توليد الصور بالذكاء الإصطناعي.. ثورة تقنية تثير مخاوف حول حقوق النشر
الغد- إبراهيم المبيضين
في ظل اجتياح ظاهرة "توليد الصور بالذكاء الاصطناعي" للعالم الرقمي وتحديدا انتشار نمط الرسوم المتحركة لاستوديو "غيبلي" الياباني، يؤكد خبراء أردنيون أن هذه الموجة من التقنية التي أثارتها شركة "اوبن اييه اي" خلال الأسبوعين الماضيين تستحق التوقف عندها كونها فتحت بابا واسعا للجدل والنقاش بين إيجابيات وسلبيات هذه "الثورة في صناعة المحتوى الرقمي".
ويوضح الخبراء أن هذه الظاهرة الجديدة التي ولدت نحو 700 مليون صورة من قبل مستخدمي برنامج الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" حول العالم، في ظرف أسبوعين فقط تثير تساؤلات حول حقوق النشر، خاصة عند استخدام الأنماط من دون تصريح.
وبينوا أن مثل هذه الميزة التي قدمها "تشات جي بي تي" بالمجان للمستخدمين، قد تحمل أهدافا تتعلق بجمع بيانات حساسة حول المستخدمين واستخدامها لأغراض تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي أو أي تقنيات أخرى من دون موافقة المستخدم، أو استغلالها لأغراض تجارية على غرار البيانات التي تجمعها منصات التواصل الاجتماعي وتستخدمها في مجال التسويق، فضلا عن مخاطر تخزينها على خوادم قد تكون عرضة للاختراق.
ودعا الخبراء، إلى ايجاد سياسات وقوانين لمراقبة الاستخدام وضمان بقائها ضمن الحدود الأخلاقية المقبولة.
في المقابل، ثمة من يرى أن إيجابيات هذه الظاهرة تخطت حدودا جديدة في سهولة الوصول والإبداع لأن الذكاء الاصطناعي يتيح للأشخاص العاديين إنشاء أعمال فنية جميلة من دون الحاجة إلى مهارات الرسم أو التصميم، وكذلك دعم صناع المحتوى، إذ يمكن أن يستخدم المبدعون الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى مرئي جذاب بسرعة، مما يفتح المجال لإبداعات جديدة.
وخلال فترة الأسبوعين الماضيين، وهي فترة انتشار تريند "غيبلي" في جميع انحاء العالم تداول ناشطون تصريحات سابقة لـ"اياو ميازاكي"، مؤسس استوديو "غيبلي"، حول رأيه في الذكاء الاصطناعي واستخدامه في حقل الفنون المختلفة، حيث قال: "هذا أمر مزعج للغاية، إذا أراد الناس أن يفعلوا شيئا سيئا إلى هذا الحد، فليفعلوا ذلك، ولكن لا أريد أن ترتبط هذه التقنية بعملي على الإطلاق أشعر أن هذه إهانة للحياة نفسها، دعونا نحافظ على جوهر الفن، على تلك اللمسة البشرية التي تعطيه قيمته ومعناه، ولا نسمح للتقنية أن تطمس ما يجعل الفن فنا حقا، رجاء توقفوا عن تشويه الفن بالذكاء الاصطناعي".
كيف بدأت القصة؟
بدأت القصة عندما أطلقت شركة "أوبن إييه أي" المالكة لمنصة الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي"، في 25 من الشهر الماضي، أحدث مولد صور لها من خلال تحديث لمنصتها "تشات جي بي تي" 40، يسمح للمستخدمين بإنشاء صور بأسلوب رسومات "غيبلي" اليابانية.
وبمجرد الإعلان عن التحديث وظهوره للمستخدمين على منصة "تشات جي بي تي" من الفئات المجانية والمميزة، حتى بدأت ظاهرة تحويل الصور إلى رسوم متحركة بأسلوب "غيبلي" تجتاح منصات التواصل الاجتماعي لتوليد صور رقمية وصور رسوم متحركة "إنيمي".
واستوديو "غيبلي" هو استوديو ياباني شهير متخصص في إنتاج أفلام "إنيمي"، ويتميز بتفاصيل دقيقة وألوان دافئة ورسوم متقنة.
الذكاء الاصطناعي والمحتوى المرئي
قال خبير استراتجيات الذكاء الاصطناعي والميتافيرس رامي الدماطي: "إن ظاهرة توليد الصور بالذكاء الاصطناعي هي ظاهرة جذبت اهتمام الملايين، وأظهرت الإمكانات الكبيرة للذكاء الاصطناعي في مجال الفن والمحتوى المرئي".
بيد أن الدماطي، أشار إلى أن هذه الظاهرة بما تعتمد عليه من تقنيات تحمل الأنماط والتأثيرات نفسها لدى ظهور أي توجه أو أي تقنية جديدة، فهناك السلبيات وهناك الإيجابيات.
الإيجابيات
واستعرض الدماطي أبرز إيجابيات هذه الظاهرة اليوم ومنها، سهولة الوصول والإبداع لأن الذكاء الاصطناعي يتيح للأشخاص العاديين إنشاء أعمال فنية جميلة من دون الحاجة إلى مهارات الرسم أو التصميم، مشيرا إلى إيجابية دعم صناع المحتوى، حيث يمكن أن يستخدم المبدعون الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى مرئي جذاب بسرعة، مما يفتح المجال لإبداعات جديدة.
وأكد أهمية الذكاء الاصطناعي لدفع الابتكار، لافتا إلى أن ما يحدث اليوم يمكن أن يكون بالفعل بداية ثورة في صناعة المحتوى الرقمي، ووسيلة لتطوير أدوات مساعدة للفنانين.
السلبيات
وأما بخصوص السلبيات، فقد قال الدماطي: "إن أبرزها يتمثل في مجال الملكية الفكرية، فاستخدام أساليب فنية مستوحاة من فنانين مثل "هاياو ميازاكي" مؤسس استوديو "غيبلي" الياباني، يثير تساؤلات حول حقوق النشر، خاصة عند استخدام الأنماط من دون تصريح".
وأشار الدماطي إلى مخاوف تتعلق بتهديد للمبدعين الذين يتملكهم قلق حقيقي من أن تقلل هذه التقنيات من قيمة أعمال الفنانين الحقيقيين الذين قضوا سنوات في صقل مهاراتهم.
وأكد سلبية سطحية المحتوى، لأن الاعتماد الزائد على الأدوات الجاهزة قد يؤدي إلى التقليد والتكرار في الأسلوب، من دون روح أو تفرد.
مرحلة فاصلة
وأكد الدماطي قائلا: "أعتقد أننا في مرحلة فاصلة، الذكاء الاصطناعي قد يفتح أبوابا جديدة للإبداع، ولكن يجب أن يستخدم بحذر وتوازن. لا بد من وضع ضوابط أخلاقية وقانونية لضمان حماية حقوق الفنانين، وتعزيز الإبداع بدل استبداله".
مخاوف قانونية
وضرب مثلا الانتشار العالمي المفاجئ لأدوات توليد الصور الأخيرة من شركة "اوبن اييه اي"، فله ردود فعل سلبية فقد أفادت التقارير، بأن الشركة الأميركية بدأت بتقييد طلبات الحصول على صور على غرار صور استوديو "غيبلي"؛ ما يشير إلى مخاوف قانونية محتملة.
وأضاف، "القضاء قد يجبر الشركة على دفع تعويض لأصحاب حقوق نشر عن بيانات التدريب الذكاء الاصطناعي، المحمي بحقوق الطبع والنشر".
بيد أن التقارير العالمية أشارت إلى أن "استوديو غيبلي"، لم يتحرك قانونيا لمقاضاة شركة "اوبن اييه اي" حتى الآن، لاستخدامها أنماط أعماله، فيما حاولت "اوبن اييه اي"، تهدئة المخاوف بشأن تأثير الذكاء الاصطناعى على الفن التقليدي، وقالت في بيان، إنها تدرك أن الناس سيستخدمون هذه الأدوات لإنشاء محتوى رائعا، لكنها تعمل على ضبط السياسات لمراقبة الاستخدام، وضمان بقائها ضمن الحدود الأخلاقية المقبولة.
الصور والبيانات عرضة للاستخدام
وأكد الخبير في مجال التقنية د. حمزة العكاليك أن هذه الظاهرة وما تخفيه ليس أمرا جديدا، فقد استخدمت منصات التواصل الاجتماعي المختلفة منذ انطلاقتها وتوسعها معلومات المستخدمين مجاناً، لتصبح أهم وأكبر مولد للأرباح.
ويرى العكاليك، أن صورنا ووجوهنا تباع وتستخدم لتوليد الإيرادات لهذه الشركات من خلال استغلال البيانات واستخدامها لتطوير تقنيات وخدمات جديدة أو للمتاجرة بها بأي شكل، لذا أطلق برنامج الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" هذه الميزة الأخيرة لتوليد الصور بالمجان، ورافق ذلك ترويجا لمؤثر بصري مستوحى من أسلوب "غيبلي" الشهير.
جمع البيانات
ويرى العكاليك، أنه قد تبدو هذه الظاهرة والخدمة مسلية وبريئة ومفيدة، لكنها قد تخفي وراءها أهدافا تتعلق بجمع بيانات حساسة، وهي صور عامة الناس التي تمثل كنز البيانات النظيفة الحصرية، لافتا إلى أن هناك العديد من الدوافع لتطوير مثل هذه التقنية ومن أهمها، بناء قاعدة بيانات ضخمة تستخدم لأغراض تجارية أو أمنية، تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي (مثل التعرف إلى الوجوه)، واستغلال البيانات لاحقًا في تحسين منتجات الشركة أو بيعها لأطراف أخرى.
دوافع تطوير التقنية
وعن دوافع تطوير مثل هذه الميزات والتقنيات من قبل شركات الذكاء الاصطناعي، قال العكاليك: "أهمها نقص الصور النظيفة والمرخصة لتدريب الأنظمة الذكية، وصعوبة الوصول إلى بيانات وجوه عالية الجودة بطريقة قانونية ومباشرة، وجذب المستخدمين عبر الترفيه والتقنيات المجانية".
الجانب القانوني
وعن الجوانب القانونية للموضوع بين العكاليك، أن بعض الدول مثل دول الاتحاد الأوروبي تحمي المستخدم عبر قوانين مثل قانون الاتحاد الأوروبي للبيانات الشخصية "جي دي بي ار" ، إلا أنه أشار في المقابل، إلى أن الشركة تستغل غياب هذه القوانين أو ضعف تطبيقها في دول أخرى، وكذلك تستغل موافقة المستخدم غير الواعية، حيث تستخدم كحماية قانونية للشركة.
وقال الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي: "إن تريند استوديو غيبلي، مثال حي على قوة الذكاء الاصطناعي في تحويل الفن إلى تجربة تفاعلية، ولكنه يطرح أيضا تساؤلات مهمة حول مستقبل الفن والإبداع في عصر التكنولوجيا".
وفي الأردن، أقرت الحكومة سابقا قانونا لحماية البيانات الشخصية وقانونا للجرائم الإلكترونية، وقوانين وسياسات واستراتيجيات تنظم العمل في قطاعات الذكاء الاصطناعي، الأمن السيراني والتقنيات المختلفة.
أسباب انتشار "التريند"
وقال الصفدي: "إن تريندات توليد الصور بالذكاء الاصطناعي هي ظاهرة مميزة كونها تجمع بين الفن والذكاء الاصطناعي، لتنتشر "كالنار في الهشيم" في العالم الرقمي"، لافتا إلى أنه تقف وراء انتشارها مجموعة من الأسباب النفسية والاجتماعية والتقنية.
وبين أن أهم أسباب انتشار "تريند" "غيبلي"، (الجمالية الفريدة)، إذ يتمتع أسلوب "غيبلي" بجاذبية خاصة، فهو يجمع بين البساطة والعمق، والتمثيل الشخصي للمستخدم، مما يعكس أفضل الصور لخياله وتصوره العقلي.
وأشار إلى أن من أسباب الانتشار (سهولة الوصول)، وبفضل تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان أي شخص تحويل صوره إلى أعمال فنية بأسلوب "غيبلي"، من دون الحاجة إلى أي مهارات فنية.
وقال الصفدي: "من أسباب الانتشار أيضا، (الحنين إلى الماضي)، حيث تثير أفلام "غيبلي" مشاعر الحنين إلى الطفولة والبراءة، وهو ما يتوق إليه الكثيرون في عالمنا الرقمي الصاخب، فلكل واحد منا ذكرياته الجميلة المتعلقة ببرامج الرسوم المتحركة، مما أتاح الفرصة للتعبير عن المشاعر من خلال غيبلي"، لافتا إلى أن من الاسباب أيضا (التفاعل الاجتماعي)، حيث يوفر هذا "التريند" فرصة للمستخدمين للتعبير عن إبداعهم والتفاعل مع الآخرين، ومشاركة صورهم المميزة على منصات التواصل الاجتماعي.
وأشار الصفدي إلى أنه قد يكون عامل (الرغبة في الهروب) في ظل الظروف الراهنة، دفعهم إلى وسيلة الهروب من الواقع والبحث عن ملاذ في عوالم خيالية، وهو ما يوفره لهم أسلوب "غيبلي"، مع تفضيل كبير من قبل الناس اليوم للمحتوى المرئي، وسعيهم لمشاركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة.
ويرى الصفدي، أن من أهم اسباب الانتشار ايضا، (تطور الذكاء الاصطناعي)، حيث شهدت الأشهر الأخيرة تطورًا ملحوظًا في قدرات الذكاء الاصطناعي على توليد الصور، مما جعل تحويل الصور إلى أعمال فنية أكثر سهولة وواقعية.
بيد أن الصفدي أشار إلى انتشار الذكاء الاصطناعي بهذا الشكل، يثير مخاوف تتعلق بالخصوصية وحقوق الملكية الفكرية، وإمكانية إساءة استخدام هذه التقنيات وتأثيراتها التي قد تكون سلبية على بعض المهن الابداعية مثل الفنون.