الغد
اليوم ونحن نودع الربع الاول من القرن الحادي والعشرين ومرور أكثر من ستة عقود من تجربة المصارف الإسلامية،ما زلنا نعتقد أنه ما زال أمامنا الشيء الكثير عمله من أجل ان تنطلق هذه التجربة في فضاء رحب لتؤدي دورا ذات بعد عالمي عماده المنافسة القائمة على جودة الإنتاج وتغطي أوسع مجالات النشاط الاقتصادي العالمي، حيث يتهمنا البعض بالقصور وعدم القدرة على تلبية كافة الاحتياجات التمويلية ولا تمتلك قاعدة معرفية كافية، فهل حقا ان الصناعة المصرفية الإسلامية تعاني قصوراً في أدواتها المعرفية والبحثية ؟ سؤال قد يبدو لنا فيه جانب من المنطق إذا ألقينا نظرة عامة على واقع هذه الصناعة مقارنة مع الصناعة المصرفية التقليدية، وحتى نكون أكثر واقعية فإن هذا الأمر يُنظر له من جانبين حتى لا نظلم انفسنا، الجانب الأول هو فارق العمر الزمني بين تجربة المصارف الإسلامية والتي لا تتجاوز الستة عقود من الزمن مقارنة بمئات السنين في عمر تجربة البنوك التقليدية، وهنا بعيدا عن طموحنا في الارتقاء بهذه الصناعة الى مستوى متقدم من التطور وامتلاك مؤسسات بحثية تعنى في التمويل والصناعة المصرفية الإسلامية نجد أن من الظلم محاكمة إنجاز هذه الصناعة ومقارنته بنظيره التقليدي، اما الجانب الآخر وهو لا يقل أهمية عن الأول وهو متعلق في البيئة التي نشأت بها الصناعة المصرفية الإسلامية وهي المنطقة العربية بشكل عام ثم امتدت هذه التجربة فيما بعد إلى مجتمعات إسلامية وتلاها بعض الدول الأوروبية والغربية بشكل عام ، فحسب التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية أن الدول العربية على سبيل المثال تنفق ما معدله 0.2 % من دخلها القومي على البحث العلمي، وان نصيب الفرد في البلاد العربية من الإنفاق على البحث العلمي يبلغ 14.7 دولار سنوي، مقارنة مع نصيب الفرد في دول القارة الأفريقية والبالغ 9.4 دولار، كما نجد في الولايات المتحدة الأميركية حوالي 4.000 باحث لكل مليون إنسان، و 3.598 باحثا لكل مليون شخص في الدول المتقدمة ، يقابل ذلك 499 باحثا لكل مليون شخص في الدول النامية والتي من ضمنها الدول العربية والإسلامية، إذا هذه هي البيئة التي نشأت بها المصارف الإسلامية، فلا يمكن لنا تحميل القصور في البحث العلمي خاصة في قطاع التمويل الإسلامي للمصارف الإسلامية وحدها، فالمسؤولية مشتركة يتحملها الجميع، مؤسسات وحكومات وقد يكون لغياب أو لقصور القوانين والتشريعات دور أساسي في تدني مستوى البحث العلمي بوجه عام، على عكس ما نراه في الدول المتقدمة من اهتمام ووجود قوانين وتشريعات تلزم كافة المؤسسات الإنتاجية بتطبيقها في هذا المجال وتخضع للمراقبة والمُساءلة ولا مجال للتحايل على المخصصات المُعدة للبحث العلمي كما هو في العديد من البلدان النامية.
واليوم نتحدث عن نمو وانتشار واسع للصناعة المصرفية الإسلامية على نطاق العالم بحيث لم تعد مقتصرة على المجتمعات والدول الإسلامية بل وصلت إلى دول أوروبية وغربية، ويرى العديد من الاقتصادين والمحللين والمهتمين بهذا القطاع بانه ما يزال أمامه مشوار طويل وتحديات جمة حتى يحقق مكاسب أفضل في سوق الاستثمار المناط بالسوق المصرفي العالمي، حيث تحتل الأصول الاستثمارية الإسلامية والملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية ما يقدر بـ (3 %) فقط من حجم سوق الاستثمارات المالية في العالم، ويبلغ حجم الأصول الاستثمارية لها في هذا القطاع بما يزيد على 3 تريليونات دولار، مقارنة بحجم الأصول الاستثمارية المالية في مجمل أسواق العالم والمقدرة بـ 150 تريليون دولار.
نخلص إلى القول إن قطاع المصارف والتمويل الإسلامي بحاجة إلى وضع إستراتيجية هدفها الابتكار والتجديد والانتقال بالبحث العلمي وأدواته إلى مستوى يواكب التطور العلمي والتكنولوجي، تُمهد لتأسيس قاعدة معرفية وبحثية للمصرفية الإسلامية اينما وجدت، مبنية على الالتزام بأخلاقيات وأحكام الشريعة الإسلامية، وإعطائه أولوية استثنائية وسبل الدعم المادي للوصول إلى الأهداف المرجوة للارتقاء به إلى مستوى الطموح وبالتالي سوف نصل إلى حسن إدارة العمليات الاستثمارية بالشكل الذي يقلل من ارتفاع درجة المخاطرة والسعي لكسب حصة أكبر من السوق المصرفي العالمي.
*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي