الغد
القرارات الأخيرة الصادرة عن مجلس الوزراء، والمتعلقة بمدينة العقبة، تشكل خطوة تنفيذية داعمة لمسار التحديث الاقتصادي، من خلال تحفيز قطاعي الاستثمار العقاري والسياحي ضمن بيئة تنظيمية مشجعة.
وهذه الحوافز لا تنفصل عن الخطة الإستراتيجية لسلطة العقبة الخاصة 2024–2028، التي تستهدف سبع أولويات رئيسة، على رأسها تعزيز مكانة العقبة كوجهة سياحية واستثمارية، ودفعها باتجاه التحول إلى مدينة ذكية ومستدامة ذات جاذبية إقليمية.
القرارات الأخيرة تطرح تساؤلات إيجابية حول مدى قدرتها على تحريك الطلب الراكد في السوق العقاري، وفتح مسارات استثمارية جديدة، خصوصًا في ظل منح تسهيلات نوعية كالإقامات طويلة الأمد، والإعفاءات الجمركية على المركبات والقوارب، وتخفيض كلف التملك داخل المجمعات السكنية المسوّرة.
والسؤال أيضا، هل يمكن لهذه السياسات أن ترفع من معدل إشغال الوحدات السكنية الحالية (1100 وحدة) وتسرّع تسويق الـ1200 وحدة الجديدة قيد الإنشاء؟
قراءة هذه القرارات من منظور اقتصادي تُبرز اتجاهًا واضحًا نحو استخدام الحوافز المالية والتنظيمية كأداة لتنشيط السوق العقاري والسياحي وتحقيق أهداف الخطة الإستراتيجية، إذ إن الربط بين تملك العقار والحصول على حوافز جمركية أو إذن إقامة يخلق معادلة اقتصادية واضحة، وهي تقليل الكلفة الإجمالية للدخول إلى السوق العقاري في العقبة مع تحسين العائد طويل الأجل للمستثمر أو المقيم، وهذا بدوره قد يعيد توجيه رؤوس الأموال غير الأردنية، لا سيما من دول الخليج، نحو الاستثمار في العقبة كمركز إقليمي بديل أو موازٍ لمدن ساحلية أخرى في المنطقة.
من جهة أخرى، فإن الحوافز التي تمنح لأول مرة للأردنيين لشراء وحدات سكنية داخل المجمعات المغلقة قد تؤثر في ديناميكيات الطلب المحلي، خاصة إذا ترافقت مع آليات تمويل مرنة، كما أن قرار إعفاء إدخال الأثاث ومركبة واحدة وربط الامتيازات بقيمة العقار (150 ألف دينار فأكثر) يعزز من استهداف الشرائح الأعلى دخلًا، ما قد يدفع بالسوق نحو إعادة تسعير تدريجية للوحدات ذات الجودة المتوسطة والمرتفعة.
يبقى التحدي الأساسي مرتبطًا بمدى قدرة هذه القرارات على خلق أثر مضاعف على القطاعات المساندة كالبناء، والخدمات، والسياحة، ومدى استدامة هذه الحوافز ضمن الإطار المالي العام، كذلك، فإن توجيه الحوافز نحو الاستخدام غير التجاري (مثل القوارب الشخصية) يحدد طبيعة النشاط الاقتصادي المستهدف، ويؤشر إلى رغبة في ضبط التوسع التجاري العشوائي وتوجيه التنمية نحو الاستخدام السكني والسياحي النوعي.
القرارات الأخيرة تشير إلى تحوّل في أدوات السياسات الحكومية في العقبة، من دور تنظيمي إلى دور تحفيزي نشط، فالسؤال الآن: إلى أي مدى ستنجح هذه الأدوات في خلق بيئة منافسة إقليميًا؟ وهل سترتفع نسبة مساهمة العقبة في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الخمس القادمة كنتيجة مباشرة لهذه الإجراءات؟ الإجابة مرهونة بسرعة التنفيذ، وفعالية الرقابة، ومدى التفاعل الحقيقي من السوق والمستثمرين.