أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    11-Sep-2025

الحوكمة الرقمية كأداة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية*د. سليمان علي الخوالدة

 الدستور

تُعد البيروقراطية الطويلة والتحديات المرتبطة بالإجراءات الحكومية من أبرز العقبات التي تواجه الدولة والمواطن، وتؤثر على فرص الاستثمار والنمو الاقتصادي. في هذا السياق، تبرز الحوكمة الرقمية كأداة استراتيجية لتحويل هذه الصعوبات إلى فرص فعلية، عبر تبسيط الإجراءات، تعزيز الشفافية، وتمكين متابعة الأداء الحكومي بسهولة أكبر. فهي تقلل الاحتكاك المباشر بين الموظف والمواطن، وتحد من الممارسات غير المشروعة، ما يعزز الثقة بالمؤسسات ويضمن فاعلية وكفاءة العمل.
فالتحول الرقمي لا يقتصر على تحديث المنصات أو البنية التحتية، بل يمثل إعادة هندسة للعلاقة بين الدولة والمواطن على أسس واضحة، تضمن الالتزام بالقوانين وكفاءة الأداء. من خلال تبني نظم رقمية شاملة، يمكن مراقبة سير المعاملات في الوقت الفعلي، وتسهيل الوصول إلى الخدمات الحكومية، ما يعزز المساءلة ويضع المواطنين في قلب عملية الرقابة، ويضمن معالجة الاختلالات بسرعة وفعالية.
شهد الأردن خطوات ملموسة نحو هذا الهدف، من خلال التوسع في الخدمات الحكومية الإلكترونية والتحول نحو الدفع الرقمي، ما ساعد على تسريع الإجراءات وتقليل المعاملات الورقية. ومع ذلك، تبقى هناك تحديات تحتاج إلى معالجة، مثل الترهل الإداري، ضعف البنية التحتية في بعض المناطق، والفجوة الرقمية بين فئات المجتمع المختلفة، ما يتطلب تحديث التشريعات، وحماية البيانات، ورفع وعي المواطنين بأهمية الشفافية والمشاركة في الرقابة، إلى جانب تطوير أدوات قياس الأداء لضمان استدامة التحول الرقمي.
كما أن نجاح الحوكمة الرقمية يعتمد على الثقافة المؤسسية والمجتمعية، وإعداد كوادر قادرة على إدارة هذا التحول بكفاءة. فالتنمية الرقمية تبدأ من الإنسان قبل التقنية، ومن هنا تأتي أهمية التدريب والتأهيل المستمر للكوادر العاملة في المؤسسات الحكومية لضمان استدامة النظام، وتمكين الموظفين من استخدام التكنولوجيا كأداة لتعزيز النزاهة والرقابة الداخلية.
وفيما يخص الاستثمار، فإن الترهل الإداري الطويل والاعتماد على الإجراءات الورقية كانا من أبرز العقبات التي تعيق تدفق الاستثمارات وتحد من ثقة المستثمرين. لكن وجود الحوكمة الرقمية يحوّل هذه العقبات إلى بيئة أعمال أكثر شفافية وسلاسة، حيث تختصر الإجراءات، وتقلل الاحتكاك المباشر مع الموظفين، وتتيح للمستثمر متابعة معاملاته إلكترونيًا، ما يعزز الثقة ويحد من الفساد المالي والإداري، ويخلق مناخًا محفزًا لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء.
ولا يمكن إغفال دور الشراكات المجتمعية في تعزيز فعالية الحوكمة الرقمية، فالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص يتيح تطوير أدوات المراقبة وجمع بيانات دقيقة، ما يدعم صناع القرار ويتيح اتخاذ إجراءات مبنية على معلومات واضحة وموثوقة. كما أن إشراك الشباب ورواد الأعمال في تصميم الحلول الرقمية يضيف بعدًا ابتكاريًا ويضمن استدامة التحول الرقمي، ويخلق ثقافة مجتمعية مؤثرة تشارك في تعزيز الشفافية والمساءلة.
إن الاستثمار في الحوكمة الرقمية لم يعد خيارًا يمكن تأجيله، بل ضرورة وطنية ملحّة. فالأردن يمتلك الكفاءات والقدرات التقنية التي تؤهله لتبني نموذج إصلاحي شامل قائم على الشفافية والمساءلة، شرط توفر إرادة سياسية واضحة ورؤية استراتيجية متكاملة. ومن خلال اعتماد نظم إلكترونية موحدة وشاملة، يمكن ضمان توحيد الإجراءات، وحماية حقوق المواطنين والمستثمرين، ومتابعة الأداء الحكومي بشكل دوري وفعال.
وبذلك تتحول الحوكمة الرقمية إلى أداة عملية لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وضمان استقرار الدولة ونموها الاقتصادي المستدام، وتصبح حجر الزاوية في الإصلاح السياسي الحديث. إنها ليست مجرد تحديث تقني، بل مشروع وطني شامل لتأسيس بيئة عمل مؤسساتية عادلة وشفافة، وقادرة على مواجهة تحديات الحاضر وصناعة مستقبل أكثر نزاهة وعدالة لجميع الأردنيين.