الغد-إيمان الفارس
حذر تقرير دولي صدر مؤخرا عن مركز القانون الدولي لحقوق الإنسان التابع لجامعة "جونز هوبكنز"، من وقوف الأردن أمام تحد إستراتيجي مزدوج؛ من جهة، وعليه مواجهة أزمة مائية متفاقمة بفعل الجغرافيا والمناخ والديموغرافيا؛ ومن جهة أخرى، ينبغي عليه مواءمة سياساته الوطنية مع التزاماته الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وبينما أقر التقرير، الذي حصلت "الغد" على نسخة منه وانفردت بنشره، بجهود الأردن في بعض المسارات، إلا أنه أكد ضرورة العمل على الإصلاح الجذري، وليس التحسين التدريجي، إذا أرادت المملكة ضمان حق أساسي وحيوي لمواطنيها؛ الحق في المياه.
ورأى التقرير، الذي حمل عنوانه "هل حق المياه حق من حقوق الإنسان؟.. تجربة الأردن"، أن أزمة المياه بالأردن قضية وجودية تتطلب معالجة شاملة من مختلف الجوانب القانونية والإدارية والمجتمعية والدولية، معتبرا أنها أزمة تمس صميم الحق في الحياة والكرامة.
الأردن يمتلك فرصا حقيقية
وأكد التقرير، إن الأردن يمتلك فرصا حقيقية لتحقيق اختراق إيجابي في هذا الملف إذا توفرت الإرادة السياسية وتم بناء شراكات فاعلة بين الدولة والمجتمع المحلي والدولي تقوم على الشفافية والمساءلة والعدالة في توزيع الموارد.
وسلّط التقرير الضوء على التحديات البنيوية والتشريعية والمؤسساتية التي تواجه الأردن في سعيه لتأمين الحق في الحصول على مياه كافية وآمنة لمواطنيه، وذلك في ظل تصنيفه كواحد من أكثر بلدان العالم فقرا في الموارد المائية.
وأوصى التقرير، الذي استهدف تشخيص الوضع الراهن لحقوق المياه في الأردن ليس فقط من أجل التوصيف بل لحث صناع القرار والمجتمع المحلي والدولي، بأهمية اتخاذ خطوات إصلاحية فعلية لمواجهة أزمة ذات أبعاد إنسانية واقتصادية وجيوسياسية عميقة.
خطوة مهمة لتعزيز أداء قطاع المياه
وفي الإطار ذاته، أكد الأمين العام الأسبق لوزارة المياه والري م. إياد الدحيات، في تصريحات لـ"الغد"، أهمية صدور التقرير، باعتباره خطوة مهمة لتعزيز أداء قطاع المياه الوطني عبر دعم الجهود الرامية لتحسين نوعية الخدمات المقدمة وضمان توفير مياه آمنة وكافية لجميع المواطنين.
وتابع: التقرير يتضمن مجموعة من التوصيات الجوهرية التي يمكن دمجها ضمن المرحلة الثانية من البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي في المملكة، مشددا على أن من أبرز تلك التوصيات ما يتعلق بمراجعة وتعزيز الإطار التنظيمي والمؤسسي والقانوني لقطاع المياه بشكل يؤدي لرفع كفاءة الأداء وتوضيح المهام والمسؤوليات وإشراك جميع الشركاء في عملية صناعة القرار وخاصة فيما يخص مشاريع البنية التحتية كشبكات المياه ومحطات التزويد والصرف الصحي.
وأكد، أهمية تطوير منظومة استقبال شكاوى المواطنين والتعامل معها بشكل فعال، لا سيما خلال فترات الذروة في الطلب المائي، ما يساهم برفع مستوى ثقة المواطنين بشركات المياه الحكومية وزيادة رضاهم عن أدائها.
وأشار إلى أن من أولويات المرحلة المقبلة كذلك نشر المعلومات والبيانات المتعلقة بالواقع المائي بشكل شفاف ومنتظم عبر منصة إلكترونية تفاعلية تسهّل على المواطنين والباحثين والمهتمين الوصول إليها، مما يعزز الشفافية ويساعد على اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية وبيانات دقيقة.
وبشان توزيع الموارد المائية، أشار الدحيات لضرورة المحافظة على تعزيز حصة الفرد من المياه في المحافظات الأكثر فقرا مائيا عبر إعطاء مشاريع زيادة مصادر المياه في هذه المناطق الأولوية القصوى ضمن موازنات الأعوام 2026 إلى 2030، إضافة لإعادة تخصيص المصادر المائية عبر مشروع الناقل الوطني للمياه أو عبر إعادة توزيع الموارد الحالية.
وأكد أن هذا التوجه يجب أن يترافق مع توسيع شبكات المياه والصرف الصحي وإعادة هيكلتها بما يضمن وصول المياه إلى المناطق الأشد حاجة.
ولفت الدحيات إلى أن هذه الخطوات تخفيف من اعتماد المواطنين على المصادر البديلة مثل الصهاريج والمياه المعبأة، ما يسهم بتخفيض الكلف الشهرية للأسر الأردنية.
وأوضح أن تحقيق ذلك يتطلب بناء ثقة مجتمعية أكبر بمياه الشبكة العامة، مشيرا لأهمية الحملات الإعلامية والتوعوية التي تراعي اختلاف الشرائح الاجتماعية والثقافية وتُبرز الجهود الرقابية والتشغيلية التي تنفذها وزارات الصحة والمياه والري وشركات المياه لضمان سلامة وجودة المياه.
وأضاف أن من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية المهمة التي أشار إليها التقرير؛ ضرورة إعادة توجيه الدعم المالي ليكون قائما على قدرة الأسرة على الدفع وليس على حجم استهلاك المياه.
واعتبر الدحيات أن هذا التوجه ينسجم مع مبادئ العدالة الاجتماعية ويوفر حماية أفضل للفئات الأقل دخلاً، خاصة في ظل التفاوتات المعيشية والاقتصادية بين المحافظات.
وجدد تأكيد أهمية إدراج موضوع تقييم واقع حق الحصول على المياه ضمن تقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان للعام 2024، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الحقوق المدنية والاجتماعية وخاصة تلك المتعلقة بالفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، مشددا على أن هذا التوجه من شأنه أن يربط بين السياسات المائية وملف حقوق الإنسان ويوفر مؤشرات عملية لقياس التقدم في هذا المجال الحيوي.
10 توصيات لتحسين قطاع المياه
وعودة لتفاصيل التقرير؛ فإنه خلص لتوصيات ومقترحات تمثلت بـ10 محاور أساسية، تمثل المحور الأول بالدعوة لضرورة سد الفجوة التشريعية في القانون الوطني الأردني.
أما المحور الثاني، فتناول إشكالية التداخل المؤسسي في قطاع المياه إذ يلاحظ التقرير صعوبة في تحديد المسؤوليات بين الجهات الحكومية المختلفة في هذا القطاع، مما يعوق مساءلة المؤسسات ويحد من شفافية اتخاذ القرار.
وتطرق المحور الثالث لنظام التسعير الحالي للمياه والذي رأى فيه التقرير عبئا إضافيا يقع على كاهل الفقراء، حيث تحتسب تعرفة المياه على أساس كمية الاستهلاك دون النظر إلى دخل الأسرة، وهو ما ينتج نظام دعم غير عادل.
وانتقالا للمحور الرابع، فتعلق بالحاجة لتعزيز إدارة المعلومات وتسهيل الوصول إليها، وفق التقرير الذي أوصى بضرورة إنشاء مركز وطني للمعلومات حول قطاع المياه يوفر بيانات دقيقة ومحدثة حول استهلاك المياه والإيرادات والنفقات والبنية التحتية.
وسلّط المحور الخامس الضوء على ضعف الوعي المجتمعي بخطورة أزمة المياه في الأردن، لافتا إلى أن غالبية المواطنين لا يدركون حقيقة التحديات المائية التي تواجه بلادهم أو دورهم في تخفيف هذه الأزمة.
كما أشار التقرير لانتشار عدم الثقة في المياه الحكومية ما يدفع الناس إلى شراء المياه المعبأة رغم أن مصدرها في كثير من الأحيان هو ذاته شبكة المياه العامة.
وطالب التقرير في هذا السياق، بإطلاق حملة وطنية للتوعية تشمل المدارس والإعلام والمساجد لتغيير الثقافة العامة تجاه ترشيد الاستهلاك والثقة بالمصادر الرسمية.
أما المحور السادس، فتناول قضية إعادة تدوير المياه كأداة إستراتيجية في إدارة الموارد المائية،
ولفت المحور السابع الانتباه للعبء غير المتكافئ الذي تتحمله النساء في إدارة المياه المنزلية خاصة في المناطق الريفية حيث تضطر النساء لقضاء ساعات طويلة في تأمين المياه، ما يؤثر سلبا على صحتهن الجسدية والنفسية وعلى فرصهن في التعليم والعمل.
وعن المحور الثامن؛ فدعا لضرورة إعادة النظر في الاتفاقيات المائية مع كل من سورية والكيان، مشيرا إلى أن هذه المعاهدات بحاجة لمراجعة جوهرية تضمن تخصيص كميات واضحة وعملية من المياه مع ضرورة تفعيل آليات فض النزاعات وتعويض المتضررين وفقا للقانون الدولي.
ولفت التقرير إلى أن الظروف السياسية الحالية وخاصة الحرب في غزة؛ قد تعرقل الاتصالات مع الكيان لكن التعاون المائي يبقى ضرورة إستراتيجية لا غنى عنها.
وفي المحور التاسع؛ فناقش ظاهرة فاقد المياه التي يصفها التقرير بأنها التحدي الأكبر بعد الجغرافيا حيث تصل معدلات الفاقد لمستويات مقلقة بسبب التسريبات وسوء الصيانة والسرقات المنظمة.
وأكد التقرير أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب مزيجا من الاستثمار في البنية التحتية وتحديث السجلات والتطبيق الحازم للقانون، مشددا على ضرورة إيصال رسالة واضحة بأن سرقة المياه جريمة يعاقب عليها القانون ويجب أن يشعر كل فرد أن من يسرق المياه يسرق من وطنه ومن مجتمعه.
أما المحور العاشر؛ فركز على الاستخدام الزراعي للمياه وأثار تساؤلات حول مدى فاعلية هذا الاستخدام في ظل أن كميات ضخمة من المياه تستهلك في الزراعة مقابل عائد اقتصادي محدود.
كما أشار التقرير لاستفادة بعض المزارعين من ذوي النفوذ، من أسعار مدعومة أو يحصلون على المياه بطرق غير قانونية، موصيا في هذا السياق بإعادة النظر في تسعير مياه الري وربط الدعم باستخدام مياه غير صالحة للشرب متى ما كان ذلك ممكنا في الزراعة بما يحقق التوازن بين دعم الزراعة والحفاظ على المياه الصالحة للاستهلاك البشري.