الغد
يشهد العالم اليوم تنافسا متصاعدا بين القوى الكبرى لحماية مصالحها الاستراتيجية. الولايات المتحدة اختارت الضرائب والرسوم الجمركية سلاحا رئيسيا، فرفعت متوسط التعرفة على بعض الواردات الآسيوية إلى أكثر من 25 % في 2024، لتعزيز صناعاتها المحلية وتقليل الاعتماد على الخارج، خصوصا في التكنولوجيا والطاقة.
أوروبا، بدورها، تبنت سياسات حمائية جماعية، مثل “آلية تعديل الكربون على الحدود” المطبقة العام الحالي، لحماية سوقها الموحد من المنتجات عالية الانبعاثات والحفاظ على قدرتها التنافسية.
في المقابل، تواصل الصين توسيع مبادرة “الحزام والطريق”، إذ تجاوزت استثماراتها الخارجية 1.1 تريليون دولار، مع تركيز متزايد على ممرات الطاقة والنقل.
روسيا، رغم العقوبات الغربية، زادت صادراتها النفطية إلى آسيا بنسبة تفوق 15 % العام الماضي، بينما تسعى الهند لاستثمار نموها الاقتصادي الذي يتجاوز 6 % سنويا لتكون قوة تكنولوجية وصناعية كبرى.
هذا المشهد ينعكس بقوة على دول مجلس التعاون الخليجي التي تمثل مركزا محوريا للطاقة العالمية. فبحسب صندوق النقد الدولي، سجل اقتصاد مجلس التعاون نموا قدره 3.8 % في 2024، مع توقعات بنحو 4 % في 2025 مدعوما بزيادة مساهمات القطاعات غير النفطية. لكن زيادة السياسات الحمائية والضرائب العالمية قد تضغط على صادرات النفط والغاز والألمنيوم التي تشكل نحو 60-70% من إيرادات الحكومات الخليجية.
كما أن التحولات في سلاسل التوريد العالمية تدفع المستثمرين إلى إعادة توزيع استثماراتهم. ورغم ذلك، حققت دول المجلس تدفقات استثمار أجنبي مباشر تجاوزت 70 مليار دولار في 2024، يقودها قطاعا الطاقة المتجددة والتقنية، ما يعكس جاذبيتها المتزايدة.
برأينا، ولمواجهة هذه التحولات، يمكن لدول الخليج تبني ثلاث استراتيجيات رئيسة.
أولى هذه الاستراتيجيات هي مواصلة تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي، مثل رؤية البحرين 2030 ورؤية السعودية 2030 واقتصاد الخمسين الإماراتي لتقليل الاعتماد على النفط ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية التي تمثل حاليا مايقرب 45 % من الناتج المحلي الخليجي.
وثانية هذه الاستراتيجيات هي تعزيز الاستثمارات الاستراتيجية من خلال توظيف الفوائض المالية (تجاوزت الأصول السيادية الخليجية 4 تريليونات دولار) في قطاعات المستقبل، مثل الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي، بما يضمن عوائد طويلة الأجل.
وثالثة هذه الاستراتيجيات هي مواصلة نهج الدبلوماسية المتوازنة والتكامل إقليمي من خلال بناء شراكات اقتصادية مع كل من الشرق والغرب، وتعزيز التعاون الخليجي في الأمن الغذائي والطاقة المتجددة لزيادة القدرة التفاوضية.
التنافس العالمي الحالي يعكس مرحلة انتقالية نحو نظام متعدد الأقطاب، حيث تسعى كل قوة لحماية نفوذها. وإذا ما تبنت دول مجلس التعاون سياسات استباقية مرنة، فستتمكن من حماية مصالحها وتعزيز استقرارها ونموها، بل والتحول إلى لاعب رئيس في رسم ملامح الاقتصاد العالمي الجديد، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي ومواردها المالية الهائلة.
وباعتقادنا أن حجر الزاوية لحماية المصالح الخليجية وسط هذا التنافس العالمي الشديد هو تسريع خطى تكاملها الاقتصادي، وخاصة مشاريع السوق الخليجية المشتركة والوحدة النقدية، بهدف بناء تكتل اقتصادي قوي ومتين.