الراي
في ظل سعي الأردن المتواصل نحو تحقيق أمنه الطاقي وتقليل اعتماده على الواردات الخارجية، جاء إعلان رفع إنتاج حقل الريشة الغازي إلى 75 مليون قدم مكعب يوميًا، ليشكل علامة فارقة في استراتيجية المملكة لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي.
هذه الخطوة، التي نفذتها شركة البترول الوطنية الأردنية، لم تأتِ بمعزل عن الجهود المستمرة لتطوير البنية التحتية لقطاع الطاقة، بل تمثل تتويجًا لسنوات من العمل على تحسين كفاءة الاستخراج وتوسيع القدرة الإنتاجية لأحد أهم الحقول الغازية في البلاد.
تحقيق الاكتفاء الطاقي التدريج
أن رفع إنتاج حقل الريشة يعزز من قدرة الأردن على تلبية جزء أكبر من احتياجاته من الغاز محليًا، مما يقلل من التبعية للمصادر الخارجية، التي طالما كانت عرضة للاضطرابات السياسية أو الفنية، كما حصل في السنوات الماضية مع واردات الغاز من مصر
ففي وقتٍ يُقدّر فيه الطلب المحلي على الغاز لتوليد الكهرباء واستخدامات صناعية بحوالي 350 إلى 400 مليون قدم مكعب يوميًا، فإن بلوغ إنتاج الريشة هذا المستوى المتقدم يمثل أكثر من 20% من استهلاك محطات الكهرباء في المملكة، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ الحقل منذ اكتشافه في ثمانينيات القرن الماضي.
خفض فاتورة الطاقة وتحسين الميزان التجاري
يمثل الغاز أحد أكبر البنود في فاتورة الطاقة الوطنية، والتي تبلغ سنويًا ما يفوق 2.5 مليار دولار. ومن خلال زيادة الاعتماد على إنتاج محلي مثل الريشة، فإن الأردن سيكون قادرًا على توفير مئات الملايين من الدولارات سنويًا، وتقليص عجز الميزان التجاري المرتبط بواردات الطاقة.
كما أن الغاز المحلي من الريشة يُنتج بتكلفة تقل بكثير عن الأسعار العالمية للغاز الطبيعي المسال (LNG)، أو حتى تلك التي يتم التعاقد عليها عبر خطوط الأنابيب الإقليمية، مما يمنح الأردن ميزة تنافسية، خاصة في ظل تقلبات السوق العالمي.
دعم قطاع الكهرباء وتقليل الكلف
أحد أبرز المستفيدين من هذه الزيادة في الإنتاج هو قطاع توليد الكهرباء، حيث تعتمد المحطات الكهربائية في الأردن بشكل رئيسي على الغاز الطبيعي. رفع إمدادات الغاز المحلي من شأنه أن يُخفّض كلفة الوقود التي تتحملها شركة الكهرباء الوطنية، ما قد ينعكس إيجابًا مستقبلاً على أسعار الكهرباء للمواطنين، أو يخفف من الأعباء التي تتحملها الحكومة في الدعم أو الفروقات السعرية.
كما أن استخدام الغاز في التوليد يعد أكثر صداقة للبيئة مقارنة بزيت الوقود الثقيل أو الديزل، ما يتماشى مع التزامات الأردن البيئية وأهدافه في تقليل انبعاثات الكربون.
نجاح وطني في إدارة الموارد
هذا الإنجاز يعكس نجاح شركة البترول الوطنية – وهي شركة مملوكة بالكامل للحكومة – في استثمار وتطوير الموارد المحلية بكفاءة عالية، حيث نجحت في رفع الإنتاج من أقل من 10 ملايين قدم مكعب يوميًا قبل عقد من الزمن إلى 75 مليونًا حاليًا، مع وعود بزيادة إضافية مستقبلًا.
ويعزز هذا الأداء ثقة الدولة في قدرات الشركات الوطنية، ويفتح المجال لمزيد من الاستثمارات المحلية أو الأجنبية في التنقيب عن الغاز في مناطق أخرى، خاصة وأن الأردن يملك مناطق واعدة لم تُستغل بعد بشكل كافٍ.
خطوة مكملة لجهود تنويع مصادر الطاقة
ورغم التطور الملحوظ في مشاريع الطاقة المتجددة (الرياح والشمس) في الأردن، إلا أن الغاز الطبيعي لا يزال يلعب دورًا محوريًا في مرحلة الانتقال الطاقي. فزيادة إنتاج الريشة لا تعني التخلي عن مصادر أخرى، بل تعكس مقاربة شاملة، تسعى إلى بناء مزيج طاقي مستقر يجمع بين المصادر المحلية والمتجددة، ويقلل من المخاطر الجيوسياسية التي قد تؤثر على الإمدادات المستوردة.
تطلعات نحو المستقبل
أعربت وزارة الطاقة والثروة المعدنية عن دعمها لجهود شركة البترول الوطنية، مؤكدة أن الحكومة تتابع باهتمام فرص التوسع في الإنتاج والوصول إلى مستويات أعلى خلال الأعوام القادمة. وتخطط الشركة بالفعل لتنفيذ المزيد من الآبار التطويرية والاستكشافية في حقل الريشة والمناطق المجاورة، بهدف رفع الإنتاج إلى 100 مليون قدم مكعب يوميًا في العام القادم.
إن رفع إنتاج حقل الريشة إلى 75 مليون قدم مكعب يوميًا يمثل نقطة تحول استراتيجية في مشهد الطاقة الأردني، ويعكس تحولًا في فلسفة الدولة نحو الاعتماد على الذات، واستغلال الإمكانات الوطنية، والبحث عن حلول محلية دائمة لمعضلة الطاقة.