في عالم الريادة.. الابتكار لا يضمن النجاح
الغد-إبراهيم المبيضين
رغم أن كثيرا من الرياديين يعتقدون أن إضافة "فكرة" إبداعية جديدة إلى سوق الريادة يعد عاملا أساسيا لنجاح الشركات الناشئة إلا أن هذا العامل "وحده غير كاف" للوصول إلى النجاح والنمو والاستدامة، بحسب خبراء.
ويشير رياديون وخبراء إلى أن النجاح والنمو والاستدامة للشركة الناشئة يتطلب مجموعة من العوامل من بينها الابتكار، لكن رحلة النجاح تتطلب مجموعة من العوامل منها التمويل والإرشاد وتأهيل الريادي ليكون قادرا على بناء نموذج قابل للتسويق من الفكرة المبتكرة وبناء فريق قادر على العمل والدخول في السوق فضلا عن تزويده بالخبرات التي تجعله يدير شركة ناشئة بنجاح ويستقطب الاستثمار والتمويل.
وأكدوا أهمية وجود منظومة متكاملة لريادة الأعمال تقوم على التنسيق والمتابعة وتوزيع وتويجه الدعم بكل أشكاله بعدالة على كل الشباب الريادي في جميع المحافظات بما يعود بالفوائد الكبيرة على الاقتصاد والمجتمع.
ويمكن تعريف الابتكار على أنه تنفيذ فكرة أو منتج أو عملية جديدة أو محسنة بشكل معتبر، بهدف إضافة قيمة وحل مشكلات بطرق جديدة وأفضل، مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة أو تلبية احتياجات غير ملباة في السوق ويشمل الابتكار التطوير الإبداعي والتحسينات التدريجية وصولًا إلى الاختراعات الرائدة ونماذج الأعمال الجديدة كليًا.
وأكد الريادي الأردني أسامة مراد عوض الله أن دافعه لإنشاء شركته الناشئة الخاصة منذ البداية كان دافع الابتكار لحل مشكلة او سد حاجة لدى طلاب الجامعات.
وقال عوض الله الذي يقود اليوم شركة ناشئة تحمل اسم "يونيفلكس": "كان الدافع الأساسي لدخول عالم الريادة هو تجربتي الشخصية كطالب جامعي وشعوري الدائم أن الطلاب بحاجة إلى أدوات ذكية تسهل عليهم تنظيم دراستهم وفهم المواد بشكل أفضل، فلم أكن أسعى لثروة بل إلى حل مشكلة حقيقية نعيشها يوميا داخل الجامعة والسعي لإدخال وتوظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم الجامعي ولتطوير مهارات الطلاب وتقليل الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل".
ورغم قناعته بأهمية الابتكار إلا أن عوض الله أكد أن "الابتكار لوحده لا يكفي، فالفكرة والشركة الناشئة بحاجة إلى بيئة حاضنة دعم فني ومالي وشبكة علاقات تساعد على تحويلها إلى مشروع قابل للتطبيق والتوسع".
ويشرف عوض الله على شركة "يونيفلكس" وهي عبارة عن منصة تعليمية ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تأسست في عام 2023 وبدأ الانطلاق التجريبي من الجامعة الأردنية وبدعم من مركز الابتكار والريادة في الجامعة الأردنية، كما أن الشركة حازت مؤخرا على دعم من قبل شركة زين الأردن للتوسع والنمو.
وبنفس فكر وقناعة عوض الله، ترى الريادية دعاء البيك صاحبة مشروع "ألهمني" أن دافع إنشاء مشروعها كان دافعا "إنسانيا" يخدم فئة لطالما عملت معها ووجدت صعوبات في حياتهم، لافتة إلى أنها بحثت عن حلول مبتكرة لهذه الصعوبات، ما مكنها أيضا من الحصول على دخل من هذا المشروع.
ويقوم مشروع "ألهمني"، على توفير حلول مبتكرة تسهم في تهيئة مهنية وأكاديمية لليافعين من ذوي الإعاقة لدمجهم في المجتمع، والعمل على تطوير مهاراتهم الاجتماعية للوصول إلى أعلى نسبة استقلالية ممكنة على الصعيدين الشخصي والمهني.
وقالت البيك إن "الابتكار" في المشاريع الناشئة والريادية يحتاج إلى "دعم شخصي أولا بأن تؤمن بقدراتك وإمكانياتك حتى تثبت للمجتمع أنك قادر على إحداث الفرق وبعد ذلك يحتاج الريادي إلى الدعم من المجتمع والمؤسسات والجهات الحاضنة لريادة الأعمال.
وقالت البيك: "إنها تسعى للنجاح من خلال تطوير شخصيتها ومهاراتها التي تنعكس على عملها وقدرتها على إدارة عملها وتطويره".
وقال عضو مجلس إدارة الصندوق الأردني للريادة د.أشرف بني محمد إن الابتكار وإيجاد شركات ناشئة تقدم حلولا لمشاكل وفجوات في المجتمع والاقتصاد هو عامل مهم جدا في عالم ريادة الاعمال فهو اساس الريادة، ولكنه ليس العامل الوحيد الكفيل بالنجاح وضمان نمو وتوسع واستدامة الشركة الناشئة.
وقال بني محمد: "الشركة الناشئة إذا لم تتمكن من البيع وجلب الإيراد من الفكرة، فلا جدوى بعامل الابتكار في الفكرة، يجب على الريادي أن ينجح في بناء نموذج أولي ناجح للمنتج أو الحل أو الخدمة المبتكرة قادر على دخول السوق وجذب المستهلك".
ويرى بني محمد أن ذلك يتطلب جهدا جماعيا من كل أطراف منظومة ريادة الأعمال الأردنية بما فيها الحكومة وحاضنات الأعمال والمؤسسات التمويلية الداعمة للريادة ومجتمع الرياديين أنفسهم للتوعية بأهمية أن يستفيد الريادي من الخبرات في السوق ومن الإرشاد حتى يستطيع ان يحول فكرته المبتكرة الى منتج قابل للتوسع والنمو.
وقال بني محمد: "العشر سنوات الأخيرة شهدت توسعا وإقبالا كبيرا من قبل الشباب الأردني لدخول عالم ريادة الأعمال، كما شهدت نموا كبيرا في عدد البرامج والمشاريع الداعمة لريادة الأعمال في جميع المحافظات ولكن ما علينا عمله اليوم هو تنسيق كل الجهود والبرامج وتوجيه دعمها بالشكل الأمثل حتى ينجح هذا القطاع ونستفيد منه اقتصاديا بالشكل المطلوب".
وقالت الريادية من محافظة المفرق رهام المقبل: "الابتكار هو إيجاد حلول إبداعية لمشكلة موجودة باستخدام موارد متاحة بطرق جديدة تحقق فائدة اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية".
ورغم أهمية الابتكار إلا أن المقبل ترى أن الشركة تحتاج إلى الدعم المالي والمعنوي والتدريب سواء من مؤسسات التمويل أو من حاضنات الأعمال أو من الحكومة ببرامجها المختلفة.
وتشرف المقبل على مشروع يحمل اسم "فستان رهام" وهو مشروع متخصص في الخياطة وتطريز الملابس للأطفال، لكن ما هو مميز في هذا المشروع، اعتمادها في مواده الخام على بقايا الملابس والقماش التي تصنع منها منتجاتها.
الخبير في مجال التقنية والريادة وصفي الصفدي يرى أن الابتكار هو عامل مهم لنجاح الشركة الناشئة كونه يوفر خدمة أو منتجا يحل مشكلة في المجتمع أو الاقتصاد ويسد حاجة لدى الناس وبالتبعية يوفر عاملا محفزا للإقبال على هذه الخدمة أو المنتج.
وقال الصفدي: "الاقتصاد الأردني اليوم يوفر بيئة خصبة لنمو الأفكار الريادية، وقد شهدنا في العقد الأخير ولادة العديد من الشركات الناشئة المبتكرة لكن التحدي الأكبر الذي يواجه هذا القطاع لا يكمن في إطلاق المشاريع حتى لو كانت مبتكرة، بل في ضمان استمراريتها ونموها لتصبح شركات قوية تساهم بفعالية في الاقتصاد الوطني والفشل السريع للعديد من هذه الشركات لا يعود فقط لنقص الأفكار الجيدة، بل لغياب منظومة دعم متكاملة تركز على الاستدامة طويلة الأمد بعد فترة الانطلاق الأولية".
وأوضح الصفدي أنه حتى لو كانت فكرة الشركة الناشئة "مبتكرة" ولكنها لتحقيق الاستدامة تتطلب تجاوز مرحلة التمويل الأولي والتركيز على بناء نموذج عمل قوي وقابل للنمو، لافتا إلى انه يجب أن يكون التمويل مصحوبًا بإرشاد وخبرة عملية.
وأشار إلى أنه من المهم أن يركز الريادي على عامل الوصول الى السوق وهو العامل الأكثر أهمية إذ إن الشركة الناشئة تحتاج إلى أول عميل كبير أو شريك إستراتيجي يمنحها المصداقية والتدفق النقدي.
وقال الصفدي: "بدون فرص حقيقية لتطبيق منتجاتها أو خدماتها، ستبقى الفكرة مجرد نظرية".
وأكد الصفدي أن فكرة الشركة الناشئة سواء كانت عادية أو مبتكرة فهي بحاجة إلى بناء فريق عمل متكامل ومرن يمتلك مهارات متنوعة (تقنية، تسويقية، مالية) والقدرة على التكيف مع متغيرات السوق بسرعة، فضلا عن أهمية الإرشاد والتوجيه المستمر وربط رواد الأعمال بمرشدين من أصحاب الخبرة في نفس القطاع يساعدهم على تجنب الأخطاء الشائعة واتخاذ قرارات إستراتيجية أفضل.
ولفت إلى أهمية التحقق من جدوى المنتج في السوق قبل التوسع، يجب على الشركة التأكد من أن منتجها يحل مشكلة حقيقية لدى شريحة واضحة من العملاء المستعدين للدفع مقابل الحل
وأكد الصفدي أهمية دعم استمرارية الشركات الناشئة من قبل منظومة ريادة الأعمال في المملكة وذلك لتوفير فرص عمل نوعية، ودفع عجلة الابتكار، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي إذ إن الشركات الناشئة الناجحة تصبح شركات متوسطة ثم كبيرة، تساهم في زيادة الصادرات، وتدفع ضرائب، وتجذب استثمارات أجنبية، ما يسهم بالإجمال في تعزيز صورة الأردن كمركز إقليمي للريادة فنجاح الشركات المحلية يلهم المزيد من رواد الأعمال ويجذب المواهب ورؤوس الأموال من المنطقة والعالم.