أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    02-Nov-2025

دعوة لمراجعة نهج إدارة الدين العام*أحمد عوض

 الغد

يشهد الأردن هذه الأيام نقاشا واسعا وصحيا حول مستويات الدين العام، بعد إعلان الحكومة أن حجمه بلغ حتى نهاية آب الماضي نحو 46.7 مليار دينار أردني، أي ما يعادل نحو 119 % من الناتج المحلي الإجمالي. 
 
 
وبينما تختلف طرق احتساب النسبة بين من يستثني الديون المترتبة لصندوق استثمار الضمان الاجتماعي ومن يدرجها ضمن الإجمالي، فإن ارتفاع الدين بهذا المستوى يثير قلقا حقيقيا، حتى وإن كانت المؤشرات المالية والنقدية الأخرى مطمئنة نسبيا.
فالوضع الحالي لا يمكن تحميله للحكومة الحالية وحدها، إذ إن أزمة الدين العام في الأردن ليست آنية، بل نتاج منهجية طويلة الأمد في إدارة المالية العامة تعتمد على الاقتراض كخيار سهل وسريع لتغطية العجوزات، سواء من مصادر خارجية أو داخلية وبمختلف أدوات التمويل. 
هذه المقاربة جعلت الدين وسيلة دائمة لتمويل النفقات بدلا من أن يكون أداة لتحفيز الاستثمار والنمو، ما أضعف قدرة الاقتصاد على توليد إيرادات ذاتية ومستدامة.
وقد ارتفع إجمالي الدين من نحو 29.7 مليار دينار عام 2019 إلى أكثر من 46 مليار دينار في منتصف 2025، وهو ارتفاع غير مسبوق يعكس خللا هيكليا في نموذج النمو الاقتصادي. فالاقتصاد الأردني ما يزال يعاني من ضعف في القاعدة الإنتاجية، واعتماد كبير على التحويلات والمساعدات الخارجية، إلى جانب نظام ضريبي غير عادل يعتمد في أكثر من ثلثي إيراداته على الضرائب غير المباشرة، بينما تبقى ضريبة الدخل محدودة التأثير وغير تصاعدية.
ومع بقاء معدلات النمو دون 3 % واستمرار البطالة عند مستويات فوق 20 %، تتجه الحكومات إلى الاقتراض لتغطية النفقات العامة وخدمة الدين نفسه، ما أدى إلى تضاعف كلفته لتصل إلى ما يزيد على ملياري دينار سنويا، أي ما يوازي تقريبا إجمالي الإنفاق على التعليم والصحة مجتمعين. 
ورغم أن بعض المؤشرات المالية، مثل استقرار سعر الصرف وتوافر الاحتياطيات الأجنبية، تبعث على الاطمئنان النسبي، فإنه لا ينبغي التقليل من مخاطر استمرار ارتفاع الدين العام سواء بالأرقام المطلقة أو كنسبة إلى الناتج المحلي. فكل ارتفاع جديد يعني استنزافا أكبر للإيرادات العامة وتراجعا في قدرة الحكومة على الاستثمار في الخدمات الأساسية والبنية التحتية.
معالجة هذه الأزمة تتطلب تحولا في إدارة الدين العام والسياسات المالية، بعض النظر عن اختلاف رؤية الاقتصاديين سواء أكانوا في الحكومة او خارجها حول مخاطر الدين العام أم لا، وأعتقد أن التحول يبدأ بإصلاح ضريبي عادل يقلل الاعتماد على الضرائب الاستهلاكية ويعزز التصاعدية في ضريبة الدخل، إلى جانب ضبط الإنفاق الجاري غير الضروري، وتوجيه الموارد نحو مشروعات إنتاجية تخلق فرص عمل حقيقية. كما يجب أن يترافق ذلك مع مراجعة شاملة لإستراتيجية الاقتراض، بحيث لا يكون الدين العام خيارا تلقائيا، بل أداة محسوبة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن الأردن بحاجة إلى نهج جديد في إدارة اقتصاده العام يقوم على ترشيد الاقتراض، وتحسين كفاءة الإنفاق، وتعزيز الإنتاج المحلي. فاستمرار تراكم الدين بهذا النسق، حتى مع مؤشرات مالية مستقرة، يشكل مخاطرة جدية على الاستدامة الاقتصادية ومستقبل الأجيال القادمة.