الغد
بعض الممارسات العالمية، تبيح استجابةً لواقع شركات بعينها كالشركات العائلية والناشئة، أو تلك التي تمر بمراحل تحول حساسة، مبدأ جواز الجمع بين منصبي رئيس مجلس الإدارة ومدير الشركة أو العضو المنتدب. هذا التوجه، وإن كان استثناءً وليس قاعدة، يحمل في طياته إقرارًا بوجود تجارب ناجحة، بل ومتفوقة، شهدت هذا الجمع. ومع ذلك، تبقى الحقيقة الثابتة أن الفصل بين السلطات هو أحد المبادئ الأساسية لحوكمة الشركات السليمة، وأن الخطورة تكمن في ديمومة هذا الجمع، ما لم تكن هناك ضوابط صارمة تحكمه.
من أبرز الاشتراطات التي تحكم هذا الجمع، أن يكون نائب رئيس مجلس الإدارة عضوًا مستقلاً. بحيث يتولى رئاسة الاجتماعات التي تناقش أداء الإدارة التنفيذية (الرئيس)، مما يحد من تضارب المصالح ويوفر رقابة فعالة. كما يُشترط أن يشكل الأعضاء المستقلون ما لا يقل عن ثلاثة أرباع مجلس الإدارة، وهي نسبة تمنع هيمنة الرئيس التنفيذي على المجلس وقراراته.
الشفافية والمساءلة هما اهم ركائز الجمع إذ يجب الإفصاح للمساهمين عن مبررات الجمع بين المنصبين. ومن الضوابط الحيوية أيضًا عدم مشاركة رئيس المجلس في عملية التقييم السنوي لأداء المجلس، مما يضمن تقييمًا موضوعيًا لفعالية المجلس. كما يُحظر على العضو المنتدب أن يشغل منصب رئيس تنفيذي أو مدير عام في شركة أخرى، لمنع تضارب المصالح وتشتت الجهود.
لا شك بأن هذا الجمع يلبي حاجات تشغيلية لبعض الشركات، مثل توحيد الرؤية الاستراتيجية وسرعة الانجاز، إلا انه يطرح تحديات حقيقية، أهمها مخاطر تركيز السلطة في يد شخص واحد، خاصة إذا لم يتمتع الأعضاء المستقلون بالحضور وبالقدرة الفعلية وليس الشكلية على الرقابة. وبالتالي فإن جودة الاستقلالية مرهونة بالخلو من أي روابط خفية مالية او عائلية. ويبقى التحدي الأكبر لا سيما في الأسواق الناشئة، صعوبة في توفير نسبة 75 % من الأعضاء المستقلين المؤهلين، ما يستدعي تفعيل أدوات رقابية بديلة.
لضمان نجاح هذه الممارسة، يجدر تحديد مدة زمنية لجمع المنصبين، تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات مثلاً، لضمان عدم ديمومتها. ووضع معايير صارمة لتعريف الاستقلالية، مثل عدم وجود علاقات مالية او عائلية تجمع عضو مجلس الإدارة مع الإدارة التنفيذية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات سابقة بجانب خطة خلافة واضحة. من المهم أيضًا عرض تقرير رقابي دوري من لجنة الحوكمة او الترشيحات على الجمعية العمومية، يوضح مدى التزام الشركة بالضوابط، بدلاً من الاكتفاء بالتقرير السنوي.
من المفيد الاستشهاد بالتجارب العالمية الناجحة والتي في اغلبها تنص على إلزامية لو تفضيل الفصل بين المنصبين، الا ان بعضها اباح في بدايات التأسيس مثل Amazon حيث جمع جيف بيزوس بين المنصبين حتى عام 2021 قبل أن ينتقل إلى رئاسة المجلس فقط. بينما اضطر إيلون ماسك للتخلي عن رئاسة مجلس Tesla بعد تسوية مع هيئة الأوراق المالية الأميركية. وما يزال مارك زوكربيرغ يجمع بين المنصبين في Meta رغم الانتقادات. وفي المقابل، يجمع جيمي ديمون بين المنصبين في JPMorgan منذ سنوات، على الرغم من مطالبات مؤسسات استثمارية بالفصل. باختصار الجمع بين المنصبين ليس محظورًا عالميًا، لكنه غالبًا ما يُعامل كمؤشر على ضعف الحوكمة ما لم يرافقه نظام رقابي صارم. وتظل المؤسسات الاستثمارية الكبرى، مثل BlackRock وVanguard، من أشد المدافعين عن فصل المنصبين.
هذه التطورات المبنية على المرونة المنضبطة بدلًا من الجمود المطلق، لكن لا يجوز ان تصبح القاعدة العامة، بل لا بد من تقييدها زمنياً ، وربطها بنتائج أداء واضحة، وتقييمات حوكمة دورية.