات توليد الكهرباء لغاية استدامة التيار الكهربائي في الأردن واعطاء هذه القطاع الأولوية القصوى حيث تم وقف الضخ للقطاع الصناعي.
أما ما يزيد على هذه الكميات من حاجة محطات التوليد، فيتم تعويضها حاليا باستخدام الوقود الثقيل والديزل.
وأوضح المصدر نفسه أن هذه الحالة تندرج تحت "الظروف القاهرة" أي أنه لا يوجد ما يؤكد أنه سيتم الالتزام بتعويض الكميات المنقطعة مستقبلا من قبل أطراف الاتفاقيات الموقعة بخصوص توريد الغاز الطبيعي.
وكان الاحتلال الإسرائيلي أغلق أمس أكبر حقوله للغاز بسبب الحرب مع إيران، ما أوقف ضخ الغاز عن الأردن ومصر في وقت يعتمد فيه الأردن على هذا الغاز لتوليد النسبة الأكبر من الطاقة الكهربائية.
الكهرباء الوطنية: خطط طوارئ لضمان استمرارية الخدمة
في هذا الشأن قال مدير عام شركة الكهرباء الوطنية د.سفيان البطاينة: "إن الشركة فعلت خططها للطوارئ لضمان استدامة التزويد الكهربائي"، مبينا أن هذه الخطط تتضمن جدولة التزويد بالغاز الطبيعي والوقود لأطراف الاستخدام، إذ تم وقف ضخ الغاز إلى الصناعات وتحويل كامل ما يرد إلى المملكة منه لمحطات التوليد بشكل يضمن التشغيل الاقتصادي الآمن.
وبين البطاينة في رده على أسئلة "الغد" أمس أن هذه الإجراءات ترتب كلفا إضافية على النظام الكهربائي يجري العمل حاليا على احتباسها، مبينا أنه من الصعب الكشف عن الرقم النهائي لهذه الكلف في الوقت الحالي.
الشركة أعلنت أمس عقب إعلانها تفعيل خطط الطوارئ أن هذه الإجراءات تأتي كخطوة احترازية ضمن تنفيذ أولويات توزيع الغاز المحددة في خطة الطوارئ، مؤكدة أنها إجراءات مؤقتة، وسيعاد تقييمها مع تحسن الأوضاع الإقليمية واستقرار تدفقات الغاز.
الشركة أكدت قبل ذلك أن مخزون المملكة من وقود توليد الطاقة الكهربائية كاف مدة لا تقل عن 20 يوما، حتى مع توقف الإمدادات من حقل "ليفياثان" للغاز الطبيعي، الذي يزود المملكة بجزء كبير من حاجتها لتوليد الطاقة الكهربائية.
ويستهلك الأردن يوميا نحو 300 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، يتم تأمينه أساسا من الاحتلال، إضافة إلى مصر عبر خط الغاز العربي، والغاز المسال عبر ميناء العقبة، إلى جانب إنتاج محلي محدود من حقل الريشة.
وفي عام 2024، بلغ معدل استهلاك محطات التوليد من الغاز الطبيعي نحو 344 مليون قدم مكعب يوميا، ساهمت بتوليد 68 % من الكهرباء في المملكة.
ووقع الأردن عام 2016 اتفاقية استيراد غاز مع الاحتلال الإسرائيلي لمدة 15 عاما، بدأ تنفيذها فعليا في مطلع 2020. وتشمل مصادر الغاز الأخرى كميات محدودة من حقل الريشة المحلي، واستيراد الغاز المسال عبر ميناء الشيخ صباح في العقبة.
وتشير آخر أرقام لشركة الكهرباء الوطنية أن مشتريات الكهرباء المنتجة من هذا المصدر سجلت زيادة بنسبة 2 % العام الماضي، إذ بلغ إجمالي المشتريات منه 14691 جيجاواط ساعة خلال العام الماضي، مقارنة مع 14396 جيجاواط ساعة في العام الذي سبقه.
تداعيات انقطاع الغاز عن القطاع الصناعي
وتشير الدراسات الحكومية إلى أن احتياجات المدن الصناعية من الغاز الطبيعي تقدر بنحو 300 مليون قدم مكعب يوميا وفقا لتقديرات عام 2023، فيما تشير التقديرات القطاعية الصادرة عن جمعيات صناعية إلى أن احتياج المدن الصناعية يمكن أن يكون وصل إلى 400 مليون قدم مكعب يوميا.
وأكد رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان، م.فتحي الجغبير أنه لا بد من التأكيد على أن عدد الشركات الصناعية التي تعتمد على الغاز في إمداداتها عملياتها الإنتاجية ما يزال محدوداً من جانب، ولديها خطط تحوط وبدائل عدة قادرة على استخدامها لاستدامة العملية الانتاجية من جانب.
ويأتي ذلك وفقا للجغبير في ظل إعلان شركة الكهرباء الوطنية وقف إمدادات الغاز الطبيعي عن المصانع المتصلة بشبكة الغاز الرئيسة مؤقتاً، نتيجة للتصعيد الإقليمي الذي أدى إلى تراجع الإمدادات.
وبين أن توريد الغاز للصناعة ما يزال في مراحله الأولى ما يعني أن الصناعات لم تصل لنسبة اعتماد كبير على الغاز الطبيعي، ومن ناحية أخرى فإن الأنظمة الحرارية الصناعية مصممة للاعتماد على أكثر من نوع من الوقود سواء الغاز المسال أو الديزل، وبالتالي مع وقف الإمدادات، ستعمل المصانع المتصلة بشبكة الغاز على التحول إلى بدائل أخرى مثل السولار. وقال الجغبير "هذه الخيارات والبدائل أكثر تكلفة على المصانع، وقد تؤدي إلى رفع كبير في كلف إنتاجها اعتماداً على نوع الصناعة وكثافة استهلاكها، إذ تشير الدراسات إلى أن استخدام الغاز الطبيعي يحقق خفضاً يتراوح بين 40 % إلى 60 % مقارنة ببدائل مثل الديزل والفيول، وهو ما يجعل أي انقطاع مؤثراً فعلياً على كلف الإنتاج، ونأمل بأن يكون هذا الإيقاف مؤقتا ومحدوداً".
وقدر الجغبير أن أي توقف طويل في الإمدادات في ظل حالة عدم اليقين، من الممكن أن ينعكس على تكاليف الإنتاج ما يؤثر على تنافسية المصانع، خاصة في ظل عقودها التصديرية الحالية والتزاماتها المختلفة.
المصانع: بدائل مكلفة وتأثيرات مرتقبة
من جهته، قال رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية د.إياد أبو حلتم: إن انقطاع الغاز الطبيعي سيحدث نوعا من الإرباك، وتكاليف مرتفعة متوقعة نتيجة ارتفاع كلفة البدائل، والتي يقترح استخدامها مثل الوقود الثقيل والديزل، مبينا أن هذا إجراء مؤقت أي ضمن خطة الطوارئ، ونحن نتفهم ذلك، وهي التي قد تساعد في حال انقطاع الغاز.
وقدر أبو حلتم أنه إذا استمر لفترة طويلة، فإن ذلك وبلا شك سيرتب خسائر على شركة الكهرباء الوطنية، كما أن المصانع التي ربطت كل عملها وجدواها الاقتصادية على شبكة الغاز، خصوصا الصناعات الغذائية أو الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على توليد الطاقة بواسطة الغاز ستتأثر بالضرورة. وبين أبو حلتم أن الدراسات المتوفرة تظهر بأن استخدام الغاز يوفّر مقارنة بالوقود الثقيل أكثر من 30 %، ويوفر عن الوقود الثقيل أكثر من 30 %، وربما عن الديزل أكثر من 40 % و45 %.
وعليه، قال أبو حلتم: "إن هذا الأمر وكونه حالة طوارئ سيؤدي إلى ارتفاع الكلفة التشغيلية في المصانع التي تعتمد على الغاز الطبيعي والمربوطة على الشركة ومن ثم إذا استمر لفترة أطول، بالتأكيد سيؤثر على أسعار كلفة الكهرباء؛ لأن توليد الطاقة الكهربائية بالوقود الثقيل أو بالديزل أعلى كلفة من توليدها بالغاز".
مشاريع الغاز للصناعة ضمن الخطة الإستراتيجية
يذكر أن الخطة الإستراتيجية الشاملة لقطاع الطاقة للأعوام (2030-2020)، تتضمن توسيع استخدام الغاز الطبيعي في القطاعات كافة وعلى رأسها القطاع الصناعي.
وبدأ مشروع تزويد الصناعات بالغاز الطبيعي من الخط العربي، أو بالغاز الطبيعي المضغوط من حقل الريشة أواخر العام 2023، كجزء من خطة لوزارة الطاقة والثروة المعدنية التي تسعى إلى تزويد عدد أكبر من المدن الصناعية بالغاز في مناطق أخرى مثل، (الروضة والموقر والقويرة والمفرق والقسطل والهاشمية) بالغاز الطبيعي.