طوكيو: «الشرق الأوسط»
ربما يُراجع بنك اليابان توقعاته للأسعار لفترة طويلة قبل رفعها مجدداً، لكنه لا يزال يُتيح مجالاً للتحرك هذا العام من خلال توخي الحذر إزاء اتساع ضغوط الأسعار التي قد تُنذر بارتفاع مُفرط في التضخم.
وفي حين ركزت أنظار المستثمرين في اجتماع بنك اليابان للسياسة النقدية هذا الأسبوع على قراره المُيسّر بإبطاء وتيرة سحب حزمة تحفيز السندات، قدّم البنك العديد من الحجج التي تُبرر استمراره في رفع أسعار الفائدة.
وقال محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، يوم الثلاثاء، إن تركيز بنك اليابان على المدى القريب ينصب على المخاطر السلبية التي تهدد الاقتصاد الياباني، مع تزايد تأثير الرسوم الجمركية الأميركية في النصف الثاني من هذا العام، مما يُشير إلى أن البنك ليس في عجلة من أمره لاستئناف رفع أسعار الفائدة.
لكنه أضاف أن مخاطر الأسعار لا تقتصر على المخاطر السلبية فحسب، بل تشمل أيضاً المخاطر الصعودية، مُضيفاً أنه لا ينبغي لبنك اليابان استبعاد احتمال ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما قد يؤدي إلى تضخم مستدام على نطاق أوسع.
وقال للصحافيين بعد قرار بنك اليابان، الذي كان متوقعاً على نطاق واسع بإبقاء أسعار الفائدة ثابتة: «إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالفعل، فإن تحركات أسعار النفط الناجمة عن التوترات في إيران وإسرائيل، إذا استمرت، فقد تُؤثر على توقعات التضخم والتضخم الأساسي»، وأضاف: «لذلك، يجب علينا دراسة التطورات بعناية».
توقعات برفع الفائدة
وجاءت هذه التصريحات في ظل تصاعد الصراع في الشرق الأوسط الذي تسبب في ارتفاع أسعار النفط الخام. وتتوقع شركة ميزوهو للأوراق المالية أن يؤدي الارتفاع الأخير في تكاليف الوقود إلى ارتفاع معدل التضخم الاستهلاكي الأساسي بنسبة تصل إلى 0.2 في المائة مع حلول خريف هذا العام، وقد يزيد من توقعات التضخم لدى الأسر التي تواجه ارتفاعاً في فواتير البنزين والخدمات.
ومن شأن ذلك أن يُضاف إلى ارتفاع أسعار الأرز والمواد الغذائية بالفعل، والذي رفع التضخم العام إلى 3.6 في المائة في أبريل (نيسان)، متجاوزاً بذلك بكثير هدف بنك اليابان البالغ 2 في المائة.
وقد تؤدي هذه الضغوط السعرية إلى رفع توقعات بنك اليابان للتضخم في تقريره الفصلي القادم المقرر صدوره في 31 يوليو (تموز)، عندما يُجري المجلس مراجعة جديدة لمعرفة ما إذا كانت ضغوط ارتفاع التكاليف قد هدأت كما يتوقع.
وقالت أياكو فوجيتا، الخبيرة الاقتصادية في «جي بي مورغان للأوراق المالية»: «نتوقع أن يُراجع بنك اليابان توقعاته للأسعار بالرفع في تقرير التوقعات لشهر يوليو، مما يُمهد الطريق لرفع أسعار الفائدة في أكتوبر (تشرين الأول)».
وفي التوقعات الحالية الصادرة في الأول من مايو (أيار)، يتوقع بنك اليابان المركزي أن يصل معدل التضخم الاستهلاكي الأساسي إلى 2.2 في المائة في السنة المالية المنتهية في مارس (آذار) 2026، قبل أن يتباطأ إلى 1.7 في المائة في العام التالي.
وتستند هذه التقديرات إلى افتراض ثبات أسعار النفط الخام بشكل عام طوال فترة التوقعات، وتضاؤل آثار ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
قراءات متباينة
وأدى عدم اليقين بشأن السياسة التجارية الأميركية إلى تعقيد جهود بنك اليابان المركزي لتقليص اعتماد الاقتصاد على حزمة تحفيز اقتصادي استمرت عقداً من الزمن، حيث ألغى إعلان الرئيس دونالد ترمب عن الرسوم الجمركية في أبريل الخطط الأولية لرفع أسعار الفائدة في يوليو.
ورأى بعض مراقبي بنك اليابان المركزي أن تعليقات أويدا هذا الأسبوع كانت متساهلة بشكل مفاجئ، واستبعدت احتمال رفع أسعار الفائدة في المدى القريب.
وصرح تاكاهيدي كيوتشي، العضو السابق في مجلس إدارة بنك اليابان المركزي، بأنه حتى لو استأنف بنك اليابان المركزي رفع أسعار الفائدة، فمن المرجح أن يكون ذلك في نهاية العام أو أوائل العام المقبل، مما سيمنح البنك المركزي الوقت الكافي لاستيعاب الأثر الاقتصادي لرسوم ترمب الجمركية.
صدمة العرض
ومع ذلك، صعّد بنك اليابان مؤخراً تحذيراته بشأن الآثار الجانبية لصدمات العرض، إذ يتزايد قلقه من التأخر في معالجة خطر التضخم المرتفع للغاية.
وفي تقرير التوقعات الصادر في الأول من مايو، أشار بنك اليابان إلى أن ارتفاع أسعار الأرز والمواد الغذائية قد يؤثر على التضخم الأساسي من خلال تغيير تصورات الجمهور حول تحركات الأسعار المستقبلية.
وفي أقوى تحذير حتى الآن بشأن ضغوط الأسعار، صرّح أويدا الشهر الماضي بأن اليابان تشهد «جولة أخرى من صدمات العرض» على شكل ارتفاعات في أسعار المواد الغذائية، مما قد يتطلب استجابة سياسية.
وقال: «بما أن التضخم الأساسي يقترب من 2 في المائة مقارنةً ببضع سنوات مضت، علينا توخي الحذر بشأن كيفية تأثير تضخم أسعار المواد الغذائية على التضخم الأساسي»، مشيراً إلى خطورة تجاهل تأثير أسعار المواد الخام.
ويولي بنك اليابان اهتماماً خاصاً لكيفية تأثير ارتفاع أسعار المواد الغذائية على توقعات التضخم لدى الأسر. وقد جذبت مضاعفة سعر الأرز، وهو غذاء أساسي في اليابان، اهتماماً عاماً مكثفاً. قال مصدر مطلع على تفكير بنك اليابان: «لم تعد زيادات الأسعار تُخيف المستهلكين، وهو ما قد يكون مؤشراً على ارتفاع توقعات التضخم لدى الأسر بالفعل».
وقال مصدر آخر: «إذا ظل التضخم الإجمالي عند نحو 4 في المائة، فقد يميل البعض في بنك اليابان أكثر لصالح رفع أسعار الفائدة».
التزام وحيرة
في الوقت الحالي، من المرجح أن يلتزم بنك اليابان بالبيانات التي تتيح له الثبات على موقفه طالما دعت الحاجة - أو رفع أسعار الفائدة بسرعة إذا تبددت حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية الأميركية... ومن المرجح أن يُبقي هذا الأمر المشاركين في السوق في حيرة بشأن توقيت رفع أسعار الفائدة التالي.
ويتوقع محللون في بنك «آي إن جي» أن يُؤجل بنك اليابان رفع أسعار الفائدة حتى أوائل عام 2026 إذا استمرت مفاوضات الرسوم الجمركية بين اليابان والولايات المتحدة لفترة أطول من المتوقع. وأضافوا أنه من الممكن تقديم موعد رفع الفائدة إذا تزايدت الضغوط التضخمية الكامنة.
وقال بنك «آي إن جي»: «انتقل تأثير ارتفاع أسعار الأرز والمواد الغذائية سابقاً إلى أسعار الخدمات وأسعار السلع المصنعة الأخرى. كما نشهد ارتفاعاً تدريجياً في الإيجارات خلال الأشهر القليلة المقبلة... وإذا استمر التضخم الأساسي فوق 2 في المائة خلال الأشهر المقبلة، فلا يزال من الممكن أن يرفع بنك اليابان المركزي أسعار الفائدة في الربع الرابع من عام 2025».