الغد
مع نهاية عام 2025، يمكن توصيف هذا العام اقتصادياً بأنه عام هادئ ومستقر، مرّ على الأردن دون اضطرابات اجتماعية أو احتجاجات أو اعتصامات، وهو مؤشر بحد ذاته على حالة توازن عام بين الأداء الاقتصادي والواقع المعيشي، فالاقتصاد لم يشهد طفرات غير مسبوقة، لكنه في المقابل لم يتعرض لهزات حادة، بل حافظ على مسار ثابت سمح بعبور العام بثقة نسبية، في ظل بيئة إقليمية ودولية معقدة وضاغطة.
الأداء الكلي للاقتصاد عكس قدرة واضحة على الصمود، إذ حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً بنسبة 2.8 بالمائة خلال الربع الثاني من عام 2025، مقارنة بنسبة 2.4 بالمائة لنفس الفترة من العام السابق، أي بارتفاع نسبته 17 بالمائة.
ويكتسب هذا النمو دلالته من كونه تحقق في وقت لم تكن فيه الظروف الخارجية مواتية، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية، ما يؤكد أن الاقتصاد الأردني استطاع امتصاص الصدمات والمحافظة على نشاطه بفضل مزيج متوازن من السياسات النقدية والمالية والاقتصادية التي ركزت على الاستقرار أكثر من المغامرة.
وعلى صعيد التجارة الخارجية، أظهرت بيانات العشرة شهور الأولى من عام 2025 ارتفاعاً في الصادرات الوطنية بنسبة 7.6 بالمائة، وارتفاعاً في المعاد تصديره بنسبة 9.1 بالمائة، لتسجل الصادرات الكلية نمواً نسبته 7.7 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.
أما على مستوى الأسعار، فقد سجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك ارتفاعاً بنسبة 1.81 بالمائة للأحد عشر شهراً الأولى من عام 2025 مقارنة مع نفس الفترة من عام 2024، فيما ارتفع على أساس سنوي لشهر تشرين الثاني بنسبة 1.28 بالمائة، مع تسجيل انخفاض طفيف نسبته 0.31 بالمائة مقارنة مع شهر تشرين الأول، حيث تشير هذه الأرقام إلى أن التضخم بقي من أقل المعدلات في المنطقة ومسيطراً عليه، بعيداً عن السيناريوهات التضخمية الحادة، ما أسهم في الحفاظ على الاستقرار النسبي للقوة الشرائية.
وفي هذا السياق، شكّلت السياسة النقدية أحد أعمدة الاستقرار خلال عام 2025، حيث نجح البنك المركزي في ترسيخ هدفه الأساسي المحدد في قانونه والمتمثل في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي، إذ إن السياسة النقدية الحصيفة، بالتزامن مع الإجراءات الحكومية المستمرة، أسهمت في احتواء الضغوط التضخمية العالمية عند نحو 2 % خلال النصف الأول من العام، وهو مستوى يُعزز تنافسية الاقتصاد الوطني ويحافظ على القوة الشرائية للمواطنين، مع توقعات باستمرار التضخم حول هذا المستوى طوال عام 2025.
ونتيجة لذلك بقي الدينار الأردني قوياً ومتسقاً مع أساسيات الاقتصاد الكلي، ومدعوماً بمستوى مريح من الاحتياطيات الأجنبية التي بلغت 22 مليار دولار بنهاية حزيران 2025، وهو ما يكفي لتغطية 8.4 شهراً من مستوردات المملكة من السلع والخدمات، ما يعكس متانة الوضع الخارجي وقدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات.
وفيما يتعلق بالقطاع المصرفي، أظهرت مؤشرات المتانة المالية قوة الجهاز المصرفي وقدرته على تحمل الصدمات، إذ يتمتع بمستويات مريحة من السيولة القانونية ومستويات مرتفعة من كفاية رأس المال، وانعكست الثقة المتنامية في الجهاز المصرفي في الزيادة المستمرة في حجم الودائع التي وصلت إلى 47.7 مليار دينار بنهاية أيار 2025، إلى جانب انخفاض معدل الدولرة إلى 18.1 %.
الجانب المالي كان بدوره أحد أبرز عناوين 2025، إذ تظهر البيانات أن الحكومة أدارت العام ضمن هامش منضبط بين التقديرات وإعادة التقدير، حيث بلغت الإيرادات العامة 10233 مليون دينار في التقدير مقابل 10015 مليون دينار في إعادة التقدير، فيما سجلت الإيرادات المحلية 9498 مليون دينار مقدّرة مقابل 9280 مليون دينار في إعادة التقدير، مع فروقات محدودة في الإيرادات الضريبية.
وفي المشهد الاستثماري والمالي، تجاوز مؤشر بورصة عمّان رقماً تاريخياً جديداً بوصوله إلى النقطة 3622، وهو أعلى مستوى يبلغه منذ عام 2008، ما يعكس عودة تدريجية للثقة وتحسناً في المزاج الاستثماري.
وفي بعده التنموي، شكّل إطلاق مشروع مدينة عمرة باكورة العام ونهايته في آن واحد، باعتباره مشروعاً طويل الأمد يمتد على مدى 25 عاماً، عابراً للحكومات، ويعكس توجهاً استراتيجياً نحو التخطيط الحضري المستدام وتخفيف الضغط عن عمّان والزرقاء، وفتح آفاق استثمارية واقتصادية جديدة منسجمة مع رؤية التحديث الاقتصادي.
وبالمحصلة، يمكن القول إن عام 2025 مرّ اقتصادياً 'بخير'، لا بمعنى غياب التحديات، لكن بمعنى القدرة على إدارتها دون أن تتحول إلى أزمات، حيث كان عاماً للتوازن والانضباط، رسّخ الاستقرار، ومهّد لسنوات مقبلة يمكن البناء فيها على هذا الهدوء المدروس نحو نمو أعمق وأكثر شمولاً.