الحوافز الاستثمارية للطفيلة.. كيف يمكن تعميمها؟
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
في الوقت الذي أقر فيه مجلس الوزراء حزمة من الحوافز الاستثمارية لدعم مدينة الطفيلة الصناعية، دعا خبراء اقتصاديون الحكومة إلى تعميم هذه الحوافز على جميع المدن الصناعية في المملكة، بهدف النهوض بالمشهد الاستثماري الوطني، واستقطاب مزيد من الاستثمارات، وتقليص الفجوة الاستثمارية الكبيرة بين العاصمة عمان وباقي المحافظات.
ويرى الخبراء أن حدة المنافسة الإقليمية والدولية على جذب الاستثمارات تفرض على الحكومة تطوير سياساتها الاستثمارية لتصبح أكثر جاذبية ومرونة، مع التركيز على تطوير البنية التحتية والخدمات في المحافظات خارج العاصمة، بما يشجع المستثمرين على إقامة مشاريعهم فيها.
وأكد الخبراء في تصريحات لصحيفة "الغد" أن تقديم هذه الحزمة التحفيزية لمحافظة الطفيلة يُعد خطوة مهمة لتعزيز التنمية الاقتصادية في المحافظة، وتحفيز الاستثمارات الصناعية، بما يجعلها وجهة مفضلة للقطاع الصناعي، من خلال خفض كلف الإنتاج، وهو ما سينعكس إيجاباً على توفير فرص العمل داخل المحافظة، وزيادة حجم الصادرات الوطنية، وبالتالي تحسين مؤشرات الاقتصاد الوطني، خاصة معدلات النمو.
وأشاروا إلى أن قرار الحكومة جاء نظراً لخصوصية محافظة الطفيلة، التي تعاني من ضعف في حجم الاستثمارات مقارنة بمحافظات المملكة الأخرى.
وكان مجلس الوزراء قد أقر، خلال جلسته التي عقدها أول من أمس في محافظة الطفيلة، حزمة من الحوافز لدعم مدينة الطفيلة الصناعية، تضمنت تخفيض أسعار الأراضي بنسبة
50 % إضافية على التخفيض السابق، ليصبح سعر المتر المربع 5 دنانير فقط، بالإضافة إلى إعفاء الشركات والمصانع التي تُؤسس أو تُسجل خلال عام من تاريخ القرار من رسوم الكهرباء لمدة ثلاث سنوات.
ووفق أحدث البيانات الإحصائية، بلغت قيمة الاستثمارات المستقطبة في مدينة الطفيلة الصناعية خلال عام 2023 حوالي 6.4 مليون دينار، عبر توقيع 10 عقود استثمارية جديدة، أسفرت عن استحداث 235 فرصة عمل.
أما على مستوى المملكة، فقد أفادت بيانات شركة المدن الصناعية الأردنية لعام 2024 أن المدن الصناعية استقطبت 211 استثمارًا جديدًا بقيمة تقارب 240 مليون دينار، مع توقعات بتوفير نحو 11 ألف فرصة عمل في مراحلها التشغيلية المختلفة.
تعزيز البنية التحتية
وقال وزير الدولة الأسبق لشؤون الاقتصاد، الدكتور يوسف منصور، إن الحوافز الاستثمارية المخصصة لمحافظة الطفيلة جاءت نظراً لضعف حجم الاستثمارات فيها مقارنة بباقي المحافظات، ما يعكس إدراك الحكومة للحاجة الملحة لدعم هذه المناطق عبر مشاريع تنموية واقتصادية تعود بالنفع على أبنائها.
وأضاف أن القرار سينعكس إيجابًا على جذب الاستثمارات المحلية والدولية للطفيلة، مما يساهم في تقليص نسب البطالة، وتحسين الواقع المعيشي والتنمية المستدامة للسكان. وأشار إلى أن دراسة رسمية سابقة أظهرت أن كل دينار يُستثمر في الطفيلة يقابله 1700 دينار تُستثمر في العاصمة عمان، مما يُظهر بوضوح حجم الفجوة الاستثمارية.
وأكد منصور أهمية تعميم الحزمة التحفيزية على باقي المحافظات، وخاصة في المناطق الطرفية، لكنه لفت إلى أن الحوافز الحالية رغم أهميتها، غير كافية للنهوض الكامل بالمشهد الاستثماري، مشدداً على الحاجة إلى إصلاحات جذرية وهيكلية لبيئة الأعمال في المملكة.
وأشار إلى ضرورة تركيز الحكومة على تطوير البنية التحتية والخدماتية في المحافظات، من مراكز ترفيه ومرافق صحية وتعليمية حديثة، لجعل بيئة الاستثمار خارج عمان والزرقاء أكثر جذباً.
الطفيلة وجهة واعدة للقطاع الصناعي
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي والمستثمر في القطاع الصناعي، موسى الساكت، أن الحزمة المخصصة للطفيلة تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التنمية الاقتصادية في المحافظة، وجعلها وجهة مفضلة للقطاع الصناعي، بما توفره من خفض في كلف الإنتاج، وفرص لتوسيع النشاط الصناعي، وبالتالي خلق المزيد من الوظائف.
وتوقع الساكت أن تؤدي الحوافز إلى إقامة مشاريع صناعية جديدة خلال الفترة المقبلة، مما سيُحدث نقلة نوعية في الواقع الاقتصادي والمعيشي لأبناء المحافظة.
ودعا إلى توسيع نطاق الحوافز لتشمل جميع المدن الصناعية، خاصة في المحافظات خارج عمان والزرقاء وإربد، وربط الحوافز بقيمة الاستثمار الاقتصادية، لا سيما في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، كما حددتها رؤية التحديث الاقتصادي، مثل الصناعات التحويلية، الغذائية، الدوائية، النسيجية، الكيميائية، والتعدين.
وأكد الساكت أن منح هذه القطاعات حوافز إضافية سيُسهم في رفع حجم الصادرات، وتحفيز الاستهلاك المحلي، والنمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تقليص معدلات البطالة، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.
خطوة نحو تنمية شاملة ومتوازنة
بدوره، رحب مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أحمد عوض، بقرار مجلس الوزراء، معتبراً أنه يعكس فهماً أعمق لضرورة تحفيز التنمية خارج العاصمة، وسعياً لتوزيع أكثر عدالة للفرص الاقتصادية بين المحافظات.
وقال عوض: “في ظل المنافسة العالمية الشديدة على الاستثمارات، يتوجب على الحكومات تطوير أدواتها وسياساتها الاستثمارية لتصبح أكثر جذباً ومرونة، وإلا فإنها ستخرج من سباق استقطاب رؤوس الأموال.”
وأضاف أن دعم الاستثمار في المناطق الأقل نمواً يُمثل تطوراً مهماً في الفكر التنموي، خاصة مع التفاوت التنموي القائم. وأشار إلى أن تخفيض كلف الاستثمار في الأراضي والكهرباء والبنية التحتية سيساعد في إزالة كثير من العقبات أمام المستثمرين.
وشدد على أن نجاح الاستثمارات لا يعتمد فقط على خفض التكاليف، بل يتطلب منظومة حوافز متكاملة، داعياً إلى مراجعة السياسات الضريبية، وجعلها أكثر عدالة وإنصافاً للطبقة الوسطى، ما سينعكس على تنشيط السوق الداخلي.
وأكد ضرورة تحقيق توازن بين الحوافز الاستثمارية والحماية الاجتماعية، مشدداً على ألا تكون الحوافز على حساب حقوق العمال، بل يجب أن تُسهم في تحسين بيئة العمل، وتعزيز شبكة الحماية الاجتماعية، ورفع مستوى المعيشة للمواطنين.
وطالب عوض بتعميم تجربة الطفيلة على باقي المحافظات، على أن تترافق مع إصلاحات اقتصادية وعدالة ضريبية وضمانات اجتماعية، لخلق بيئة استثمارية عادلة ومستدامة، تُسهم في تحقيق تنمية متوازنة وشاملة.