أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    03-Dec-2025

تنامي الاستثمار الأجنبي.. شهادة خارجية بتعافي بيئة الأعمال

 الغد-عبد الرحمن الخوالدة

تشير دراسة تحليلية حديثة إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر شكل واحدة من أكثر نقاط رؤية التحديث الاقتصادي التزامًا بمسارها المرسوم، بعدما تجاوز مستهدفاته في العام 2024، وواصل الأداء القوي خلال النصف الأول من 2025 بتحقيقه نحو ثلثي الهدف السنوي. 
هذا التقدم، بحسب الدراسة، يعكس تحسنًا متدرجًا في بيئة الأعمال وارتفاعًا في مؤشرات الثقة مقارنة بالسنوات السابقة، ليبرز الاستثمار كأحد المحركات القليلة التي تسير وفق ما خُطط له في الرؤية، وربما بوتيرة أفضل من المتوقع.
 
 
 
وكشف المنتدى الاقتصادي الأردني عن تسجيل الاستثمار الأجنبي المباشر في العام 2024 نحو 1.12 مليار دينار، متجاوزًا المستهدف البالغ 900 مليون دينار، أي بتحقيق استثمارات تفوق المستهدف بنسبة 24 %، ما يعكس تحسنًا ملحوظًا في بيئة الأعمال وثقة أكبر في الاقتصاد الأردني.
 
 
كما أشار المنتدى إلى أن صافي الاستثمار الأجنبي في النصف الأول من العام 2025 بلغ 721 مليون دينار، مقابل مستهدف سنوي يبلغ 1.092 مليار دينار، أي ما نسبته نحو 66 % خلال نصف عام.
 
 
لكن، ما العوامل التي دفعت هذا المسار للصعود؟ وإلى أي مدى تعكس هذه الأرقام تحسنا حقيقيا في بيئة الأعمال؟ وكيف يمكن البناء على هذا الزخم الاستثماري لضمان انعكاسه على باقي محاور رؤية التحديث الاقتصادي؟
اقتصاديون أجمعوا على أن تنامي الاستثمار الأجنبي المباشر في الأردن خلال العامين الماضي والحالي لم يكن حدثاً عابراً أو ارتفاعاً ظرفياً، إنما نتيجة مسار متراكم من الإصلاحات والتحديثات التشريعية والمالية والإدارية، التي أعادت تشكيل بيئة الأعمال ومنحت الاقتصاد الوطني قدرة أكبر على جذب رؤوس الأموال النوعية.
 
 
 ويرى هؤلاء الخبراء أن تجاوز الاستثمار الأجنبي لمستهدفاته المحددة في رؤية التحديث الاقتصادي العام الماضي، إضافة إلى تحقيق 721 مليون دينار خلال النصف الأول من 2025، يمثل مؤشراً واضحاً على ارتفاع ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأردني رغم التحديات المحلية والإقليمية. وشدد الخبراء على أن هذا الزخم الاستثماري يعود إلى مزيج من العوامل البنيوية، أبرزها الاستقرار السياسي والمالي، وتقدم الإصلاحات التنظيمية، وتحسين البنية التحتية، وتقديم حوافز موجهة للقطاعات ذات الأولوية ضمن رؤية التحديث الاقتصادي، إلى جانب توسع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
 
 
وأجمعوا على أن تحسن المؤشرات الاقتصادية مثل ارتفاع الصادرات، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية، ونمو الدخل السياحي، واتساع الاتفاقيات الدولية، أسهم في تعزيز جاذبية السوق الأردنية وتوسيع قاعدة المستثمرين، بما حوّل التحديات الإقليمية إلى فرص حقيقية للنمو وجذب الاستثمارات النوعية.
العوامل الرئيسة في تنامي الاستثمار
وأكد مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي أن تجاوز الاستثمار الأجنبي المباشر لمستهدفاته للعام 2024 بنحو 900 مليون دينار ووصوله إلى 1.12 مليار دينار، إضافة إلى تحقيق 721 مليون دينار خلال النصف الأول من العام الحالي، يعكس ارتفاعاً واضحاً في ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأردني رغم التحديات المحلية والإقليمية.
 
 
وأوضح حجازي أن هذا النمو يعود إلى مجموعة عوامل أبرزها التحسينات التشريعية، والاستقرار السياسي والمالي، وتطوير البنية التحتية، وتقديم حوافز جاذبة للقطاعات ذات الأولوية ضمن رؤية التحديث الاقتصادي، إلى جانب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأشار إلى أن هذه النتائج تمثل دلالة مهمة على تحسن بيئة الأعمال، إلا أن تأكيد هذا التحسن يتطلب مراقبة مؤشرات أخرى مثل وتيرة تأسيس الشركات الجديدة، وسرعة الإجراءات الحكومية الرقمية، ونمو الإنتاجية، وتقدم المشاريع الكبرى في القطاعات المستهدفة.
وبين حجازي أن البناء على هذا الزخم يستدعي توجيه الاستثمارات نحو القطاعات القادرة على توليد فرص العمل، وتعزيز المشاريع التي تساهم في نقل المعرفة والتكنولوجيا، وتطوير مهارات القوى العاملة بما ينسجم مع احتياجات المستثمرين، إلى جانب الارتقاء بخدمات ما بعد الاستثمار لضمان استدامة التوسع والنمو. وشدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب تكثيف الترويج الفعال للفرص الاستثمارية في الأسواق الدولية، وإبراز المزايا التنافسية التي يمتاز بها الأردن في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والصناعات الدوائية.
وأكد حجازي أن تعزيز حضور الأردن في المحافل الاقتصادية العالمية سيزيد من جاذبيته للاستثمارات النوعية، ويوسع قاعدة المستثمرين ويرفع حجم التدفقات الاستثمارية في الأعوام المقبلة، داعياً إلى أهمية التركيز على التنفيذ الفعلي لتبسيط الإجراءات، وتفعيل النافذة الموحدة، وتعزيز الشفافية، مما يعزز ثقة المستثمرين ويجعل الأردن بيئة أكثر جذباً للاستثمارات الجديدة والمتوسعة.
تحسن البيئة الاقتصادية
بدورها، أكدت رئيسة قسم الدراسات في المنتدى الاقتصادي الأردني، براء الدميسي، أن بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العامين 2024 و2025 تعكس حالة واضحة من التحسن في البيئة الاقتصادية في المملكة، مشيرة إلى أن تجاوز هذه الاستثمارات لمستهدفاتها جاء نتيجة تفاعل عوامل جوهرية عززت ثقة المستثمرين، رغم التحديات الإقليمية والضغوط الاقتصادية التي تواجه المنطقة.
وأوضحت الدميسي أن نمو معدلات الاستثمار الأجنبي المباشرة المحققة على امتداد العامين الماضي والحالي، لم تكن لتتحقق لولا تحسن بيئة الأعمال واستقرار المناخ الاقتصادي، إضافة إلى التقدم المحرز في مسارات تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، وخاصة ضمن محركات الصناعات عالية القيمة التي حققت 60 أولوية، والخدمات المستقبلية التي أنجزت 45 أولوية، والريادة والإبداع بـ34 أولوية، والموارد المستدامة بـ24 أولوية.
واعتبرت الدميسي أن وضوح الاتجاه الاقتصادي للدولة، ووجود إطار وطني شامل مثل رؤية التحديث الاقتصادي، وامتلاك الأردن قاعدة بشرية واسعة من الشباب المتوقع دخولهم سوق العمل والبالغ عددهم نحو مليون شاب وشابة خلال الفترة 2022–2033، كلها عوامل رسخت قناعة لدى المستثمرين بأن السوق الأردني يمتلك فرصًا واعدة يمكن البناء عليها في المدى المتوسط والطويل.
وأشارت إلى أن تجاوز الاستثمار الأجنبي لمستهدفاته يعد مؤشرًا إيجابيًا، إلا أن الحكم على التحسن الشامل في بيئة الأعمال يحتاج إلى مراقبة مؤشرات أخرى مثل تطور الدخل الحقيقي للفرد واستدامة نموه، ونوعية فرص العمل المستحدثة. 
وشددت على ضرورة أن يتم تحويل الزخم الاستثماري إلى أثر ملموس على باقي محاور رؤية التحديث الاقتصادي، خصوصًا التشغيل والإنتاجية. فالاستثمار الأجنبي المباشر ليس غاية بحد ذاته، بل هو وسيلة لخلق فرص عمل مستدامة ورفع القيمة المضافة للقطاعات الإنتاجية.
ولذلك، فإن المرحلة الثانية من البرنامج التنفيذي (2026-2029) يجب أن تركز على زيادة كفاءة القطاعات التي تستقطب الاستثمارات، وتوجيه رؤوس الأموال نحو القطاعات القادرة على خلق فرص عمل نوعية وذات قيمة اقتصادية عالية.
وأضافت أن تحقيق أثر فعلي يتطلب تضمين مستهدفات واضحة للدخل الحقيقي للفرد -ليس فقط الأرقام بالأسعار الجارية- خاصة وأن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بلغ 3,228 دينارًا للعام 2024، مقابل مستهدف يقارب 3,779 دينارًا بنسبة تحقق بلغت نحو 85 %، وبنمو بلغ 2.5 % مقارنة بالعام 2023، وهو نمو لم ينعكس بالوتيرة ذاتها على الدخل الفعلي للمواطن.
وأكدت الدميسي أن رؤية التحديث الاقتصادي تمثل مسارًا استراتيجيًا طويل المدى، وتطبيقها يتطلب التزامًا مؤسسيًا مستمرًا، وتطويرًا لأدوات المتابعة، وتعزيزًا للشفافية في عرض النتائج.
وما تحقق حتى الآن يبعث على التفاؤل، لكنه يستدعي في الوقت نفسه تكثيف الجهود لضمان أن يتحول النمو الاقتصادي والتحسن في الاستثمارات إلى أثر مباشر يلمسه المواطن في دخله، ونوعية حياته، وفرص العمل المتاحة أمامه.
تطوير البنية التحتية
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة أن نمو حجم الاستثمار الأجنبي المباشر خلال العام الماضي والنصف الأول من العام الحالي يعكس تحسناً حقيقياً وملموساً في بيئة الأعمال الأردنية، حيث لم يقتصر النجاح على التدفقات المالية فحسب، بل امتد إلى مؤشرات هيكلية تعزز الثقة والكفاءة.
 ولفت المخامرة إلى أن تجاوز حجم الاستثمار الأجنبي السقف المستهدف يُعد دليلاً على نجاح الإصلاحات، إذ سجل العام 2024 أعلى تدفقات في سنوات، مع ارتفاع مستمر في 2025، مما يعكس انتقالاً نحو اقتصاد أكثر استدامة وانفتاحاً. كما يدعم ذلك تقرير وزارة الخارجية الأميركية للعام 2025، الذي يشيد بتحسن بيئة الاستثمار خلال العامين الماضيين، مع 48 % ملكية غير أردنية في سوق الأوراق المالية.
وعزا تنامي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى عدد من العوامل الجوهرية المتعددة، المدعومة بجهود حكومية مكثفة ضمن الرؤية، ومنها الإصلاحات الهيكلية والتنظيمية؛ حيث أدت المبادرات الـ16 ضمن محرك الاستثمار في الرؤية إلى تبسيط الإجراءات الإدارية، وتسريع تسجيل الشركات، وتحسين السياسات الضريبية والاستثمارية، مما عزز الثقة وجعل الأردن وجهة أكثر جاذبية.
ويضاف إلى ذلك التركيز على قطاعات استراتيجية ذات نمو عالٍ؛ حيث استحوذت المالية والتأمين على 15.7 % من التدفقات، تلتها الصناعات التحويلية والعقارات، مدعومة بدول الخليج (GCC) التي أسهمت بزيادة 36.4 % في النصف الأول من 2025 إلى 1.05 مليار دولار.
ومن تلك المؤشرات أيضاً مؤشر ثقة المستثمر والابتكار، والذي ارتفع بنسبة 6.2 % في الربع الأول من 2025، مع صعود في مؤشر المعرفة العالمي 2025 بنسبة 25 % في 3 سنوات، مدعوماً بتحسين البنية التحتية والابتكار، مما يعزز الجاذبية للاستثمارات النوعية.
وأشار المخامرة إلى أن استدامة هذا الاتجاه الإيجابي تستوجب مراقبة مؤشرات إضافية تكمل الصورة، خاصة تلك التي تربط الاستثمار بالنمو الشامل كعدد الشركات الجديدة ونشاط ريادة الأعمال، إذ تم تسجيل 5636 شركة جديدة في أول 9 أشهر من 2025، وهو أعلى رقم منذ سنوات، مع قفزة في تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال (GEM) 2025.
ومن أجل تحويل هذا الزخم إلى فرصة لتعزيز محاور رؤية التحديث الاقتصادي الأخرى (مثل الابتكار، الصادرات، والتنمية البشرية)، من خلال استراتيجيات تربط الاستثمار بالنمو الشامل، يرى المخامرة أن ذلك يتطلب تحويل الرؤية من وثيقة إلى ممارسة يومية، مع التركيز على التشغيل (خلق فرص عمل مستدامة) والإنتاجية (رفع الكفاءة عبر التكنولوجيا). ودعا المخامرة إلى أهمية تعزيز الشراكات والربط بالتوظيف من حيث ربط الاستثمارات الجديدة بشرط خلق فرص عمل محلية، عبر اتفاقيات مع مستثمري الخليج والأوروبيين.
ويضاف إلى ذلك تطوير البنية التحتية والابتكار والاستثمار في مشاريع النقل والطاقة المتجددة (كركيزة الرؤية) لخفض التكاليف ورفع الإنتاجية. 
الاستقرار السياسي والسياسات النقدية
بدوره، قال الخبير الاقتصادي منير دية إن تجاوز صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لمستهدفاته بأكثر 20 % في العام 2024، مع التوقعات بتواصل هذا الزخم خلال 2025، يعود إلى جملة عوامل أبرزها الاستقرار السياسي، والسياسات النقدية الحصيفة التي رسخت الثقة بالبيئة المالية الأردنية في وقت تعيش فيه المنطقة حالة من عدم اليقين.
وأوضح دية أن تحسن عدد من المؤشرات الاقتصادية نهاية العام الماضي وخلال العام الحالي مثل ارتفاع الصادرات بنسبة 8 %، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية إلى نحو 4 مليارات دولار، ونمو الدخل السياحي وغيرها من المؤشرات، شكل قاعدة داعمة لتسارع التدفقات الاستثمارية.
وأشار إلى أن تسهيل تعليمات منح الجنسية للمستثمرين، ومنح خيارات أوسع وأكثر مرونة، كان من العوامل المؤثرة في تعزيز جاذبية السوق المحلي، إلى جانب الزخم الكبير في الزيارات الملكية إلى أوروبا وأميركا وآسيا، التي حملت ملفات اقتصادية وتفاهمات واتفاقيات ستنعكس على حجم الاستثمار خلال الفترات المقبلة، ولا سيما ما تم توقيعه مع دول آسيا الوسطى، إندونيسيا، فيتنام، سنغافورة، اليابان وغيرها، حيث من المتوقع أن تؤتي هذه الاتفاقيات ثمارها تدريجياً في جذب استثمارات نوعية.  ويرى دية أن الأردن، في ظل محدودية رؤوس الأموال والصناديق السيادية، أصبح بحاجة ملحة إلى استثمارات أجنبية ضخمة لتنفيذ هذه المشاريع، ما يتطلب جهداً حكومياً استثنائياً في حل مشكلات المستثمرين، وإزالة البيروقراطية، وتسهيل الإجراءات، باعتبار أن الاستثمار هو "العلاج الأكثر فاعلية" لمواجهة التحديات الاقتصادية من بطالة وفقر ومديونية وتباطؤ في النمو.