أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    30-Dec-2025

صناعة النفط السورية... فرص كبيرة*وليد خدوري

 الشرق الاوسط

عند الإحاطة بتطور الصناعة النفطية السورية يتوجب التطرق إلى الموقع الاستراتيجي لسوريا ما بين حقول النفط العملاقة في العراق ودول الخليج، وإمكانية تشييد أنابيب نفط عابرة للدول، للتصدير من ساحل شرق المتوسط إلى الأسواق الأوروبية والغربية عبر سوريا ذات الموقع الجيواستراتيجي المهم الذي يتيح «الترانزيت» لهذه الخطوط العابرة للدول، والتصدير مباشرة من الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
 
من ناحية أخرى، تكمن أهمية دولة مثل سوريا ليس فقط في موقعها الاستراتيجي، بل أيضاً في إمكانية توفر السوق الضخمة لاستيعاب كميات النفوط الضخمة، كما التي تم ضخها من الساحل السوري إلى السوق الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط بُعيد نهاية الحرب العالمية الثانية. وكما هو معروف، شكّل التصدير النفطي الضخم بالأنابيب عبر سوريا بُعيد الحرب العالمية الثانية جزءاً مهماً من طريقة تصدير النفوط العربية إلى الأسواق الدولية.
 
أما بدءاً من الربع الأخير للقرن العشرين، فقد طرأ تغيّر كبير في تجارة النفط؛ إذ تبنت أقطار السوق الأوروبية اتفاقية باريس للأمم المتحدة لمكافحة تغيّر المناخ التي تهدف إلى تقليص الانبعاثات الهيدروكربونية، ومحاولة الوصول إلى تصفير الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050. تكمن المحاولة الأوروبية هذه في الاعتماد على الطاقات المستدامة من الشمسية والرياح والنووية، بالإضافة إلى الغاز الطبيعي، والطاقة الهيدروكربونية التي هي أقل مصدراً للانبعاثات، هذا يعني تقليص استعمال النفط بقدر الإمكان ومحاولة إنهاء إنتاج وحرق الفحم أوروبياً، مع العلم أن الفحم الحجري كان المصدر الرئيس للطاقة الأوروبية حتى أوائل القرن العشرين.
 
شيدت شركة «أرامكو» خط «التابلاين» وانتهت من العمل عليه في عام 1950. تم الضخ من خلال «التابلاين» النفط من حقل أبقيق في شرق السعودية إلى ميناء الزهراني بالقرب من صيدا في جنوب لبنان المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وتم إيقاف الضخ في الخط بقرار من الحكومة السورية لاحقاً لأسباب سياسية. وكان الخط يمر عبر هضبة الجولان المحتلة.
 
بادرت «شركة نفط العراق» الدولية التي اكتشفت حقل كركوك في عام 1927 بتشييد خط أنبوب «كركوك -بانياس - طرابلس» في 1952 ليستخدم في تصدير النفط العراقي عبر مرفأ بانياس السوري، ومن ثم تم تشييد أنبوب قصير إضافي من بانياس إلى ميناء طرابلس اللبناني للتصدير من هناك أيضاً إلى السوق الأوروبية. وفي كلتا الحالتين السورية واللبنانية تم تكرير نفط كركوك في كل من مصفاة بانياس ومصفاة طرابلس، إلا أن هذا الخط أصبح جزءاً من الخلافات المتكررة ما بين العراق وسوريا لأسباب متعددة، فتم إغلاقه في عام 1982 للتحالف السوري مع إيران في الحرب العراقية - الإيرانية. كما تم إغلاقه مرة أخرى بسبب إصرار دمشق على زيادة ضريبة «الترانزيت» فجأة، خلافاً للاتفاق بين الدولتين. وشكلت الخلافات السياسية ما بين «حزب البعث» الحاكم في كل من بغداد ودمشق الأسباب الرئيسة للخلافات. ولاحقاً استمر الخط مغلقاً بسبب «قانون قيصر» الأميركي الذي يعاقب أي دولة تتعامل اقتصادياً مع سوريا. ولا يزال الخط مغلقاً، رغم إلغاء «قانون قيصر» مؤخراً. وهناك أنباء صحافية عن إمكانية فتح الخط مجدداً، لكن سيحتاج هذا إلى وقت طويل لتصليحه. وقد شيّد العراق خط نفط للتصدير إلى أوروبا عبر تركيا، لكن الطلب الأوروبي على النفط قد انخفض، كما أن الولايات المتحدة قد أصبحت بعد تطوير صناعة النفط الصخري في 2015 دولة مصدرة للبترول، وأصبحت السوق المستوردة الكبرى جنوب وشرق آسيا، حيث تتجه نحو 60-70 في المائة من صادرات العراق ودول الخليج العربي يومياً...
 
ويعتبر إيقاف سوريا الخطين (التابلاين، وكركوك - بانياس - طرابلس) خسارة كبيرة بملايين الدولارات للحكومة السورية كما للحكومة اللبنانية سنوياً التي كانتا تحصلان عليها من خلال رسوم «الترانزيت» على الخطين، ناهيك باستفادة عشرات من الشركات السورية واللبنانية الخاصة من أعمال الخدمة والصيانة على الخطين. ولعب كل من الخطين اللذين اعتُبرا من «الحجم الكبير» في حينه دوراً مهماً في تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كما كانت تشحن كمية مهمة من خط «التابلاين» إلى السوق الأميركية. ويعزى السبب الرئيس لتوقف الخطين إلى الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط خلال العقود الماضية، وبالذات عدم تمكن سوريا من فصل عمل الخطين النفطيين الضخمين عن خلافاتها السياسية مع الدول المنتجة، الأمر الذي أدى إلى توقف الخطين عن العمل وخسارة مالية كبرى لسوريا ولبنان.
 
تؤدي هذه التجربة إلى تساؤل المنتجين عن الاعتماد على تصدير النفط عبر سوريا، بالذات مع التغييرات التي حصلت في أسواق النفط.
 
من نافلة القول أن إعادة تشييد خطوط مماثلة أمر ممكن، لكن ليس بالأمر البسيط؛ إذ إن تغيّرات كبرى قد حلت بصناعة وأسواق النفط. فبالنسبة إلى تجارة ترانزيت النفط إلى البحر الأبيض المتوسط، فقد شيّد عدد من الدول الخليجية مع مصر «خط سوميد» موازياً للتصدير النفطي عبر قناة السويس، كما شيّد العراق خط أنابيب عبر تركيا يوازي تقريباً التصدير عبر الأراضي السورية.
 
ومن جهة أخرى، تشير الإحصاءات الرسمية لإنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي السوري إلى أن كمية النفط الثقيل الذي كان يتم إنتاجه في عام 2005 بلغت نحو 63441 ألف برميل يومياً، وبلغ إنتاج النفط الخفيف في العام نفسه أيضاً نحو 89208 آلاف برميل يومياً؛ إذ إن إجمالي إنتاج النفط السوري في عام 2005 سجل نحو 152649 ألف برميل يومياً.
 
في نفس الوقت، كان إنتاج الغاز الطبيعي المرافق 3645242 ألف متر مكعب، والغاز الطبيعي الحر نحو 1821690 ألف متر مكعب، ومن ثم فمجمل الإنتاج للغاز الطبيعي لعام 2005 نحو 5466932 ألف متر مكعب.
 
واعتبرت محطات توليد الطاقة الكهربائية السورية المستهلك الرئيس للغاز النظيف، وشكلت منشآت وزارة الصناعة من معامل السماد والأسمنت المرتبة الثانية، بالإضافة إلى استهلاك الغاز في المنشآت التابعة لوزارة النفط السورية مثل مصافي التكرير ومحطات توليد الطاقة في حقول النفط المختلفة. لكن تدريجياً ازداد الطلب على الغاز ليشمل مستهلكين جدداً في قطاع النقل والمواصلات، كما استهلاك الغاز في المنازل بدلاً من المازوت والغاز المنزلي، والمنشآت الصناعية المتوقعة من قبل القطاع الخاص، وذلك بحسب المعلومات الرسمية السورية الصادرة في حينه.
 
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن كميات النفط السورية التي تم تصديرها في منتصف العقد الماضي كانت ضئيلة جداً، وكذلك بالنسبة للغاز (للسوق اللبنانية فقط وبشكل مؤقت).
 
وعملت بعض كبرى الشركات النفطية العالمية وشركة النفط الوطنية في سوريا حتى منتصف العقد الماضي، إلا أنه كان من الواضح أن القطاع البترولي، حاله حال بقية القطاعات الاقتصادية في البلاد، أصابه الوهن بسبب الفساد المستشري والاضطرابات السياسية في البلاد (بالذات الحرب الأهلية)، مما أدى، مع القمع المستمر للأجهزة الأمنية وظلم الأجهزة السياسية، إلى العجز الذي أصاب الاقتصاد السوري وهجرة الملايين من السكان. كما أصيبت حقول النفط والغاز بكثير من الأضرار أثناء الحرب الأهلية، وبالذات الطرق البدائية التي استعملتها كافة الأطراف المتنازعة لاستخراج النفط وحفر الآبار، والتي سيتوجب إصلاحها وترميمها لكي تستطيع الإنتاج بطاقتها القصوى ثانية.
 
وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار بدء تدفق الغاز الطبيعي الأذربيجاني إلى سوريا عبر ولاية كلس التركية، وذلك بغرض توليد الكهرباء التي ستلبي «احتياجات 5 ملايين أسرة من الكهرباء».
 
من جانبه، فقد صرح إلشاد نصيروف نائب رئيس شركة النفط الأذربيجانية (سوكار)، بأن أذربيجان ستصدر 1.2 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى سوريا من حقل «شاه دنيز» للغاز في بحر قزوين.
 
كما أعلن صندوق قطر للتنمية مؤخراً البدء بالمرحلة الثانية من دعم الطاقة الكهربائية في سوريا اعتباراً من الثاني من شهر أغسطس الماضي، بطاقة تبلغ 800 ميغاواط.