طوكيو: «الشرق الأوسط»
تستعد الحكومة اليابانية لإحداث تحول لافت في سياساتها الاقتصادية والطاقوية، مع بحثها استخدام الأموال العامة لدعم قطاع الطاقة النووية، في وقت يُتوقع فيه أن تحقق البنوك العملاقة أرباحاً سنوية قياسية، بينما تُواصل العملة اليابانية تراجعها أمام الدولار وسط مراقبة حكومية دقيقة لتداعياته على الأسعار.
وأفادت صحيفة «نيكي» الاقتصادية بأن وزارة الصناعة اليابانية تسعى إلى تعديل القوانين الحالية بما يتيح استخدام الأموال العامة للاستثمار في قطاع الطاقة النووية وشبكات الكهرباء. وتخطط الوزارة لتقديم مقترح رسمي إلى مجموعة عمل حكومية خلال الأسابيع المقبلة، على أمل تمريره في البرلمان العام المقبل.
وقالت الصحيفة إن هذه الخطوة تأتي في إطار توجه الحكومة الجديدة، برئاسة ساناي تاكايتشي، نحو إحياء الطاقة النووية؛ في جزء من استراتيجية تعزيز أمن الطاقة الوطني. وكانت تاكايتشي قد أكدت أن «الطاقة النووية عنصر أساسي في ضمان أمن الإمدادات وتخفيف الاعتماد على الوقود المستورد»، مشيرة إلى أن الطلب المتنامي على الكهرباء بفعل الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات يجعل الحاجة إلى مفاعلات جديدة أشد إلحاحاً.
يُذكر أن شركة «كانساي» للطاقة الكهربائية، أكبر مشغل للطاقة النووية في اليابان، أعلنت في يوليو (تموز) الماضي عن بدء دراسات أولية لبناء مفاعل جديد في غرب البلاد، وهي الخطوة الأولى الملموسة منذ «كارثة فوكوشيما» عام 2011 التي تسببت في تجميد مشروعات المفاعلات لعقدٍ كامل.
مع ضعف الين وضغوط الأسعار، بالتوازي مع هذه التحركات، حذّر مينورو كيوتشي، وزير الإنعاش الاقتصادي الياباني، بأن ضعف الين الياباني قد يرفع أسعار المستهلكين عبر زيادة تكاليف الاستيراد، داعياً إلى متابعة التطورات من كثب. وقال كيوتشي في مؤتمر صحافي: «انخفاض قيمة الين قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بسبب زيادة تكلفة الواردات، لكن من المهم الإشارة إلى أن أسعار الواردات المقوّمة بالين انخفضت 8 أشهر متتالية».
ويرى محللون أن الحكومة اليابانية تواجه معضلة مزدوجة، فهي تسعى لدعم النمو من خلال سياسة نقدية ميسرة، لكنها في الوقت نفسه مطالبة بكبح التضخم والحفاظ على استقرار الأسعار.
البنوك العملاقة تواصل الصعود
ورغم هذا المشهد الاقتصادي المعقد، فإن القطاع المصرفي الياباني يبدو في وضع قوي؛ إذ يُتوقع أن تُعلن، يوم الجمعة المقبل، المجموعات المصرفية الكبرى الثلاث: «ميتسوبيشي يو إف جيه» و«سوميتومو ميتسوي» و«ميزوهو»، عن أرباح قوية في الربع الثاني، وسط توقعات بتحقيق أرباح سنوية قياسية للسنة المالية الجارية.
ووفق تحليل من وكالة «رويترز»، فقد أظهرت هذه البنوك قدرة متنامية على التكيّف مع التقلبات العالمية، واستفادت من ارتفاع الطلب على القروض من الشركات اليابانية الكبرى التي تتهيأ للخروج من مرحلة الانكماش الاقتصادي. كما حققت أسهم البنوك قفزات كبيرة منذ بداية 2024؛ إذ ارتفع سهم «ميتسوبيشي يو إف جيه» بنسبة 90 في المائة، و«سوميتومو ميتسوي» بنسبة 80 في المائة، و«ميزوهو» بنسبة 105 في المائة، وذلك مقارنة بارتفاع 39 في المائة فقط لمؤشر «توبكس» الياباني الأوسع نطاقاً خلال الفترة نفسها.
وقال شينيتشيرو ناكامورا، المدير الإداري في «بنك أوف أميركا» للأوراق المالية، إن «القطاع المصرفي يتمتع بأساسيات قوية، لكن السوق تنتظر محفزاً جديداً يدفع بالأرباح إلى مستويات أعلى». ويُرجّح المحللون أن يكون التحرك الحذر من «بنك اليابان» نحو رفع أسعار الفائدة عاملاً داعماً للبنوك؛ لأنه يُوسّع هوامش الإقراض ويزيد من عوائدها، رغم أن بعض المستثمرين يخشون من أن تضغط رئيسة الوزراء الجديدة على «البنك المركزي» لإبطاء وتيرة الرفع. ويقول تاكاهيرو يانو، محلل الأسهم في «جي بي مورغان»، إن البنوك الثلاثة «قد تُعلن عن عمليات إعادة شراء أسهم تصل قيمتها إلى 600 مليار ين (نحو 4 مليارات دولار) مجتمعة»؛ مما يعزز ثقة المساهمين ويؤكد متانة القطاع المالي الياباني.