الاقتصاد الموازي*د. حسام باسم حداد
الراي
يشكل الاقتصاد الموازي أو ما يُعرف بالاقتصاد غير الرسمي ظاهرة اقتصادية واجتماعية واسعة الانتشار في العديد من دول العالم، وبخاصة في الدول النامية. يُقصد به مجموع الأنشطة الاقتصادية التي تُمارس خارج نطاق الرقابة الحكومية، ولا تخضع للقوانين الضريبية، أو التنظيمات الرسمية، مثل تسجيل المؤسسات أو دفع الضرائب أو الالتزام بالمعايير العمالية. ويشمل الاقتصاد الموازي مجموعة متنوعة من الأنشطة، مثل التجارة العشوائية، العمل دون عقود، المشاريع المنزلية غير المرخصة، وبيع السلع المهربة أو المقلدة. وعلى الرغم من أن هذه الأنشطة قد تُسهم بشكل غير مباشر في توفير فرص عمل وتلبية احتياجات شريحة من المجتمع، فإن لها آثارًا سلبية واسعة على الاقتصاد الكلي، وتُعد أحد أبرز التحديات التي تواجه خطط التنمية والإصلاح.
يتميّز الاقتصاد الموازي بطابعه غير المرئي، إذ يصعب تحديد حجمه بدقة كونه خارج المنظومة الرسمية. ومع ذلك، تشير تقارير دولية إلى أن حجم الاقتصاد الموازي في بعض الدول العربية قد يتجاوز 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم مرتفع يعكس مدى تغلغل هذه الظاهرة في البنية الاقتصادية.
رغم أن الاقتصاد الموازي يساهم أحياناً في تخفيف البطالة وتوفير سلع بأسعار أقل، إلا أنه يُحدث خللاً كبيراً في الاقتصاد الرسمي. فهو يضر بالخزينة العامة من خلال التهرب الضريبي، ويُضعف قدرة الدولة على تمويل الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. كما يؤدي إلى منافسة غير عادلة بين المؤسسات النظامية وغير النظامية، ويؤثر سلباً على جودة المنتجات والخدمات المقدمة. ومن الناحية الاجتماعية، يعاني العاملون في هذا القطاع من انعدام الحماية القانونية والضمان الاجتماعي، مما يجعلهم عرضة للاستغلال وعدم الاستقرار الوظيفي. كما يُسهم الاقتصاد الموازي في تفشي الفساد وانتشار الاقتصاد النقدي غير المراقب وتراجع مستويات الشفافية والمساءلة وهي عوامل تؤثر في النهاية على ثقة المستثمرين والاستقرار العام في البلاد.
لمواجهة هذه الظاهرة، لا يكفي فرض العقوبات أو الملاحقة القانونية فقط، بل يتطلب الأمر مقاربة شاملة ومتكاملة. يجب على الحكومات تبسيط الإجراءات الإدارية وتخفيض كلفة الترخيص والضرائب على المشاريع الصغيرة وتوفير بيئة تنظيمية تشجع على دمج الأنشطة غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي. كما ينبغي تطوير برامج تمويل مرنة ومخصصة للمشاريع متناهية الصغر وتوفير التدريب المهني وفرص العمل الرسمية للفئات الهشة. برأيي، إن إصلاح النظام الضريبي وتعزيز الشفافية وتحسين جودة الخدمات الحكوميةكلها عوامل تساعد في تقليص حجم الاقتصاد الموازي. إذ تلعب الثقافة المجتمعية دوراً مهماً في تعزيز الوعي بأهمية العمل الرسمي وبفوائد الالتزام بالقانون ليس فقط على المستوى الفردي بل على مستقبل الاقتصاد الوطني ككل. فالحد من الاقتصاد الموازي لا يحقق فقط التوازن الاقتصادي بل يُسهم في بناء دولة المؤسسات والقانون يعزز من قدرة المجتمع على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية الشاملة.