الغد-فرح عطيات
ربط خبراء بيئيون نجاح الأردن في تحقيق نقلة نوعية نحو تبني الحوكمة البيئية الرشيدة، ومنح الدولة قدرة أكبر على تنظيم استخدام الموارد الطبيعية بإيجاد وثيقة “كود” وطني لإدارة مصادر المياه.
وهذا الكود المقترح سيندرج ضمنه متطلبات بيئية صارمة بحيث تُلزم الجهات المستهدفة به، الحصول على تصاريح لحماية الموارد من التلوث، ووضع خطط لإدارة تدوير النفايات، وفق رأيهم.
كما يسهم في تحديث البيانات المائية للتنبؤ بالمخاطر، والكشف المبكر عن التلوث، وحماية صحة الإنسان، وتجنب الاستنزاف المفرط لضمان توفر المياه النقية.
وتُعد هذه الأكواد تشريعات منظِّمة تهدف إلى تحقيق مستهدفات محددة تتعلق بمصادر المياه وكيفية حماية الموارد البيئية، من خلال آليات وأدوات صِيغت على شكل مواد نظامية وقواعد، وقد تضم كامل أو بعض المواد القانونية الصادرة مسبقاً في مجال ما، وتختلف فلسفة الكود من دولة لأخرى من الناحية القانونية بحسب البيئة التشريعية.
إطار تنظيمي شامل
وفي ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الأردن في مجالات المياه والبيئة، بات واضحًا أن الوقت حان لوضع إطار تنظيمي شامل يضبط استخدام الموارد الطبيعية ويحميها من التدهور والاستنزاف، حيث أصبحت ضرورة لم تعد تحتمل التأجيل ليواكب التحديات ويؤسس لإدارة متكاملة ومستدامة، وفق المتخصصة في قضايا البيئة والمياه د. منى هندية.
ولفتت هندية إلى أن الأردن يعاني من شح مائي مزمن، حيث يصنف ضمن أفقر الدول مائيًا على مستوى العالم، ويواجه القطاع البيئي تهديدات متنامية من التوسع العمراني العشوائي، وتلوث المياه السطحية والجوفية واستنزافها، وتدهور الغطاء النباتي، في ظل غياب أدوات رقابية وتشريعية موحدة وفعالة.
وفي رأيها فإن وجود كود وطني لإدارة مصادر المياه سيشكل نقلة نوعية نحو الحوكمة البيئية الرشيدة، على أن يواكب الإطار التشريعي المحلي هذه التحديات بأدوات حديثة، ورؤية استشرافية تضع الاستدامة في صميم التخطيط الوطني.
وهذا الكود، وفق قولها، لا بد أن يعالج الجذور لا الظواهر، ليستند إلى عدة مرتكزات أهمها تقسيم المملكة إلى نطاقات بيئية حسب الحساسيات الإيكولوجية، والأحواض المائية، وتحديث البيانات البيئية عبر أنظمة ذكية واستشعار عن بعد.
ومن بين مميزاته كذلك ربط التزام المؤسسات بالشفافية والمساءلة من خلال منصات رقمية، ورقابة بيئية مشددة تشمل التفتيش، والغرامات، وسحب الترخيص في حال المخالفة، وفق هندية.
وسيمنح الكود الدولة قدرة أكبر على تنظيم استخدام الموارد الطبيعية، بما يشمل فرض رسوم على الاستخدام الصناعي والتجاري للمياه، وتوجيه الأنشطة العمرانية والزراعية بعيدًا عن المناطق الحساسة، كما أكدت.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بحسبها، بل سيعزز الكود من مبدأ أن الموارد الطبيعية ملك عام، ويُمنع استخدامها إلا بشروط تضمن الحفاظ عليها للأجيال القادمة.
وشددت على أن إقرار مثل هذا الكود لا يهدف فقط إلى الردع، بل إلى تشجيع الابتكار والاستثمار البيئي، عبر منح امتيازات للقطاعات الملتزمة، ودعم مشاريع إعادة التدوير، والطاقة المتجددة، والزراعة الذكية مائيًا.
منع استخدام المياه العادمة
وأضافت هندية إن تحديد مصادر المياه الصالحة للري بدقة من خلال الكود يُلزم الجهات الزراعية باستخدام مصادر مياه مطابقة للمعايير الصحية والبيئية، ويمنع استخدام المياه العادمة غير المعالجة أو المعالجة جزئيا لريّ الخضراوات والفواكه التي تُستهلك نيئة، حسب المواصفات الأردنية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الكود سيلزم المزارعين بالحصول على ترخيص ري زراعي، لإثبات أن مصدر المياه آمن، حيث يتضمن الترخيص تحديد نوع المحصول، ونوع المياه، وفحص دوري لجودة المياه والتربة.
ويفرض الكود وضع رمز تتبع للمزارع والمنتجات الزراعية، بحيث يمكن معرفة مصدر المياه المستخدمة، وجهة التوزيع، وإنشاء منصة إلكترونية توضح بيانات جودة المياه المستخدمة في المناطق الزراعية، في رأيها.
ومن بين فوائد تبني الكود، تمكين الدولة من تحديد أولويات استخدام المياه في حالات الجفاف نتيجة التغير المناخي، بحيث تُعطى الأولوية لمياه الشرب والصحة العامة.
كما يلزم الجهات المختصة بإنشاء قاعدة بيانات وطنية للمناخ والمياه، ليتم تحديثها دوريًا عن طريق أجهزة استشعار عن بعد، ومحطات الرصد المناخي والهيدرولوجي، مما يُساعد في رصد مؤشرات الجفاف مبكرًا، وتوجيه السياسات بناءً على بيانات دقيقة.
ومن خلال بنود الكود، التي اقترحتها، تلك المتعلقة بالحوكمة، والبيانات، والتخطيط، والرقابة، وتشجيع الابتكار، يمكن للأردن أن يضع أساسًا قويًا للتكيف مع التغير المناخي، والتقليل من آثار الجفاف على أمنه المائي والغذائي.
وأيضا يُلزم الكود المؤسسات الصناعية والزراعية، والسياحية بـتقديم خطط إدارة نفايات صلبة وسائلة كجزء من الترخيص البيئة، وفرز النفايات من المصدر، وخاصة النفايات العضوية والبلاستيكية، كما أفادت هندية.
كما سيعزز من فكرة إنشاء أو التعاقد مع جهات متخصصة لمعالجة النفايات، وإعادة تدويره، اذ يحَفّز الكود الشركات على إعادة تدوير المياه داخل منشآتها، ويضع مواصفات لإعادة استخدامها في التبريد أو التنظيف الصناعي، بحسبها.
ولفتت إلى أن الكود يفرض قضية التخلص الآمن من النفايات الصناعية، ويشجع على معالجتها واسترجاع المواد المفيدة منها مثل المعادن، ولهذا يجب ربط الترخيص البيئي بمعدلات التدوير.
ولكن، ومن وجهة نظرها، يتطلب اعتماد الكود الوطني إرادة سياسية واضحة ودعما فنيا، وتعاونًا فعّالًا بين وزارات البيئة، والمياه، والزراعة، والطاقة، والبلديات، إلى جانب إشراك الجامعات والقطاع الخاص والمجتمع المدني في تطوير محتواه وتطبيقه.
كما أن التنسيق مع التشريعات الحالية مثل قوانين حماية البيئة والمياه وإدارة النفايات سيكون ضروريًا لتفادي التضارب وضمان التنفيذ الفعل.
تصنيف مياه الشرب
وفي رأي رئيس مجلس جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة د. دريد محاسنة فإن هنالك حاجة ملحة لتبني الأردن لوثيقة “كود” لإدارة مصادر المياه، بهدف وضع تصنيف لمياه الشرب، وتلك المعاد استخدامها، والتي تستعمل لغايات الري في الأراضي الزراعية، والواجب ربطها بأنواع المحاصيل، لمعرفة الكميات المطلوب توفيرها.
ولفت محاسنة إلى أن الكود يضمن عدم استخدام المياه الملوثة في ري المزروعات، والتي تتسبب بإصابة الأفراد بمختلف الأمراض، بل يدفع المزارعين لاختيار المزروعات الذكية مناخياً، وتلك التي لا تستهلك كميات كبيرة من المياه.
وأكد أهمية ربط المناطق وكذلك المزروعات بكودات، بحيث يمكن أن يستدل على الأماكن التي تُروى فيها المحاصيل بالمياه الملوثة، أي لغايات الرقابة والتتبع.
وفي رأيه فإن الكود يهدف إلى الحفاظ على المياه ونوعيتها، وعلى الموارد البيئية، والصحة كذلك، والتي تسعى جميعها إلى تحقيق الاستدامة الاقتصادية.
وبين أن الوزارات المعنية بتطبيق الكود هي البيئة والمياه والزراعة، مع ضمان الإلزامية في هذا الشأن، حتى لا تكون كما الوثائق الأخرى “حبراً على ورق”.
وأشار إلى أن تطبيق هذا الكود يتطلب إرفاقه بخطة وطنية تنفيذية تدرج فيها الحوافز، والعقوبات، وأدوات قياس الأداء التي تستخدم من قبل الجهات المحايدة كالمنظمات المحلية.