الغد
يبدو أن المدير التنفيذي صاحب النمط القيادي الذي ينتقل من منصب رفيع إلى آخر في شركات متعددة أصبح موضة قديمة وفي طريقه للانحسار. اليوم 87 % من التعيينات الجديدة (بحسب إكوينار 2023) تكون لقادة لأول مرة. كما انخفض متوسط فترة شغل المنصب إلى 6.4 سنوات مقارنة بـ8 سنوات قبل عقد من الزمن. هذه الأرقام تعكس توجهًا واضحًا نحو تعيين قادة جدد بدلًا من إعادة تدوير الأسماء القديمة ويعكس تغيراً في المزاج الإداري، واستجابة لضغوط واقعية متزايدة، تتمثل في ارتفاع مستويات المساءلة من مجالس الإدارة وتوقعات المستثمرين المرتفعة، والتدقيق الإعلامي، والمتطلبات التنظيمية الصارمة للجهات الرقابية
في ضوء ذلك يميل القادة المسؤولون اليوم إلى تبني نهج مدير تنفيذي لمرة واحدة مكتفين بعدها ربما بأدوار استشارية وبعضوية مجالس إدارة. وقد وصف التجربة كثير منهم بأنها مميزة لكنها مُستنزفة، واختاروا عدم تكرارها. باختصار الشركات أصبحت تفضل قادة من الداخل يفهمون ثقافتها بدلاً من المنقذ الخارجي. أي يحتاجون قيادات مطلعة على تفاصيل الصناعة من الداخل، هي الاقدر على تحقيق النجاح واستدامته؛ ويبدأ ذلك من خلال التركيز على تطوير الصف الثاني والثالث والاستعداد لبناء استراتيجيات طويلة المدى.
في ظل هذا الواقع، بدأت شركات كبرى مثل Unilever وPepsiCo في تبني نموذج الترقية من الداخل، حيث عينت Unilever في عام 2024 مديرها المالي السابق رئيسًا تنفيذيًا، في خطوة تعكس ثقة متزايدة بالقادة الذين نشأوا داخل المؤسسة وتشربوا ثقافتها. هذا النهج لا يحقق فقط انتقالًا سلسًا، بل يقلل من المخاطر، ويعزز من كفاءة اتخاذ القرار ويوفر استقرارًا على مستوى الهيكل التنظيمي.
لم يعد البحث عن "المدير النجم" الخارجي هو الخيار الأمثل للعديد من الشركات. حيث تشهد ساحة المديرين التنفيذيين تحولاً ملحوظاً نحو القيادات المتجذرة في ثقافة المؤسسة الواحدة، ولا ننسى ان ضغوط مجلس الإدارة والمساهمين وخاصة تلك المتعلقة بتحقيق أرباح سنوية بل واصبح الاتجاه لتوزيع وجبتين من الأرباح في السنة تجعل فرص نجاح مديرين تنفيذيين من رحم المؤسسة اكثر احتمالاً.
بجانب الضغوط الاجتماعية وقضايا البيئة والحوكمة والتدقيق على كل تصريح أو قرار التي جعلت المنصب محفوفًا بالمخاطر، وعليه التوجه عالمياً هو تطوير قادة من الداخل بدلاً من البحث عن أسماء لامعة من الخارج. هذه الاستراتيجية توفر مزايا جوهرية أهمها: تقليل المخاطر حيث يعتمد القادة الداخليون على فهم عميق لثقافة الشركة وعملياتها، مما يقلل من صدمة التغيير ويزيد من فرص النجاح، كذلك تعزيز الكفاءة والاستمرارية وضمان الترقية من الداخل واستمرارية الرؤية الاستراتيجية وبناء هيكل تنظيمي أكثر انسيابية وولاء مؤسسي.
وبناء على ما تقدم التوصية الحديثة وفق افضل ممارسات الحوكمة هي تجنب تعيين مدير تنفيذي مخضرم عمل في عدة شركات، والاهتمام بتعزيز برامج التعاقب الوظيفي التي هي استراتيجية ثاقبة لا ترف إداريا، بما يضمن وجود كوادر جاهزة للقيادة من داخل المؤسسة.