الغد
على مدى ربع قرن تحولت الموازنة في الأردن إلى قصة تضخم دائم ومتسارع في الإنفاق العام، يقفز فيها الرقم سنة بعد أخرى بينما تبقى الخطط الإنمائية حبيسة الورق والواقع الاقتصادي على حاله نتيجة ظروف إقليمية لها تداعيات كبيرة جدا وفي الشق الآخر ضعف في الجانب الإداري وترحيل للأزمات.
ففي عام 2000 كان إجمالي الإنفاق الحكومي 1.97 مليار دينار تقريبًا، منها 1.63 مليار دينار إنفاق جار و0.33 مليار إنفاق رأسمالي، أي أن الإنفاق الجاري شكّل نحو % 83 من إجمالي الإنفاق مقابل % 17 للإنفاق الرأسمالي، وفي العام التالي ارتفع الإنفاق الإجمالي إلى 2.12 مليار دينار واستمر ميل الكفة نحو المصروفات الجارية بنسبة % 81.
وفي عام 2002 بلغ الإجمالي 2.22 مليار دينار، ثم 2.44 مليار في 2003، وهو مسار تصاعدي طفيف يعكس محاولة الحكومات ضبط النفقات.
الطفرة جاءت في عام 2004 حين قفز الإنفاق إلى 3.18 مليار دينار، وارتفعت النفقات الرأسمالية إلى 0.80 مليار دينار، لتصل حصتها إلى حوالي % 25.2 من الإجمالي، وبدا الأمر وكأنه توجه جديد نحو الاستثمار؛ لكنها كانت لحظة عابرة سرعان ما تلاشت، ففي 2005 بلغ الإنفاق 3.54 مليار دينار، لكن حصة المشاريع الرأسمالية تراجعت إلى % 17.8.
السنوات اللاحقة (2006-2008) شهدت استمرار الزيادة: 3.91 مليار، ثم 4.59 مليار، ثم 5.43 مليار دينار؛ ورغم النمو السريع للاقتصاد، ظل الإنفاق الجاري يلتهم أكثر من أربعة أخماس الموازنة.
ومع الأزمة المالية العالمية في 2008 ارتفعت الموازنة إلى 6.03 مليار دينار في 2009، حيث بلغت النفقات الرأسمالية 1.44 مليار دينار بنسبة % 24 من الإجمالي، إلا أن هذا الارتفاع جاء نتيجة مشاريع ممولة بمعونات خارجية وقروض.
وفي 2010 تراجع الإجمالي إلى 5.71 مليار دينار مع استمرار تغول الإنفاق الجاري (% 83.2)، بعد ذلك عادت الأرقام للصعود: 6.80 مليار في 2011 و6.88 مليار في 2012 و7.08 مليار في 2013، وهذه المرحلة تزامنت مع تداعيات "الربيع العربي" وتداعياتها الأمنية والاقتصادية؛ فالحكومة رفعت الأجور والدعم الاجتماعي للحفاظ على السلم الأهلي، ما أسفر عن صعود الإنفاق الجاري إلى % 90.2 من الموازنة في 2012 مقابل % 9.8 فقط للمشاريع الرأسمالية، وهو أعلى تركيز على الإنفاق الجاري خلال العقدين الماضيين.
السنوات 2014–2016 شهدت محاولة لاحتواء العجز عبر رفع الضرائب وخفض الإنفاق الرأسمالي، حيث بلغ الإنفاق الإجمالي 7.85 مليار دينار في 2014، ثم انخفض إلى 7.72 مليار في 2015 قبل أن يرتفع إلى 7.95 مليار في 2016.
ومع ذلك لم تتغير البنية؛ إذ ظل الإنفاق الجاري بين % 85 و% 87 من الإجمالي، وفي تلك الفترة كثرت البرامج التنموية الحكومية التي تتحدث عن تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على المساعدات، لكن تنفيذها تعثر بسبب ضعف المتابعة وغياب المؤشرات.
من 2017 إلى 2019 زادت الموازنة إلى 8.17 مليار دينار، ثم 8.57 مليار، ثم 8.81 مليار دينار، ورغم هذا النمو، لم تتجاوز حصة الإنفاق الرأسمالي % 13 في أفضل الأحوال، بينما وصلت حصة الإنفاق الجاري إلى % 89.6 في 2019.
مع جائحة كوفيد 19 في 2020 ارتفع الإنفاق إلى 9.21 مليار دينار، منها 8.39 مليار إنفاق جار ( 9 %1.1) و0.82 مليار رأسمالي (% 8.9)، والحكومة اتجهت إلى تحفيز الاستهلاك عبر برامج دعم للأفراد والشركات، ممولة بالاقتراض والمنح، ما أعاد مستويات المديونية إلى مسار تصاعدي دون إصلاحات.
وفي 2021 و2022 و2023 تواصل التضخم؛ إذ بلغ الإنفاق 9.86 مليار ثم 10.47 مليار ثم 11.00 مليار دينار، بينما استمر ارتفاع الحصة الجارية لتقارب % 87.5 في 2023.
أخيراً، في 2024 وصل إجمالي الإنفاق إلى 11.54 مليار دينار تقريباً، منها 10.37 مليار دينار إنفاق جار و1.17 مليار رأسمالي، أي أن النفقات الجارية استحوذت على نحو % 89.9 من الموازنة.
وفي المحصلة، إن قراءة أرقام النفقات بين 2000 و2024 تكشف أن المطلوب ليس المزيد من القروض، بل إصلاح آليات الإدارة والرقابة، وتعزيز الشفافية، واستبدال ثقافة الاسترضاء بسياسات إنتاجية تعيد التوازن بين الإنفاق الجاري والرأسمالي.