نظام الإفصاح عن البيانات.. ترسيخ لحقوق الأفراد في الخصوصية
الغد-إبراهيم المبيضين
في الوقت الذي تتعاظم فيه أهمية البيانات وخصوصا مع توسع استخدام الرقمنة والتطبيقات المبنية في معظمها على البيانات والمعلومات الشخصية للمستخدمين، أكد خبراء أهمية إقرار الحكومة نظام الإفصاح عن البيانات لسنة 2025، كخطوة استكمالية ضرورية تجاه تطبيق قانون حماية البيانات الشخصية.
وقال الخبراء: "إن نظام حماية البيانات الشخصية يشكل خطوة تشريعية ذات أهمية قصوى على الصعيدين القانوني والعملي. فهو يرسخ دعائم الحقوق الأساسية للأفراد، وعلى رأسها الحق في الخصوصية وحماية البيانات، وهما مبدآن معترف بهما عالميا ودستوريا".
وأشاروا إلى أن النظام يعطي طابعا قانونيا ينظم عمليات جمع ومعالجة واستخدام البيانات الشخصية، ما يحد من احتمالية التجاوزات ويضمن سيطرة الأفراد على معلوماتهم الخاصة.
وأكدوا أن هذا النظام يساهم في بناء وتعزيز الثقة في البيئة الرقمية المتنامية، حيث يصبح تعامل الجهات المختلفة مع البيانات الشخصية عنصرا حاسما في تشكيل هذه الثقة من خلال توفير ضمانات قانونية للمستخدمين أن بياناتهم ستعالج بمسؤولية وشفافية وأمان، ويشجع النظام على التفاعل الآمن مع مختلف المنصات والخدمات الرقمية.
وأقر مجلس الوزراء مؤخرا، نظام الإفصاح عن البيانات بهدف حماية البيانات المتعلقة بالمواطنين، ومنع إساءة استخدامها التي تتم أحيانا لأغراض دعائيَّة وإعلانية أو من خلال رسائل اقتحامية تنتهك خصوصياتهم لغايات التعرف على أنماط الاستهلاك والمعرفة ومحاولة الاستفادة منها، بشكل يتعارض مع التشريعات التي تنظم مسألة حماية البيانات الشخصية التي لا تسمح باستخدام البيانات الشخصية لهذه الغايات إلا برضا المستخدم.
ويأتي النظام لغايات الحفاظ على سرية البيانات للمواطنين وضمان سلامتها، وتنظيم إجراءات الإفصاح عن البيانات وتحديد شروطه، وتحديد الأشخاص الذين يجوز الإفصاح لهم عن البيانات المسموح بها.
تعزيز منظومة حماية البيانات
وأكد وزير الاقتصاد الرقمي والريادة سامي سميرات أهمية نظام الإفصاح عن البيانات لسنة 2025، في تعزيز منظومة حماية البيانات الشخصية في ظل سهولة جمعها والاحتفاظ بها ومعالجتها، ومنع الاعتداء على حق المواطنين والمقيمين في حماية بياناتهم الشخصية وخصوصيتهم المقررة بموجب أحكام الدستور والقوانين ذات العلاقة.
وأشار الوزير في تصريحات لـ"الغد"، إلى أهمية النظام مع عملية التحول الرقمي وتحويل الخدمات الحكومية إلى خدمات رقمية، حيث أصبحت الكثير من المؤسسات تجمع بيانات الأردنيين والمقيمين، لأغراض مخصصة وواضحة.
تنظيم جمع واستخدام البيانات
وقال سميرات: "إن النظام يأتي تطبيقا لقانون حماية البيانات الشخصية المقر سابقا لينظما عملية البيانات بعد جمعها، حيث لا يجوز لأي جهة أن تستعملها إلا للغرض الذي جمعت من أجله، ولا يجوز نقلها إلى طرف ثالث من دون موافقة الشخص المعني".
كما جاء النظام لتشجيع المواطنين على استخدام الوسائل الرقمية، وإعطاء الثقة للأردنيين والمقيمين بأن بياناتهم محمية بقانون عصري وأنظمة مصاحبة له، يتضمن ضوابط لعملية استخدام هذه البيانات ونقلها ومعالجتها، بحسب سميرات، الذي أشار إلى أنه وبموجب قانون حماية البيانات الشخصية، أنشئت مديرية حماية البيانات الشخصية في وزارة الاقتصاد الرقمي، وأنشأ كذلك مجلس حماية البيانات الشخصية أعطى الأفراد الحق في تقديم أي شكوى على الجهة التي تعالج البيانات لغير الغرض الذي تم جمعه من أجلها، التي بدورها تقوم المديرية بالتحقق من هذه الشكاوى وإدارتها.
المعايير الدولية
من جهتها، قالت الخبيرة في مجال حقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني: "إن إصدار نظام الإفصاح عن البيانات، يشكل استكمالا للمنظومة الوطنية لحماية بيانات الأفراد التي تشكل جزءا ومكونا أساسيا من مكونات الحق في الحياة الخاصة للأفراد".
وأكدت المومني أن الحق في الخصوصية أو الحياة الخاصة، تعد من الحقوق التي كفلتها المعايير الدولية لحقوق الإنسان وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي أشار إلى أن تكفل الدول الأطراف فيه، حماية الحق في الحياة الخاصة للأفراد من أي تدخل غير قانوني أو تعسفي.
وفي السياق ذاته، أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنبثقة عن العهد أن الحق في حماية الحياة الخاصة للأفراد يشمل ضرورة حماية بياناتهم من أي استحدام أو جمع غير مشروع أو استخدامها لغير الغاية التي جمعت لأجلها، كما حثت الدول الأطراف على تبني التشريعات اللازمة لحماية هذا الحق. وتجدر الإشارة، إلى أن الأردن صادق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ونشره في الجريدة الرسمية وأصبح جزءا من منظومته القانونية الوطنية.
وبناء على ما سبق، قالت المومني: "إن نظام الإفصاح عن البيانات يأتي لاستكمال منظومة الحماية الوطنية على المستوى التشريعي التي تهدف إلى حماية بيانات الأفراد من الاستخدامات غير المشروعة أو البعيدة عن الغاية المخصصة لجمعها".
الخصوصية والشمول الرقمي
وأشارت إلى أن هذا النظام له أهمية خاصة في ظل سياسة الشمول الرقمي واستكمال أطر العمل على التحول الرقمي، الذي يستوجب في إطاره العمل الحثيث على حماية بيانات الأفراد التي تشكل ركيزة أساسية له.
وأضافت أن النظام يأتي في إطار قانون حماية البيانات الشخصية الذي يضع التزامات على مختلف الأطراف ذات العلاقة، حماية للأفراد وبياناتهم في ظل مخاطر تميعها أو استخدامها بطرق غير مشروعة، وغير ذلك من أفعال تشكل جرائما وفق منظومة الحماية الوطنية.
إطار تنظيمي لأنشطة
معالجة البيانات
وقال الخبير في مجال التقنية الدكتور حمزة العكاليك: "إن النظام الجديد يفرض إطارا تنظيميا لأنشطة معالجة البيانات، حيث يلزم "جامع البيانات" و"معالج البيانات"، بالتزامات واضحة فيما يتعلق بآليات جمع البيانات، والأهداف المشروعة لاستخدامها، ومدة الاحتفاظ بها، والإجراءات الأمنية اللازمة لحمايتها".
وأشار العكاليك إلى أن هذا التنظيم يقلل من الممارسات العشوائية، ويؤسس لمبدأ المساءلة تجاه الجهات التي تتعامل مع البيانات الشخصية.
توجه عالمي لحماية الخصوصية
وفي سياق دولي، أكد العكاليك أن إصدار نظام أردني لحماية البيانات الشخصية يعكس توجها عالميا نحو تبني تشريعات شاملة في هذا المجال، كما هو الحال مع اللائحة العامة لحماية البيانات "جي دي بي ار" في الاتحاد الأوروبي. بالتالي يعزز هذا النظام مكانة الأردن في الاقتصاد الرقمي العالمي ويسهل التبادلات التجارية والتعاون الدولي في قطاع البيانات.
الابتكار
وعلى صعيد الابتكار، فإنه على الرغم من القيود التي قد تبدو ظاهرة، يمكن لنظام حماية البيانات أن يحفز تطوير تقنيات وممارسات أكثر أخلاقية ومسؤولية في جمع وتحليل البيانات، مما يؤدي إلى ابتكارات مستدامة وقائمة على ثقة المستخدم.
وأكد العكاليك أن لنظام حماية البيانات الشخصية دورا محوريا في خدمة أهداف التحول الرقمي وحماية بيانات المستخدم على حد سواء. فعلى صعيد التحول الرقمي، يوفر النظام أساسا قانونيا متينا ومنظما لأنشطة معالجة البيانات التي تعتبر حجر الزاوية في هذا التحول. فمن خلال تحديد الحقوق والالتزامات بوضوح، يقلل النظام من المخاطر القانونية ويهيئ بيئة أكثر استقرارًا للاستثمارات في التكنولوجيا الرقمية.
ولفت إلى أن النظام يسهل تدفق البيانات عبر الحدود مع مراعاة الضوابط الضرورية، مما يعزز التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية العابرة للحدود، وهو أمر حيوي لازدهار الاقتصاد الرقمي.
وقال العكاليك: "إن متطلبات النظام المتعلقة باتخاذ تدابير أمنية لحماية البيانات الشخصية، تحفز الشركات والمؤسسات على الاستثمار في حلول الأمن السيبراني المتقدمة، وهو عنصر أساسي لنجاح التحول الرقمي.
حقوق قوية للمستخدم
أما فيما يتعلق بحماية بيانات المستخدم، فيرى العكاليك أن النظام يمنح الأفراد مجموعة من الحقوق القوية التي تمكنهم من التحكم ببياناتهم الشخصية بشكل أكبر. تشمل هذه الحقوق الحق في الوصول إلى البيانات، وتصحيحها، ومسحها، وتقييد معالجتها، والاعتراض عليها، ونقلها. كما يفرض النظام التزامات واضحة على الجهات التي تتعامل مع البيانات الشخصية، مثل الشفافية في الممارسات، والحصول على موافقة صريحة ومستنيرة للمعالجة (عند الاقتضاء)، وتحديد أغراض مشروعة للمعالجة، وتقليل جمع البيانات إلى الحد الأدنى الضروري، وضمان أمن البيانات. فضلا عن تحديد النظام لمسؤوليات واضحة للمتحكمين والمعالجين في حال وقوع انتهاكات للبيانات، بما في ذلك الالتزام بالإبلاغ عن هذه الانتهاكات واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة.
كيف ننجح في تطبيق
نظام الإفصاح؟
ولضمان الالتزام الفعال بأحكام نظام حماية البيانات الشخصية وتحقيق النجاح في تطبيقه، هناك خطوات ضرورية عدة، وفقا لما يرى العكاليك، أولها وجوب إصدار لوائح تنفيذية وتفسيرية مفصلة لتوضيح آليات الامتثال ومتطلبات النظام، إضافة إلى إطلاق حملات توعية شاملة تستهدف الأفراد والجهات المختلفة، لتعريفهم بحقوقهم والتزاماتهم، وتوفير برامج تدريبية متخصصة.
وأكد أهمية إنشاء وتفعيل جهة رقابية مستقلة تتمتع بالصلاحيات والموارد الكافية لمراقبة الامتثال وإنفاذ القانون بفاعلية، وتطوير آليات واضحة وسهلة للإبلاغ عن انتهاكات البيانات وتشجيع الإبلاغ عن أي حوادث مشتبه بها، والعمل على تعزيز التعاون بين القطاع العام والخاص والمجتمع المدني، لضمان فهم وتطبيق مشترك لأحكام النظام.
ودعا العكاليك، الى مراجعة وتحديث النظام بشكل دوري لمواكبة التطورات التكنولوجية، وتوفير الدعم الفني والقانوني اللازم للجهات المعنية لمساعدتها على الامتثال، وتشجيع تبني التقنيات التي تعزز الخصوصية منذ مراحل التصميم الأولى.