"العقد الإلكتروني" للمدارس الخاصة.. تصاعد الجدل مجددا
الغد-هبة العيساوي
أثار إعلان نقيب المدارس الخاصة منذر الصوراني عدم التزام غالبية المدارس الخاصة بالعقد الموحد الإلكتروني جدلا واسعا في الأوساط التعليمية، فيما جاء رد الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن حازما ومؤكدا أن العقد يمثل خطوة وطنية لحماية العاملين والعاملات في قطاع التعليم الخاص، كما أنه وضع حدا لسلسلة الانتهاكات التي شهدها القطاع على مدى سنوات.
وجاء العقد الموحد الإلكتروني في إطار جهود وطنية لتطوير قطاع التعليم الخاص وتنظيم علاقة العمل فيه، بعد سنوات شهد فيها القطاع ممارسات غير قانونية واسعة، من بينها غياب عقود العمل، والتلاعب بفترات الدوام، وعدم الالتزام بالأجور الحقيقية، إضافة إلى تهرب بعض المدارس من الالتزامات تجاه الضمان الاجتماعي.
وسبق لجميع الأطراف المعنية، ممثلة بوزارة التربية والتعليم، ووزارة العمل، ونقابة أصحاب المدارس الخاصة، ونقابة العاملين في التعليم الخاص، أن توصلت إلى اتفاق واضح حول اعتماد العقد الموحد، لضمان حقوق العمال وتنظيم بيئة العمل بشكل عادل وشفاف، وهو ما يجعل أي مخالفة من بعض المدارس تعد خرقا لهذا الاتفاق الوطني.
وقال الصوراني في تصريحاته، إن العديد من المدارس الخاصة ترى أن الالتزام بالعقد الموحد الإلكتروني يمثل تحديا كبيرا، خاصة فيما يتعلق بتطبيق الإجراءات الجديدة على عمليات التعيين الداخلية وضبط الدوام.
وأضاف إن بعض المدارس تواجه صعوبات تقنية وإدارية في التعامل مع المنصة الرقمية، وإن هذا قد يؤدي إلى تأخيرات في إصدار العقود، فضلا عن تكاليف إضافية قد تثقل كاهل المدارس الصغيرة والمتوسطة.
وأكد أن بعض المدارس تخشى أن يكون العقد الموحد مرهقا على صعيد التزاماتها القانونية والإدارية، خصوصا مع اختلاف احتياجات كل مدرسة وحجمها وعدد العاملين فيها.
العقد تحول نوعي
بدوره، رد الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، عبر رئيسه خالد الفناطسة، مؤكدا أن اعتماد العقد الموحد الإلكتروني يمثل تحولا نوعيا في تنظيم العلاقة بين العاملين وأصحاب المدارس الخاصة، ويضمن حقوق الطرفين على حد سواء.
وأضاف الفناطسة إن المنصة الرقمية للعقد الموحد لا تحمي فقط حقوق العمال، بل تضع إطارا قانونيا واضحا للأعمال التشغيلية للمدارس، ما يقلل النزاعات ويضمن التزام الجميع بالقوانين والاتفاقيات الجماعية، ويؤكد التزام المدارس بالاتفاق المسبق الذي تم التوصل إليه.
وصيغ مشروع العقد الموحد الإلكتروني نتيجة توافق وطني كامل بين جميع الأطراف المعنية، عبر لجنة فنية تضم وزارة التربية والتعليم، وزارة العمل، المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، النقابة العامة لأصحاب المدارس الخاصة، ونقابة العاملين في التعليم الخاص، وبدعم من منظمة العمل الدولية، وتم تصميم المنصة لتكون عملية وميسرة، بحيث يمكن إصدار العقود إلكترونيا بشكل يومي، مع تسجيل جميع التفاصيل والالتزامات القانونية بشكل واضح ومؤمَّن.
وأكد الفناطسة أن العقد الإلكتروني جاء بموجب اتفاقية جماعية بين النقابتين، وهي اتفاقية قانونية موثقة حسب الأصول ونُشرت في الجريدة الرسمية، ما يجعل أحكامها ملزمة لجميع الأطراف، ومكسبا قانونيا لا يمكن التراجع عنه، وأن أي مخالفة من بعض المدارس تعني خرقا واضحا للاتفاق الوطني.
وأشار إلى أن الاتحاد كان منفتحا على الحوار مع أصحاب المدارس خلال تطبيق العقد في العام الدراسي الماضي، حيث تم تعديل بعض الإجراءات لتراعي خصوصية عمل المدارس وتسهّل عملية التعيين.
معالجة التحديات
ويهدف العقد الموحد الإلكتروني إلى معالجة التحديات المزمنة التي يعاني منها قطاع التعليم الخاص، والتي تشمل تفاوت الأجور بين المعلمين، وعدم وضوح الالتزامات القانونية، والممارسات العشوائية التي تؤثر على بيئة العمل، كما يسهم النظام في تعزيز شفافية العلاقة بين المدرسة والعامل، وتمكين الجهات الرقابية من متابعة تطبيق القانون بشكل أكثر دقة وفاعلية.
من جهته، لفت الفناطسة إلى أن تطبيق العقد الإلكتروني يسير بشكل منتظم، وأن عدد العقود المصدرة عبر المنصة يشهد نموا مستمرا، ما يعكس قبول أصحاب المدارس للمنصة بعد التسهيلات المقدمة من وزارة التربية والتعليم.
وأشاد بدور مديرية التعليم الخاص في الوزارة في تبسيط الإجراءات وتقديم الدعم الفني، ما يسهل على المدارس الالتزام بالعقد الجديد ويقلل من التأخير.
وأكد الفناطسة أن وزارة التربية والتعليم أكدت في تعميم رسمي أن اعتماد العقد الإلكتروني للعاملين في المدارس الخاصة سيكون إلزاميا اعتبارا من العام الدراسي 2025/ 2026، وأن العقود الورقية لن تُقبل بعد ذلك، ما يعكس جدية الحكومة في تنظيم القطاع وضمان حقوق العاملين، ويضع حدّا لأي مخالفة للاتفاق المسبق.
تحديث قطاع التعليم
بدورهم، يرى خبراء عماليون أن اعتماد العقد الموحد الإلكتروني يشكل خطوة مهمة نحو تحديث قطاع التعليم الخاص، وتقليل الانتهاكات العمالية، فضلا عن تحقيق بيئة عمل مستقرة ومنظمة، وهو ما يعود بالفائدة على المعلمين والطلاب وأصحاب المدارس على حد سواء، وفي الوقت ذاته، يعكس المشروع روح التعاون الوطني بين الحكومة، والنقابات، وأصحاب المدارس الخاصة، ويضع الأردن ضمن الدول التي تنظم العلاقة العمالية في قطاع التعليم الخاص بشكل حديث وشفاف.
وهذا ما يؤكده رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة، الذي يقول إن "هذا العقد تم وضعه بموجب اتفاقية عمل جماعية موقعة بين نقابة العاملين في التعليم الخاص ونقابة أصحاب المدارس الخاصة، وبرعاية وزارتي العمل والتربية والتعليم، وهي اتفاقية ملزمة بحكم قانون العمل، ولا يملك أي طرف حق التحلل منها أو تجاوزها".
وأكد أبو نجمة أن "رفض الالتزام بالعقد يشكل مخالفة صريحة للقانون ويعرض المدرسة المخالفة للمساءلة القانونية وفقا لقانون العمل وتشريعات وزارة التربية والتعليم، بما في ذلك النظام الخاص بمدارس التعليم الخاص".
وأضاف إن "العقد الموحد جاء لتنظيم العلاقة بين العاملين والمدارس، وحماية حقوق الطرفين، والحد من الانتهاكات التي عانى منها القطاع لسنوات، وخاصة قضايا الأجور، وتغييب العقود، والتلاعب بساعات العمل، وعدم الالتزام بالضمان الاجتماعي"، مشيرا إلى أن "اعتماد المنصة الإلكترونية يمثل خطوة ضرورية للتوثيق القانوني السليم والشفاف، بدلا من العقود الورقية التي سمحت سابقا بانتشار الكثير من المخالفات".
وقال إن "أي صعوبات تقنية تواجه بعض المدارس يمكن التعامل معها بسهولة، فوزارة التربية والتعليم والجهات المعنية قادرة على التعاون لمعالجتها وتقديم الدعم الفني اللازم، وهو ما ظهر في التسهيلات التي قدمت خلال العام الماضي".
وشدد على أن "رفض تنفيذ الاتفاقية من حيث المبدأ هو موقف غير قانوني ولا يصب في مصلحة القطاع، بل يضر المدارس الملتزمة ويشوه سمعة التعليم الخاص الذي تضرر كثيرا نتيجة ممارسات قلة من المدارس".
وأضاف أبو نجمة إن "الالتزام بالعقد الموحد الإلكتروني يشكل حماية للعاملين وتنظيما للمدارس، وهو عامل مهم لترسيخ بيئة تعليمية عادلة ومستقرة، ويمثل في المحصلة مصلحة وطنية وواجبا على الجهات الرسمية حمايته تنفيذا للقانون وصونا لمبدأ سيادة القانون".