الغد-هبة العيساوي
يواصل الأردن جهوده لتعزيز سوق العمل، في ظل التحديات الاقتصادية الإقليمية وتداعيات العودة المستمرة للاجئين السوريين إلى ديارهم، بما يفرض ضغوطا على فرص العمل والمهارات المطلوبة بالمملكة.
ففي الأردن، تُظهر بيانات وزارة العمل، أن قطاع الخدمات والخدمات اللوجستية، ما زال يشهد نموا محدودا، مع ارتفاع الطلب على العمالة الماهرة بمجالات الصحة والتعليم والبناء.
وأكد خبراء أردنيون أن إعادة إدماج اللاجئين العائدين لسورية واستمرار التنقل الإقليمي للعمالة يمثل فرصة لتعزيز مهارات الشباب الأردنيين، وتحفيز الاستثمار بالتدريب المهني وتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية للعمالة الوطنية والمهاجرة على حد سواء.
ويأتي ذلك في سياق المنتدى الإقليمي الثلاثي الذي انعقد مؤخرا، في دمشق تحت رعاية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية ومنظمة العمل الدولية، بمشاركة ممثلين من الأردن ولبنان والعراق وسورية، لمناقشة التعافي الشامل لسوق العمل في سورية والدول المجاورة.
المنتدى الذي انعقد في دمشق جمع ممثلين رفيعي المستوى من الحكومات ومنظمات العمال وأصحاب العمل ومنظومة الأمم المتحدة.
وركز النقاش على آثار التطورات الاقتصادية والاجتماعية على أسواق العمل، بعد عودة أكثر من مليون لاجئ سوري و 1.8 مليون نازح داخلي، وما يترتب على ذلك من تحديات في التشغيل والهجرة والحماية الاجتماعية بالمنطقة.
وأفرز المنتدى وثيقة رسمية بعنوان "بيان المنتدى: إطار الحوار الإقليمي"، تضمنت التزامات الدول المشاركة بتعزيز العمل اللائق والحماية الاجتماعية القائمة على الحقوق، وربط إعادة الإعمار بإعادة إدماج العائدين والمجتمعات المحلية.
وتركزت التوصيات على تعزيز التعاون الإقليمي في تطوير المهارات والاعتراف بالمؤهلات، وضمان تنقل عادل للعمالة، وتوسيع الوصول إلى برامج الحماية الاجتماعية، بما يضمن استدامة أسواق العمل.
وتُظهر البيانات أن الاقتصاد السوري، رغم بعض التعافي، ما يزال أقل بنسبة 84 % من مستوياته قبل عام 2010، مع انتشار واسع للقطاع غير المنظم، ما يترك معظم السكان تحت خط الفقر.
ومع ذلك، فإن تخفيف العقوبات واستمرار المشاركة الإقليمية يوفر فرصًا لإعادة الإعمار والاستثمار، وتلبية الطلب المتزايد على العمالة في قطاعات البناء والزراعة والخدمات.
وأشار المنتدى إلى أن الدول المجاورة، بما فيها الأردن، تواجه نقصا محتملا بالمهارات مع عودة اللاجئين، ما يفرض أهمية التنسيق الإقليمي لتبادل المعرفة والخبرات، وتوفير التدريب المهني المشترك لضمان استيعاب العمالة العائدة وتعزيز فرص التشغيل.
على الصعيد الوطني، يولي الأردن اهتمامًا خاصًا لتعزيز العمل اللائق والحماية الاجتماعية، بما يتماشى مع توصيات منظمة العمل الدولية رقم 205.
وقد شملت المبادرات الوطنية تطوير برامج تدريبية للشباب الأردني واللاجئين السوريين، وربط المهارات المتاحة بالفرص الفعلية في الأسواق المحلية، بالإضافة لتعزيز مراقبة تطبيق قوانين العمل والسلامة المهنية. وفي هذا الإطار، قالت مصادر مطلعة في وزارة العمل الأردنية، إن الأردن يدرس توسيع برامج التعاون مع سورية والدول المجاورة، بما يضمن التنسيق في توجيه العمالة والمهارات المطلوبة، ويسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية الإقليمية والاستقرار الاجتماعي.
وأكد المنتدى أهمية وضع إستراتيجية إقليمية وآلية تنسيق مستمرة لمتابعة تقدم برامج التشغيل وحماية العمالة، وإتاحة فرص التعلم المتبادل بين الدول.
وأوصى المشاركون بعقد المنتدى الثلاثي بانتظام لمراجعة التطورات، ومعالجة التحديات الناشئة في سوق العمل.
وقالت المدير الإقليمي لمنظمة العمل الدولية للدول العربية د. ربا جردات، "العودة الكبيرة للاجئين السوريين تمثل تحولًا جذريًا في أسواق العمل، ليس في سورية فقط، بل في جميع الدول المجاورة، ونهدف لضمان فرص عمل لائقة وحماية اجتماعية وفرص عادلة للجميع، وربط العودة بإعادة الإعمار والمهارات بالفرص العملية."
من جهتها، أشارت نائبة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية د. رغدة زيدان، لأهمية الحوار الإقليمي المستمر: "تجتمع دول الإقليم لمناقشة قضايا تؤثر على الجميع، ويتيح البيان الصادر أرضية لحوار مستقبلي مستدام حول التنسيق في أسواق العمل".
وبهذه الجهود المشتركة، يسعى الأردن والدول المشاركة إلى تعزيز التشغيل والعمل اللائق كأداة للسلام والاستقرار الإقليميين، وتحويل التحديات الاقتصادية والاجتماعية إلى فرص لتعافي مستدام وإعادة بناء اقتصادات مرنة ومتكاملة.