التعليم.. الاستثمار الأبرز بالأبناء رغم ضيق الحال الاقتصادي
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
قد يختار أب تأجيل إجراء عملية طبية، وقد تلغي أم فكرة تغيير أثاث بيتها، لكنهما لا يترددان في دفع أقساط مدرسة خاصة أو رسوم جامعية باهظة، فالأردنيون ينظرون إلى التعليم كـ"جواز سفر" للمستقبل، حتى مع ضيق الحال الاقتصادي.
كثير من الأسر تقتطع جزءا كبيرا من دخلها للمدارس الخاصة والجامعات والدروس الخصوصية، معتبرة أن التعليم أهم استثمار يمكن أن تقدمه لأبنائها، رغم أن العائد في سوق العمل قد يكون أقل من التوقعات.
ولم يكن للطيف الخليل، أمام تفوق ابنائه في الثانوية العامة، من حل لتلبية ميولهم الدراسية، سوا اللجوء إلى بيع قطعة أرض يمتلكها لتغطية كلف الجامعات.
وعلى نفقته الخاصة يدرس أحد ابناء لطيف، طب الأسنان في جامعة محلية، رغم كلفتها المرتفعة، إلا أنه لا مفر من تلبية طموح ابنه، بحسب لطيف.
ويوضح أنه رغم المعدل المرتفع لابنه في الثانوية العامة، إلا انه لم يحصل على مقعد في التخصص الذي يرغبه على نظام التنافس، لذا كان لا بد من تحمل كلفة دراسته رغم ارتفاعها.
ويضيف أنه يتحمل ايضا، رغم راتبه المتوسط البالغ 600 دينار، جزءا من كلفة دراسة ابنه الآخر الذي يدرس الطب على نظام التنافس.
ويؤكد انه رغم العبء المالي المترتب عليه نتيجة لذلك، إلا أن العائد المنتظر منه لمستقبل ابنائه يبقى أكبر وأثمن ويستحق التضحية.
أما الأرملة الخمسينية أم محمد، فلم يمنعها تواضع الحالة المعيشية لعائلتها من تدريس ابنتها في إحدى الجامعات الخاصة، حيث لم يتح المعدل الذي أحرزته ابنتها في الثانوية العامة الدخول بقوائم التنافس العام.
وترى أم محمد أن المستقبل المضمون لابنتها لا يتحقق إلا بتعلمها، لذا آثرت أن تضغط على نفسها ماليا ومعيشيا من أجل تدريسها، على الرغم من الكلفة المرتفعة لذلك، والتي تصل إلى ما قيمته 12 ألف دينار على امتداد سنوات الدراسة الجامعية الأربع، مقابل دخلها المحدود والمتمثل في وراثة الراتب التقاعدي لزوجها المقدر بحوالي 300 دينار. وتوضح أم محمد، انها حصلت على قرض لتمويل دراسة ابنتها في الجامعة.
ويشار إلى أن متوسط كلفة الدراسة في الجامعة الحكومية يتراوح ما بين 5 - 15 ألف دينار، ويتباين ذلك بحسب التخصص وحقله (انساني، علمي، هندسي، طبي)، ويزيد على ذلك بالنسبة لبرامج الموازي التي تصل إلى نحو 20 ألف دينار.
فيما يتراوح متوسط تكلفة الدراسة في الجامعات الخاصة ما بين 12 - 50 ألف دينار، ويتباين ذلك بحسب التخصص.
أما المهندس خالد أحمد هو الآخر، فيؤكد حصوله هو وزوجته خلال العامين الأخيرين على قرضين، ليتمكنا من تغطية كلفة دراسة ابنائهما في المدارس الخاصة، رغم تراجع الإمكانات الاقتصادية لعائلته في الأعوام الأخيرة خاصة منذ جائحة كورونا.
ويبين خالد، أن أبناءه اعتادوا على الدراسة في المدارس الخاصة من صغرهم، لذا من الصعب تغيير الأجواء الدراسية الخاصة عليهم، مبينا أن لذلك ضغطا كبيرا على مالية الأسرة.
ويعتبر خالد أن إنفاقه على تعليم ابنائه حاليا هو بمثابة استثمار بمستقبلهم، وضمان النجاح والازدهار لهم في حياتهم على المدى المتوسط.
وتتفاوت أقساط المدارس الخاصة في الأردن بشكل لافت، إذ تبدأ من 500 دينار للصفوف الأولى خلال السنة الواحدة (عدا المواصلات) في بعض المدارس التي تعتبر أقل كلفة، فيما تصل كلف أقساط بعض المدارس التي تعتبر أكثر كلفة إلى ألفي دينار للصفوف الأولى، فيما تتخطى الكلف في بعض المدارس 4 آلاف دينار للصفوف الأولى (عدا المواصلات).
وكذلك تصل كلف الاقساط للصفوف العليا بما فيها التوجيهي في بعض المدارس الخاصة، إلى 8 آلاف دينار في السنة الواحدة، علما أن هناك بعض المدارس المحدودة تصل فيها كلفة الدراسة للصفوف العليا إلى أكثر من 15 ألف دينار (عدا رسوم التسجيل والمواصلات).
ويقدر عدد طلبة المدارس في الأردن بالقطاعين الحكومي والخاص بنحو مليوني طالب وطالبة.
التعليم.. أثمن أنواع الاستثمار
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي مفلح عقل أن الاستثمار في البشر من أثمن أنواع الاستثمار، ومن أكثر الانواع التي يتطلب أن تكون مدروسة ومخطط لها، لضمان تحقيقها للعوائد، حيث لها خصوصية التغيير الدائم.
ولفت عقل إلى انه ومن أجل أن يكون هناك عائد إيجابي للاستثمار في التعليم في ظل المتغييرات الحاصلة في سوق العمل، فعلى الأسر الاردنية أن تخرج من دائرة التقليد والوجاهة الاجتماعية في ابعاد ابنائهم عن دراسة بعض التخصصات الانسانية والعلمية الفائضة بما فيها الصيدلة والهندسة والطب، وتوجيههم نحو دراسة التخصصات التكنولوجية والفنية، والصناعة.
كما دعا إلى ضرورة، تركيز الأسر على توجيه ابنائها إلى اكتساب المهارات والخبرات، حيث أصبحت اليوم متطلبا أساسيا في سوق العمل يسبق متطلب الشهادة.
ونوه عقل إلى أن نسبة انتشار البطالة بين الخريجيين الجامعيين محليا مرتفعة للغاية، في ظل الاقبال الكثيف على التعليم الجامعي، قياسا بالإقبال على التعليم المهني.
وبلغ معدل البطالة بين حملة الشهادات الجامعية (الأفراد المتعطلون ممن يحملون مؤهل بكالوريس فأعلى مقسوما على على قوة العمل لنفس المؤهل العلمي) خلال الربع الأول من العام الحالي 25.8 %.
ويقدر عدد الطلبة المسجلين في الجامعات الأردنية (الحكومية والخاصة) خلال العام الدراسي 2024/2025، قرابة 475 ألف طالب وطالبة، وذلك وفقا لتقرير التعليم العالي الإحصائي لوزارة التربية والتعليم العائلي.
التعليم "الاسم الحركي والعنوان المتميز" للأردنيين
وفي تحليله لتوجه الأسر الأردنية للاستثمار بتعليم ابنائها رغم محدودية قدراتها الاقتصادية، من منظور اجتماعي ونفسي، بين أستاذ علم الاجتماع حسين المحادين أنه من حيث المبدأ فالتعليم بالنسبة للأردنيين عنوانهم المتميز.
وأضاف المحادين أن التعليم هو منصة الاردنيين نحو الارتقاء والتقدم وتعمييم قيم الحوار بين شعوب الارض، لذلك ليس من الغرابة، أن يتميز الاردني والاردنية بحضور متميز اينما وجد على هذه الارض ولنا من الشواهد الكثير التي تفرد بها الاردنيون، حيث تم الاستعانة بعقولهم ومهاراتهم النوعية، من قبل الكثير من الدول المنطقة التي باتت تنظر لنا كمركز استقطاب للخبرات والعقول، ومن هذا المنطلق تنظر الأسر الأردنية إلى التعليم كاستثمار مستقبلي مضمون لابنائها.
وعندما نعقد مقارنة بين المواطن المتعلم وغير المتعلم، نكتشف أن المتعلم ليس دائما ثريا من الناحية المالية، حيث إن بعض غير المتعلمين الذي يعملون في القطاعات التجارية والصناعية والإنشائية، استطاعوا ان يحققوا ثروات تفوق ما حققه المتعلمون، لذا فإن التعليم من ناحية نجاح العائد الاقتصادي هو رافد وليس الأساس في النجاح، بحسب المحادين.
ولفت المحادين إلى أنه يمكن توظيف العلم والتعليم ومخرجاتهما كأدوات لقطف العائد المالي، لأن الانسان نفسه هو الاكثر اهمية في هذا السياق، وهو القائد للحياة وقيمها النبيلة، ويجب الحث على التسلح بذلك، حيث إن العلم يمثل القيم التي تعبر عن قدرة الانسان على الابتكار وخدمة الانسانية، وبالضد من ذلك الجهل الذي يمثل قيم الموت والتخلف.
وشدد على أن التعليم حق للجميع لانه الضامن الرئيسي لتقليص مساحات الجهل والظلمة وعيا وسلوكا، الأمر الذي يجعله المحرك الاساس للبشر والمجتمعات.