في الأشهر الأخيرة من عام 2025، أصبح قطاع التعدين في الأردن محور نقاش عام وسياسي حاد، بعد توقيع سلسلة اتفاقيات تنفيذية لاستغلال معادن استراتيجية مثل النحاس والذهب في مناطق جنوب المملكة، أبرزها منطقة أبو خشيبة في وادي عربة. هذه الاتفاقيات، التي وقّعتها وزارة الطاقة والثروة المعدنية مع شركة وادي عربة للمعادن، أثارت جدلاً نيابياً وشعبياً.

 

طموحات استراتيجية: من الفوسفات والبوتاس إلى المعادن النفيسة

 

يُعد قطاع التعدين أحد أبرز محاور رؤية التحديث الاقتصادي التي أطلقتها الحكومة الأردنية، بهدف تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد التقليدي على الفوسفات والبوتاس. وفقاً لتقارير غرفة صناعة الأردن ووزارة الطاقة، يساهم القطاع حالياً بنسبة تتراوح بين 2.2% إلى 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي (حوالي 700–800 مليون دينار سنوياً)، ويوفر نحو 8–9 آلاف فرصة عمل مباشرة، مع نسبة أيدٍ عاملة أردنية تصل إلى 90%.

 

وتستهدف الاستراتيجية الوطنية للتعدين (2023–2033) رفع هذه المساهمة إلى 2.1 مليار دينار أو أكثر بحلول نهاية العقد، مع مضاعفة عدد العاملين إلى أكثر من 27 ألفاً، وزيادة الصادرات من مليار دينار حالياً إلى 3.4–3.5 مليار دينار.

 

وتشمل الأهداف طويلة الأمد تحويل الأردن إلى “دولة تعدين” بحلول عام 2033، من خلال التركيز على المعادن ذات القيمة المضافة العالية، مثل النحاس، الذهب، الليثيوم، والعناصر الأرضية النادرة.

 

أبرز الإنجازات في 2025 شملت:

 

• توقيع أول اتفاقية تنفيذية لاستغلال الذهب في تاريخ المملكة (سبتمبر 2025)، على مساحة 66 كم² في مناطق أبو خشيبة، جبال أبو برقة، والبراق.

 

• اتفاقية استغلال النحاس والمعادن المصاحبة في أبو خشيبة (48 كم²)، مع تقديرات جيولوجية تشير إلى احتياطيات تصل إلى 20–30 مليون طن من خام النحاس.

 

• اتفاقيات توسعية في الفوسفات (مناطق الريشة) والبوتاس (شراكة مع ألبامارل الأمريكية بقيمة 576 مليون دينار).

 

• بدء دراسات جدوى للتنقيب عن الليثيوم والعناصر النادرة في مناطق مثل دبيدب وفينان.

 

في ديسمبر 2025، تصاعد الجدل داخل لجنة الطاقة والثروة المعدنية النيابية أثناء مناقشة مشروع قانون التصديق على اتفاقية أبو خشيبة للنحاس.

 

تم طرح استفسارات حول:

 

• مدة الاتفاقية وآليات إنهائها أو تعديلها.

 

• شروط التحكيم الدولي ومدى حماية حقوق الدولة.

 

• الجدوى الاقتصادية، الالتزامات البيئية، والجداول الزمنية.

 

• كفاءة الشركة المنفذة (وادي عربة للمعادن) وملاءتها المالية.

 

علما بان هذه الاتفاقيات مرت بمراحل قانونية وفنية متكاملة، بدءاً بمذكرة تفاهم غير ملزمة (2022) وانتهاء باتفاقية تنفيذية تخضع لمصادقة قانونية خاصة وفق الدستور. واستعانة الوزارة بشركات عالمية لصياغة ومراجعة العقود، واثبتت الشركة ملاءتها المالية والفنية، وأن المساحة المعنية صغيرة نسبياً (48 كم² فقط من أصل مناطق واسعة مفتوحة للاستثمار .

 

التعدين رهان على المستقبل:

 

يبقى قطاع التعدين في الأردن رهاناً كبيراً على تحقيق نقلة نوعية اقتصادية، خاصة في ظل الطلب العالمي المتزايد على المعادن الاستراتيجية للطاقة المتجددة والتكنولوجيا.

 

لكن النجاح يعتمد على توازن دقيق بين جذب الاستثمار الأجنبي، ضمان العائد الوطني العادل، وحماية الموارد للأجيال القادمة.

 

التأثيرات الإيجابية المتوقعة للتعدين:

 

1. تعزيز مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي

 

• القطاع يساهم حالياً بنسبة ~2.2–2.6% من الناتج المحلي (~700–800 مليون دينار سنوياً).

 

• الاستراتيجية الوطنية للتعدين (2023–2033) تستهدف رفع المساهمة إلى ~2.1 مليار دينار أو أكثر بحلول نهاية العقد.

 

• اتفاقية أبو خشيبة (مساحة 48–66 كم²) تُعد خطوة أولى نحو تنويع الإنتاج خارج الفوسفات والبوتاس، خاصة مع الطلب العالمي المتزايد على النحاس (للبطاريات والطاقة المتجددة) والذهب.

 

2. فرص عمل وتنمية محلية

 

• توقعات بتوفير مئات إلى آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في مراحل التطوير والتشغيل (خاصة في منطقة وادي عربة الجنوبية).

 

• التزام الشركة بإنشاء مصنع للصناعات التحويلية (إنتاج منتجات نحاسية محلياً) يعزز القيمة المضافة ويقلل التصدير الخام.

 

• شرط تأسيس شركة مساهمة عامة وطرح 49% من أسهمها للاكتتاب العام يتيح مشاركة المواطنين في الملكية والعوائد.

 

3. إيرادات الدولة المباشرة وغير المباشرة

 

• رسوم الرخصة، الإتاوات (royalties)، الضرائب على الإنتاج والأرباح.

 

• زيادة الصادرات (النحاس والذهب يُباعان بأسعار عالمية مرتفعة).

 

• تحفيز قطاعات مرتبطة: النقل، الخدمات اللوجستية، التشييد، والصناعات التحويلية.

 

4. جذب استثمارات أجنبية ومحلية

 

• الاتفاقية تُثبت جدية الأردن في فتح قطاع التعدين للاستثمار الجاد.

 

• تشجيع اتفاقيات مشابهة في مناطق أخرى (ضانا، الريشة، فينان للعناصر النادرة).

 

الدولة اجتازت اختبارا حقيقيا واثبتت قدرتها على إدارة ثرواتها بمسؤولية وشفافية في عصر التحولات الاقتصادية العالمية .