الأردن.. سنوات سِمان قادمة*علاء القرالة
الراي
يمر الأردن اليوم بمرحلة انتقالية فارقة في تاريخه الاقتصادي، بعد أن نجح خلال "السنوات العجاف"الماضية في تجاوز أخطر التحديات الإقليمية والدولية، التي كانت كفيلة بزعزعة اقتصادات راسخة، كما "جائحة كورونا" وتبعاتها، والحرب الروسية الأوكرانية وصولا إلى العدوان الإسرائيلي على غزة، فماذا ينتظرنا اقتصاديا في السنوات المقبلة؟.
الأردن ورغم كل تلك التحديات وما سبقها من"احداث اخرى" كما الربيع العربي وانقطاع الغاز المصري وتدفق الاجئين والارهاب وغيرها لم يفقد بوصلته، وتمكن من الحفاظ على استقراره الاقتصادي والاجتماعي، واستمر في تسيير الحياة العامة دون الوقوع بفخ الركود أو الانكماش أو اضطراب الخدمات الأساسية، مشكلا "حالة استثنائية" ومميزة من الثبات والاستقرار الاقتصادي في المنطقة.
اليوم مع انقضاء مرحلة الصمود، تدخل المملكة في مرحلة مختلفة كليا، قائمة على البناء والنمو المستهدف، حيث انه من المتوقع ان يشكل العام 2026 نقطة تحول محورية بمسار الدولة الاقتصادي، كونه سيشهد "الانطلاقة الفعلية" لثلاثة من أكبر المشاريع الوطنية الاستراتيجية، وهي الناقل الوطني ومشروع شبكة السكك الحديدية الوطنية، والمدينة الجديدة إلى جانب الاستاد الدولي.
هذه المشاريع لا تعد مجرد مشاريع بنية تحتية كبرى، بل"استراتيجية وطنية" متكاملة تعالج بشكل مباشر ملفات محورية تتعلق بالأمن المائي والطاقي والنقل، وهي المجالات التي تعد عصب الاستقرار والنمو الاقتصادي بالمدى البعيد، وتصل كلفة تنفيذها حسب المتوقع إلى نحو 10 مليارات دولار، ما يجعلها من أضخم الاستثمارات العامة في تاريخ المملكة.
الحكومة الحالية، وهي تستعد لإطلاق هذه المشاريع، تستند لقاعدة اقتصادية متينة وقوية، و"مؤشرات أداء" واعدة تعزز من فرص نجاحها، فالاقتصاد الوطني يسجل ورغم الظروف نموا بنسبة 2.8%، والصادرات ترتفع بنسبة8%، والقطاع السياحة يسجل نموًا بنسبة 7%، وتدفقت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 36%، في دلالة واضحة على ارتفاع ثقة المستثمرين.
الحكومة وبحسب ما لدي من معلومات عن خططها، تفكر ومن خلال هذه المشاريع والمبادرات المصاحبة لها على تحقيق نسب نمو قد تصل إلى 4% خلال السنوات الثلاث القادمة، في ظل "رؤية اقتصادية"طموحة تتماشى مع أهداف التحديث الاقتصادي 2033، وتستند لمفهوم الاقتصاد الإنتاجي القائم على تحفيز الاستثمار وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص محليا وخارجيا.
ما يميز هذه المرحلة أيضا، يكمن بالتوجه الجاد من الحكومة لإشراك المواطنين بملكية بعض هذه المشاريع الكبرى، مثل مشروع الناقل الوطني من خلال فتح باب الاكتتاب العام، بحيث يصبح المواطن شريكا فعليا في "مشروع استراتيجي" يدر عوائد استثمارية مستقرة ومجزية، ويعزز الشعور بالمواطنة الاقتصادية.
خلاصة القول، الأردن بات يقف على أعتاب "مرحلة جديدة" بكل المقاييس، عنوانها "السنوات الاقتصادية السمان"، التي تُبنى على قاعدة من الصبر والتخطيط والرؤية الواضحة، وتمثل فرصة تاريخية لا ينبغي تفويتها، نحو "ترسيخ نموذج" اقتصادي متقدم، ومستدام، وشامل.