الغد
تدوي طبول الحرب في كل المنطقة فيما يتصرف الأردن بشكل طبيعي في كثير من القرارات الاقتصادية، وهذا أمر يستحق التحليل.
هل الإعلانات الاقتصادية، والحياة السياسية بكل المآخذ عليها، تعبر عن استقرار حقيقي، أم وهمي، في ظل أزمات الجوار التي تحيط بنا من كل جهة، وتشتد مؤشراتها وتقول إن ما هو مقبل أصعب بكثير؟ من حيث المبدأ هذا أمر يؤشر على أن الأردن الذي عبر ظروفا صعبة سابقة استطاع الخروج منها بأقل الكلف، يواصل تنفيذ برنامج الاستدارة نحو الداخل بشكل تفصيلي وشبه يومي، حيث لا يمكن للحياة أن تتعطل، ولا لشؤون الأفراد أن تتوقف، خصوصا أن التأثر الرسمي والشعبي المتواصل سيؤدي إلى نتائج سلبية مرتدة.
هذا يعني أن استمرار الحياة بشكل طبيعي والإعلان عن خطط ومشاريع من الناقل الوطني إلى مدينة عمرة وغير ذلك أمر يحقق غايات الاستدارة نحو الداخل، من حيث الأولويات بدلا من مواصلة انشداد العصب العام نحو أزمات الجوار وحرائقها وأدخنَتها المؤذية، وارتداد ذلك على الروح المعنوية، بما يعطل كل مستقبل وأمل. لكن الجانب الذي لا يجوز إغفاله هنا أن التحكم في الأزمات في الإقليم ليس شأنا أردنيا وحيدا، وهذا يعني أن الأزمات مفروضة على الأردن، والقدرة على تجنب كلفها ولو جزئيا أمر مهم، ونحن نرى التهديدات الإسرائيلية بحروب جديدة ضد جوارنا في سورية، ولبنان، والعراق، وفلسطين، وإيران الجار الثاني للأردن شرقا، وصولا إلى اليمن، وتأثيرات السياسات الأميركية على كل المنطقة، وصولا إلى روسيا وأوكرانيا بما يعنيه ذلك من ضرر على مستوى الاستقرار واقتصادات العالم، وبما يؤثر على الأردن ودول ثانية.
في حوارات مغلقة يقول لك كثيرون إن كل هذه الإعلانات وغيرها تتعامى عن المهددات، وإنها مجرد استثمار في الوهم أو الوقت الضائع، ويبدو الكلام محبطا وسلبيا، لأن القائل هنا لا يعلم الغيب أولا، ولا قدرة لديه على قدح غامضه، بل إن هذا الكلام يعبر أحيانا عن روح سوداوية تريد وقف كل شيء، وتجميد كل شيء، بانتظار تبدد غيوم الإقليم وضبابه، وهذا أمر غير منطقي، تعامل معه الأردن في أزمات كثيرة، وواجب مراكز القرار أن تدفع نحو حل المشاكل الداخلية، والأزمات المركبة هنا، وتحريك الحياة والاقتصاد، لا أن نُجمِّد مكاننا ونُعاقب أنفسنا بأنفسنا بذريعة أن الإقليم يحترق يوميا.
في أسوأ الحالات وعلى فرض امتداد كل الأزمات في الإقليم نحونا، وتشابكها وتعطيلها لكل شيء، فإن حالنا سيكون مثل حال غيرنا من المتأثرين، لكننا لحظتها لن نلوم أنفسنا أننا لم نحاول ولم نتحدَّ الموجة، ولم نسعَ لتطوير الأردن كما يجب، فيما يمكن الكلام بالمقابل عن الفرضيات الأفضل، أي تحسن أجواء الإقليم، واكتشافنا أننا لم نضع الوقت، ولم نتعرقل بكل هذه العقد من حولنا وحوالينا.
خلاصة الكلام أن الإدراك بوجود أزمات مكلفة جدا، لا يمنع أبدا من التخطيط للمستقبل، ومواصلة الحياة، فهذه هي حربنا من أجل البقاء والاستمرار، حيث عقيدة النجاة تكوينية لدى الأردن منذ أن كان.