أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    19-Oct-2025

أزمات السير بحاجة لمشاريع كبرى لاستيعاب أكثر من مليوني مركبة

 الغد-عبدالرحمن الخوالدة

 حيث تتكدس أطنان من المركبات في شوارع العاصمة عمان يوميا بفعل الأزمات المرورية الخانقة يبقى الموظف محمد الزيود وهو يقود مركبته سيئ المزاج حينما يذهب إلى عمله صباحا وكذلك في طريق العودة وكأن الوقت يتوقف بالنسبة إليه.
 
 
ويقول محمد، "أهدر كثيرا من الوقت أثناء الذهاب إلى عملي أثناء قيادة مركبتي يوميا عبر الطريق الخارجي الواصل من جرش إذ أستغرق 50 دقيقة لقطع 50  كيلو مترا من بيتي إلى عمان، لكن ليست هذه المشكلة، لأن الأزمة تبدأ عند مشارف العاصمة إذ أستغرق أكثر من ساعة للوصول من طرف العاصمة إلى مقر عملي في منطقة عبدون لقطع مسافة لا تتجاوز 16 كيلو مترا".
غير أن الوقت الذي يقضيه الثلاثيني خالد سليمان يوميا أضخم بكثير من ذاك الوقت الذي يهدره محمد، إذ يقول "استغرق نحو 6 ساعات يوميا بين الذهاب والإياب في تنقلي من محافظة المفرق إلى عملي في عمان عبر استخدام المواصلات العامة". 
ويضيف خالد "نصف هذه المدة في تنقله أقضيها من مجمع المحطة في العاصمة إلى مقر عملي في منطقة أم السماق والتي تستغرف مني 3 ساعات يوميا، نتيجة الازدحامات المرورية، إذ أخرج من عملي الساعة الثانية والنصف يوميا وأصل إلى بيتي بعد الساعة السادسة مساء". 
وكما حال سابقيها، تقول الموظفة سلاف أحمد "أنتظر يوميا صباحا أكثر من 40 دقيقة في موقف سرفيس دوار المدينة الرياضية – الحسين، إذ إن الأزمات المرورية الصباحية تضاعف الوقت الذي يستغرقه السرفيس في التنقل من الموقف إلى الوجهات التي يقصدها على الخط". 
وبينت سلاف أن الانتظار الصباحي الطويل، تسبب أكثر من مرة في حسم يوم العمل عليها نتيجة تأخرها عن موعد الدوام لما يزيد على ساعة، رغم خروجها من البيت مبكرا بنحو ساعتين من موعد الدوام اليومي. 
ويقدر عدد المركبات في الأردن بنحو مليونين ونصف مليون مركبة منها 2 مليون مركبة مرخصة داخل المملكة، في حين يتجاوز عدد المركبات القادمة عبر الحدود بنصف مليون مركبة، وفق بيانات دائرة السير في مديرية الأمن العام.
وأمام هذه الأزمة المستمرة والمتنامية، تتزايد الدعوات إلى ضرورة إيجاد حلول مرورية ناجحة لمعالجة هذه الازدحامات، في مقدمتها البحث عن استثمارات لتمويل مشاريع كبرى داخل العاصمة لتحسين خدمات النقل العام وتنويع أنماطه، والتوسع في نظام النقل السريع ليشمل كافة محافظات المملكة، إلى جانب ضرورة إدخال الأنظمة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي في قطاع النقل. 
وتشير دراسة تشخيصية للنقل العام في الأردن، أصدرها البنك الدولي منتصف عام 2022 أن طول رحل التنقل والازدحام في الأردن يعود إلى الزيادة الكبيرة في أعداد المركبات الخاصة التي ارتفعت بما نسبته 93.5 % خلال العقد الممتد من 2008 إلى 2018، فيما بلغت زيادة مركبات النقل العام لذات الفترة بنسبة 44.7 %. 
وقدرت دراسة البنك الدولي الكلفة السنوية للازدحامات المرورية في المملكة بنحو 1.5 مليار دولار. 
تجارب واقعية 
يقول أحمد عبدالنور، أقضي يوميا أكثر من ساعتين في تنقلي بالسيارة من البيت إلى مقر العمل وبالعكس، رغم قصر المسافة بينهما والتي لا تزيد على 10 كيلو مترات، حيث يقطن في منطقة الهاشمي الشمالي، فيما يعمل في منطقة خلدا. 
ويضيف أحمد الموظف في القطاع الخاص، انه اتبع أكثر من وسيلة للتغلب على مشكلة الازدحام ومنها اتباع سير طريق آخر أو استخدام المواصلات العامة، إلا أن المشكلة بقت قائمة. 
وواصل أحمد، أن الازدحامات المرورية المستمرة في الآونة الأخيرة تؤثر على شؤونه العائلية وكذلك على كلف إنفاق وقود مركبته التي تتزايد نتيجة لذلك.
سائق التكسي حسن أبو محمد، اشتكى من تداعيات الأزمات المرورية المستمرة عليه وعلى زملائه، والتي تضاعف من مصروف الوقود لمركباتهم، إضافة إلى تقليص عدد الرحلات اليومية، ما يضر بمستويات الدخل لديهم. 
ويوضح حسن أن هذه الأزمات، أحيانا توقعهم في مشكلات وخلافات مع بعض الركاب خاصة إذا ما طالت انتظارهم، حيث يتهم هؤلاء الركاب السائقين في سلك الطرقات المزدحمة عن قصد، بهدف زيادة الأجرة المترتبة عليها. 
من ناحيته، يرى المختص في قطاع الطاقة هاشم عقل أن الأزمات المرورية، خاصة في العاصمة عمان وغيرها من المدن الرئيسة، تعد من أبرز التحديات التي تواجه الأردن، حيث تؤدي إلى زيادة كبيرة في تكاليف النقل للمواطنين، وفقا للتقارير الدولية. 
وبين عقل أن للازمات المرورية اتباعات بيئة، حيث إن الاعتماد المتزايد على السيارات الخاصة المتهم الرئيس بتلك الازدحامات بسبب ضعف النقل العام، يؤدي إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 11.000 جيغا غرام من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، مما يكلف الاقتصاد بين 500 مليون ومليار دولار أميركي.
ولفت عقل إلى أنه من الناحية المباشرة للمواطنين، يصل إنفاق الأسر على النقل إلى 23.2 % من إجمالي نفقاتها، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 10 %، وفقا لخطة قطاع النقل الإستراتيجية (2024-2028) الصادرة عن وزارة الأشغال العامة والإسكان. إذ إن هذا الإنفاق يرتفع بسبب زيادة استهلاك الوقود نتيجة الازدحام والوقوف في الطوابير، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الصيانة للسيارات.
كما يساهم الازدحام المروري بحسب عقل، في ارتفاع تكاليف الصحة والنظافة بسبب التلوث، حيث يمثل قطاع النقل %34 من إجمالي الانبعاثات في الأردن عام 2021، هذه التأثيرات تؤثر بشكل أكبر على الفئات ذات الدخل المنخفض، الذين يعتمدون على النقل العام غير الكفؤ، مما يزيد من عبء الفقر والعزلة الاجتماعية.
وحول الحلول للحد من الأزمات المرورية في الشوارع الرئيسة في المملكة أوضح عقل أن هناك مجموعة من الإجراءات التقنية، التخطيطية، والتنظيمية، إذا تم تنفيذها بشكل متكامل، يمكن أن تقلل الازدحام بنسبة 5-10 % في السنوات القادمة وتتمثل بما يلي، أولا: تعزيز النقل العام الفعال وذلك من خلال تطوير نظام النقل السريع بالحافلات بين المحافظات كما يقترح إضافة حافلات كهربائية لتقليل التكاليف والانبعاثات، مع دعم مشاريع مثل مشروع حافلات عمان بإضافة 100 حافلة جديدة.
وثانيا: نظام النقل الذكي، وذلك من خلال التوسع في استخدام أنظمة ذكية لتشمل إدارة مرور متقدمة، ومراقبة في الوقت الفعلي، وتدشين تطبيقات لتتبع الحافلات ودفع الرسوم إلكترونيا، مما يقلل الازدحام بنسبة تصل إلى 30-20 %. 
ويضاف إلى ذلك ثالثا، إدارة الطلب على النقل، من خلال فرض رسوم الازدحام في المناطق المزدحمة، وتنظيم وقوف السيارات، وتشجيع ساعات عمل مرنة أو نقل الموظفين العامين بحافلات مخصصة لتقليل الازدحام في ساعات الذروة. 
ويتمثل الحل الرابع في التخطيط العمراني المستدام، وذلك بدمج التخطيط الحضري مع النقل من خلال تطوير مناطق توجيه النقل (حول خطوط  وتشجيع الاستخدامات المختلطة للأراضي (سكنية وتجارية قريبة) لتقليل المسافات، بالإضافة إلى بناء ممرات للمشاة والدراجات لتعزيز الحركة النشيطة.
وفي قائمة هذه الحلول خامسا، تحسين البنية التحتية والتنظيم، وتركيب إشارات مرورية متقدمة وأنظمة قياس الازدحام (metering) في الدواوير والتقاطعات، وتحديث أسطول النقل العام ليكون أحدث وأكثر كفاءة. كما يقترح الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمويل هذه المشاريع، مع حملات توعية لتحسين سلوك السائقين.
أرق مستمر 
وقال الخبير الاقتصادي منير أبو دية: "الأزمات المرورية في الأردن أصبحت تؤرق المواطن الأردني بشكل كبير"، مشيرا إلى أن هذه الأزمات تثقل كاهله من جميع النواحي، فهي تؤدي إلى ضياع الوقت، واستنزاف المال، وتزيد من تكاليف التنقل اليومية، سواء على صعيد الوقود أو مستهلكات المركبات.
وأضاف أبو دية، أن الأزمات المرورية تؤثر أيضا على الجانب النفسي للمواطن وقدرته على ترتيب وصوله إلى عمله أو أي مكان يحتاجه، مؤكدًا أن ذلك ينعكس في النهاية على الاقتصاد الوطني بشكل عام.
وأوضح أبو دية أن الأزمات المرورية تؤدي إلى استهلاك مضاعف للوقود والمحروقات، ما يزيد من الضغط المالي على المواطن، ويؤدي إلى تآكل موارد المركبات، ويؤثر سلبا على حركة الأسواق، حيث يجد المواطن صعوبة في الوصول إلى الأسواق والمراكز التجارية التي تعاني من ازدحامات مرورية.
وأكد أبو دية ضرورة إيجاد حلول مرورية ناجحة لمعالجة هذه الأزمات، كتنظيم المشاريع الكبرى داخل العاصمة، ومنع الترخيص العشوائي لمشاريع تزيد من الضغط المروري، إضافة إلى توجيه المستثمرين نحو إقامة المشاريع التجارية والسكنية الكبرى على أطراف العاصمة أو في المناطق الفارغة، مع تقديم تسهيلات وحوافز لذلك، بهدف فتح آفاق جديدة للتنقل وتخفيف الاختناقات المرورية.
وأضاف أبو دية، أن الحلول المرورية يجب أن تشمل تطوير وسائل النقل الجماعي الكبرى، مثل الباص السريع والمترو والأنفاق، بالإضافة إلى إنشاء طرق وجسور جديدة عبر استثمارات مشتركة بين القطاعين العام والخاص، مثل الطريق المقترح بين صويلح وناعور ومرج الحمام، بما يسهم في تخفيف الاختناقات.
وشدد أبو دية على أن ربط المحافظات ببعضها، مثل الربط بين عمان والزرقاء وبقية المحافظات، عبر شبكات نقل متطورة، يعد خطوة أساسية لتحسين حركة التنقل وتقليل أزمات السير، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات ستعود بالنفع على المواطن والاقتصاد الوطني على حد سواء.