أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    17-Jul-2025

هشاشة الرقابة الغذائية.. من يتحمل مسؤوليتها؟*أحمد حمد الحسبان

 الغد

احتراما للقضاء النزيه، وامتثالا لقرار رئيس النيابة العامة المكرم لن أتحدث عن قضية التسمم الكحولي التي أشغلت الرأي العام وفتحت الباب واسعا أمام تساؤلات جلها ليس جديدا. وأكتفي بالحديث عن موضوع الرقابة بشكل عام، والخشية من تحولها إلى رقابة لاحقة غير منتظمة، بدلا من أن تكون سابقة وضمن إطار مؤسسي. 
 
 
فالتساؤلات حول الرقابة الغذائية طرحت كثيرا، وعقب ظهور مخالفات بعضها غذائي أو دوائي، وبعضها الآخر له علاقة بالجودة والسعر أو أي شيء آخر يخص المستهلك. ومن المؤكد أن طرحها سيتكرر ما دامت الحالة العامة للرقابة بمثل هذا المستوى من الهشاشة وتدني منسوب الحزم.
 
فالتشخيص العام لحال الرقابة بإطارها العام يعطي انطباعا بأنها رقابة لاحقة أكثر من كونها سابقة، وأنها تبحث عن مخالفة وقعت قبل أن تبحث عن مخالفات قد تقع. حيث تتدنى عملية الرقابة الوقائية إلى مناسيب متدنية، وتكون نتائجها ـ أحيانا ـ اكتشاف مخالفات جسيمة قد تمس حياة الإنسان، وقد ترتقي إلى مستوى الجرائم، لتبدأ الجهات المعنية تطبيق القانون وتحيل المتسببين إلى القضاء، لمعاقبتهم. وغالبا ما تكون العقوبات غير رادعة لا لتقصير من أي جهة، ولكن لعجز بعض التشريعات عن مواكبة» التطور» الذي تشهده المخالفات المرتكبة واتساع دائرتها. بينما تبقى الجهات الرقابية بعيدة عن أي مساءلة قد تكون تستحقها بسبب التقصير إن وجدت، وبعيدة عن تحمل « المسؤولية الأدبية» وبخاصة في المخالفات الجسيمة التي تترك أثرا على حياة المستهلك، أو التي تتسبب بضرر صحي من أي نوع.
وتتكرر في تلك المخالفات عملية التستر على مرتكب المخالفة، بحجة عدم التشهير به أو بمؤسسته، وتتفق ـ ضمنا ـ أطراف العلاقة من صحافة وإعلام وجهات رسمية على عدم الكشف عن أسماء المخالفين وإبقائهم ضمن إطار المجهول. وقد يصدر الحكم القضائي دون نشر ـ لا لتقصير من القضاء ولكن لاجتهاد رسمي وإعلامي بأن النشر قد يضر باقتصاد الوطن، وأنه قد يؤثر سلبا على عملية التصدير للمنتجات الوطنية، أو حتى شبهة التشهير بمرتكب المخالفة. 
ولكي لا يبقى الموضوع نظريا، لا بد من إيراد أمثلة تشير دلائلها إلى شبهات مخالفات يمكن الكشف عنها فيما لو تم إخضاعها إلى الرقابة المبرمجة. فصفحات التواصل الاجتماعي تغص بعمليات ترويج لصناعات أجبان وألبان، بأسعار متدنية تقل عن نصف القيمة الفعلية لمثل تلك المنتجات فيما لو تمت وفقا للأصول وبالمواصفات الجيدة والسليمة. وتتواصل عمليات الترويج طوال السنة وليس في موعد إنتاج الحليب فقط.                                                                   ونستذكر هنا ما تم الكشف عنه قبل عامين ـ تقريبا ـ من ضبط مصنع في إحدى الدول العربية لإنتاج الجميد الأردني « بنفس الشكل والاسم»، ويستخدم بعض المواد الانشائية في خلطاته.
ولو أمعننا النظر في تفاصيل الحالة ككل، لوجدنا أن المؤسسات الرقابية المتعددة تفتقر إلى التناغم في أدائها، رغم تشابه الأهداف والمهام. بينما تعاني جميعها من نقص في عدد الكوادر المتخصصة في الرقابة، وبحيث لا يمكن لها أن تغطي كافة المنشآت المعنية. 
واستذكر هنا نقاشا دار مع أحد الوزراء المختصين قبل أكثر من عشر سنوات على خلفية مقالة كتبتها في ذلك الوقت، اعترف خلاله بأن عدد مراقبي الأسعار والجودة في وزارته ـ آنذاك ـ لم يتجاوز العشرين مراقبا، مطلوب منهم تغطية كافة محافظات المملكة. ولا أعلم كم أصبح عددهم الآن. هنا، يبدو التوقف إجباريا عند الكثير من الحالات التي شكلت سلوكا عاما، يدفع المستهلك ثمنه نتيجة لاجتهادات شخصية من قبل بعض الرسميين. ولثغرات تشريعية طالما تم الحديث عنها دون جدوى. وهي بمجملها مخالفات لا بد من معالجتها تشريعيا، وعلى شكل دستور للغذاء والدواء، يحمل المسؤولية لكل من يقصر في حماية المستهلك. فالقول بأن المخالفات المكتشفة في هذا المجال تقع ضمن المستوى العالمي لا يكفي، بحكم ما يتبعه من تفاصيل قد تصل إلى مستوى تبرير الوفيات بسبب وقوعها ضمن المستوى العالمي أيضا. وتبرير أي أضرار تحت ذات التفسير وتلك القراءة. 
فلا يمكن تبرير المخالفات والأخطاء الطبية بحجة أن ذلك يؤثر على السياحة العلاجية. ولا السكوت على المخالفات الغذائية بدعوى أن ذلك يؤثر على موسم السياحة، أو على مستوى التصدير إلى الخارج. ولا مخالفات المبالغة في الأسعار سواء للسلع أو الخدمات بدعوى أن الكشف عنها يؤثر على سمعة الوطن واقتصاده. وأن يكون لكل تلك الحالات وغيرها عقوبات رادعة يغطيها ذلك الدستور الذي يشبه الدستور الطبي، بما في ذلك فرض العقوبة الأدبية التي تصل إلى مستوى استقالة أو إقالة المسؤول الذي تقع المخالفة الجسيمة تحت مظلة المؤسسة التي يتولى إدارتها. ويمكن تحديد الإطار العام لتلك المخالفات وحصرها ضمن قائمة لا تثير إشكالية في تفسيرها.
فالتستر خلف أو تحت مبررات تبتعد عن مصلحة وصحة المستهلك يجب أن يتم التعامل معه كجرم يستحق العقوبة.