أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    28-Dec-2025

أسر تعول على العام الجديد لتغيير نمط سلوكها الاقتصادي

 الغد-عبد الرحمن الخوالدة

مع اقتراب عام جديد، تتجه أنظار العديد من الأسر الأردنية نحو إحداث تغيير جذري في نمط حياتها وسلوكها الاقتصادي، في محاولة للحد من الأزمات المالية المتراكمة، والتخفيف من الضغوط المعيشية التي أثقلت كاهلها خلال السنوات الماضية، عبر تبني نهج التخطيط المالي ووضع موازنات أسرية واضحة.
 
 
ومن هذه الأسر عائلة أم سمير التي تقول إنها مع بداية العام الجديد تأمل في مراجعة نمط الإنفاق ووضع موازنة أسرية واضحة، بعد سنوات من غياب التخطيط المالي وما رافقه من ضغوط معيشية.
وتسعى أم سمير التي تعيل 3 أبناء إلى وضع خطة للعام الجديد تلتزم بموجبها بسقف إنفاق محدد وترتيب الأولويات المعيشية بما يمكنها من تخفيف الأعباء المالية وتجنب اللجوء إلى الديون التي عانت منها في السنوات الأخيرة، مؤكدة أنها تسعى إلى ترسيخ هذا النهج لدى أبنائها وبناتها، باعتباره سلوكا حياتيا يوفر قدرا من الاستقرار المالي على المدى الطويل.
الأربعيني خالد أحمد هو الآخر يقول إن العشوائية في الإنفاق كانت السمة الأبرز لسلوكه الاقتصادي في سنوات سابقة، دون أي تخطيط مالي واضح، ما وضعه أمام أزمات متكررة، وجعله غير قادر على الإيفاء ببعض المتطلبات العائلية إلا عبر الاقتراض. 
ويضيف أنه، خلال العام الماضي، غيّر هذا النهج وبدأ بالتخطيط المالي وسينتهج ذلك للعام الجديد، بعدما انعكست تجربة التخطيط  إيجابا على وضعه المعيشي والاقتصادي.
واتفق اقتصاديون على أن التخطيط الاقتصادي داخل الأسر الأردنية محدود بشكل كبير، ما يزيد من مخاطر الاستدانة والفوضى المالية، خصوصا بين ذوي الدخل المحدود. 
واعتبر هؤلاء الخبراء في تصريحات صحفية لـ"الغد"، أن غياب التخطيط الاقتصادي داخل الأسرة يعد السبب الرئيسي للأزمات المعيشية وتزايد الاستدانة بين الأسر، خصوصا ذوي الدخل المحدود. ويؤكدون أن التخطيط المالي أصبح ضرورة ملحة للأسر الأردنية، فهو يمكنها من الموازنة بين دخلها واحتياجاتها، وضمان استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، وتجنب الفوضى المالية.
ويرون أن التخطيط المالي أصبح ضرورة ملحة لجميع الأسر الأردنية لضمان استدامة الموارد المالية للأسر الأردنية، حيث يمكنها من الموازنة بين الدخل والاحتياجات، ويتيح لها الادخار، والاستثمار الرشيد، وتحقيق أهداف مالية طويلة المدى، ويمنحها القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبل وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
ويحث الخبراء جميع الأسر على ترتيب أولويات الإنفاق، ووضع ميزانية واضحة، وتسجيل الاحتياجات اليومية، ومراعاة الجوانب الصحية والغذائية، والحد من النفقات المرتبطة بالمظاهر الاستهلاكية غير الضرورية، مثل حفلات الأعراس والتخرج والمناسبات المكلفة، إضافة إلى تخصيص جزء من الدخل للطوارئ.
 نفقات الأسر الأردنية.. 
معطيات وبيانات 
وتغيب الإحصاءات الرسمية الحديثة محليا المتعلقة بدخل ونفقات الأسر، حيث تعود آخر بيانات متوفرة للعام 2018، رغم أن ما حملته السنوات الماضية من تحديات وأزمات عدة، بدءا من جائحة "كورونا" وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية، ثم موجة التضخم العالمية، انتهاء بالحرب الصهيونية على غزة والتوترات الإقليمية، غير من واقع هذه البيانات. 
ويشير آخر تحديث لبيانات دائرة الإحصاءات العامة فيما يتعلق بدخل ونفقات الأسرة، الذي صدر في العام 2018، إلى أن 49 % من الأسر الأردنية يقل إنفاقها عن 833 دينارا شهريا (10 آلاف دينار سنويا)، وأن 9 % من الأسر الأردنية في المملكة يقل إنفاقها السنوي عن 5 آلاف دينار (416.6 دينار بالشهر)، في حين أن 13 % يزيد إنفاقها السنوي على 20 ألف دينار (1666 دينارا شهريا).
 التخطيط المالي ضرورة غائبة تفاقم أزمات الأسر الأردنية
ويؤكد أستاذ الاقتصاد قاسم الحموري أن غياب التخطيط الاقتصادي داخل الأسرة الأردنية يعد من أخطر مسببات الأزمات المعيشية، مشيرا إلى أن التخطيط الأسري يكاد يكون شبه معدوم في كثير من البيوت، الأمر الذي يدفع بالأسر تدريجيا نحو الاستدانة.
ويقول الحموري إن أكثر من 80 % من الأسر الأردنية ذات موارد محدودة، ما يجعل التخطيط المالي ليس خيارا ترفيهيا، بل ضرورة ملحة تفرض المواءمة الدقيقة بين إمكانيات الأسرة واحتياجاتها الفعلية، موضحا أن غياب هذه المواءمة ينعكس سلبا على الاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي للأسرة.
ويشدد الحموري على أن ترتيب أولويات الإنفاق يجب أن يكون حجر الأساس في أي تخطيط أسري سليم، محذرا من الاختلالات الخطيرة في السلوك الاستهلاكي.
كما يشير إلى أن عدم قيام الأسرة بتدوين احتياجاتها ونفقاتها، ولو على ورقة أسبوعية، يعد خطأً شائعا يسهم في فقدان السيطرة على الدخل، داعيا إلى تبسيط أدوات التخطيط لتكون في متناول الجميع.
وفي هذا السياق، دعا الحموري وسائل الإعلام إلى الاضطلاع بدورها التوعوي، وحث الأحزاب السياسية على تنظيم دورات تدريبية لربات الأسر.
كما دعا إلى إشراك وزارة الأوقاف في هذا الجهد الوطني، من خلال توجيه الخطباء بعد تأهيلهم وتدريبهم للتطرق في خطبهم ودروسهم الدينية إلى أهمية التخطيط الاقتصادي للأسرة، باعتباره جزءا من حسن التدبير وصون الكرامة المعيشية.
 التخطيط الاقتصادي للأسرة.. ثقافة محدودة محليا
بدوره يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش إن التخطيط الاقتصادي للأسر يشكل حجر الأساس في أي تخطيط اقتصادي عام للمجتمع، مشيرا إلى أن هذه الثقافة تبدأ من الوحدة الأصغر، أي الأسرة، ثم تنتقل تدريجيا لتشكل الإطار العام للمجتمع. وكلما كانت الأسرة أكثر تخطيطا وتنظيما لمتطلباتها ومواردها، أصبح ذلك جزءا من الفكرة العامة للتنمية الاقتصادية، حيث ينعكس على القدرة على اتخاذ القرارات المالية الصائبة وتحسين مستوى المعيشة.
ويضيف عايش، أن التخطيط الأسري يمر بعدة مراحل عملية، تبدأ بدراسة الظروف الاقتصادية للأسرة، ثم وضع خطة مناسبة، يليها التنفيذ العملي، مع ضرورة وجود تغذية راجعة لتقييم الأداء، ما يسمح بتحقيق التوازن بين الاحتياجات، والقدرات، والنتائج المترتبة على القرارات المالية. 
ويؤكد أن غياب هذا التخطيط يؤدي إلى حالة من الفوضى وعدم القدرة على إدارة الموارد بكفاءة، خصوصًا لدى الأسر محدودة الدخل.
ويرى عايش، أن ثقافة التخطيط الاقتصادي للأسرة في الأردن لا تزال محدودة، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل ومنها انخفاض دخل الأسرة، ارتفاع معدلات التضخم، والضغط المستمر على ميزانياتها، إضافة إلى أن دخل العديد من الأسر ثابت نسبيا بينما احتياجاتها متغيرة على مدار العام. ومع ذلك، هناك إدراك متزايد لدى بعض الأسر بأهمية إدارة الدخل بشكل رشيد ومنضبط بما يتناسب مع احتياجاتها المعيشية.
ويوضح عايش أن التخطيط يساعد الأسرة على وضع ميزانية شهرية واضحة، ويتيح إمكانية الادخار، والاستثمار، والتخطيط للنفقات المستقبلية، مثل تعليم الأبناء، وزواجهم، ومتطلباتهم المهنية، رغم أن الدخل غالبا لا يغطي هذه الاحتياجات بالكامل. 
كما يشير إلى أن التحدي الأكبر يكمن في المصاريف الطارئة وغير المتوقعة، سواء كانت ناتجة عن مشاكل صحية، أو صيانة السيارات، أو متطلبات فصل الشتاء، أو مناسبات متكررة، مؤكدا ضرورة تخصيص جزء من الدخل للطوارئ بنسبة تتراوح بين 5 % و10 % لتجنب الأزمات المالية.
ولفت إلى أن غياب التخطيط يجبر بعض الأسر على الاعتماد على الديون لتغطية الفجوة بين الدخل والانفاق، أو خفض جودة الاستهلاك الأساسي، أو تأجيل الالتزامات المالية مثل الأقساط والفواتير، ما يزيد من تعقيد وضع الأسرة الاقتصادي. كما أن بعض الأسر تلجأ إلى جمع التمويل من العائلة أو الجيران أو الأصدقاء لسد هذه الفجوة، وهو حل مؤقت لا يغني عن التخطيط المنظم.
ويعتبر عايش أن التخطيط الاقتصادي السليم يتطلب معرفة دقيقة بالدخل والاحتياجات، ووضع خطة واضحة لتحقيق الأهداف المالية، مع مشاركة جميع أفراد الأسرة في الالتزام بهذه الخطة. وأضاف أن الأسرة يجب أن تكون على وعي دائم بقدرتها على الوفاء بالخطة، وألا تنفق أكثر من المخصص في الميزانية، مع مكافأة النفس على النجاحات الصغيرة، وتقليل المخاطر الطارئة قدر الإمكان. كما شدد على أهمية الانتقال بعد مرحلة التخطيط إلى مرحلة الاستثمار الرشيد والآمن، لضمان استدامة الموارد المالية وتحقيق أهداف طويلة المدى.
في الوقت ذاته يذهب عايش إلى أن التخطيط قد لا يحقق جميع الأهداف المرجوة دائما، لكنه يمنح الأسرة القدرة على معرفة موقعها المالي بدقة، وفهم الفجوة بين احتياجاتها ومواردها، والاستعداد للمرحلة القادمة بشكل أفضل، مؤكدا أن غياب التخطيط هو العامل الأبرز وراء الفوضى الاقتصادية التي تعاني منها العديد من الأسر الأردنية.
من جانبه اعتبر رئيس جمعية حماية المستهلك الأردنية محمد عبيدات، أن التخطيط الاقتصادي للأسر أصبح ضرورة ملحة، لا سيما للأسر ذات الدخل المتوسط والمرتفع، مشيرا إلى أن الأسر الفقيرة أو المعدومة لا تمتلك الموارد المالية الكافية لوضع خطط اقتصادية فعالة. 
ويؤكد أن التخطيط السليم والابتعاد عن المظاهر الاستهلاكية غير الضرورية يمثلان عاملين أساسيين لاستدامة الموارد المالية للأسر الأردنية وضمان قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية.
ويوضح عبيدات أن الطبقة الوسطى بدأت بالفعل تغيير سلوكها الشرائي والاستهلاكي، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يظهر بوضوح في محاولتها التكيف مع الوضع الجديد، خصوصًا مع محدودية الدخل وارتفاع أسعار المستلزمات اليومية الأساسية.
ويشير  إلى أن أهمية وضع خطط اقتصادية سنوية تكمن في تمكين الأسر من الوفاء بكافة احتياجاتها اليومية من صحة، وتعليم، وغذاء، ودواء، في ظل الضغوط الاقتصادية الراهنة، مؤكدًا أن هذه الخطط ضرورية بشكل خاص للأسر من أصحاب الدخل المتوسط والعالي.
ويشدد عبيدات على ضرورة أن تراعي هذه الخطط الجوانب الصحية والغذائية أولا، مع الحد قدر الإمكان من النفقات المرتبطة بالمظاهر الاجتماعية والعادات والتقاليد المكلفة، مثل حفلات التخرج وحفلات الأعراس والأتراح، موضحًا أن هذه المظاهر أصبحت تهدد استقرار الأسر وتستحوذ على جزء كبير من دخلها.