دراسات المستشارين ليست بديلا عن العطاءات الشفافة في مشاريع البنى التحتية.. فلنتعلم من أخطاء الماضي*جواد عباسي
الغد
في الأردن وبسبب وصول الدين العام إلى مستوى 45 مليار دينار وبنسبة 117 % من الناتج المحلي الإجمالي فإن قدرة الحكومة على الاقتراض لتمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة أضحت محدودة للغاية. ولهذا باتت الحكومات الأردنية المتعاقبة تعتمد على أسلوب الشراكة مع القطاع الخاص في تمويل مشاريع البنى التحتية الكبيرة. هذا يجعل كلفة مشاريع الشراكة أعلى من المشاريع الحكومية الصرفة والسبب وجود ربح القطاع الخاص والعائد المقبول على استثماره.
في القطاع الخاص كثيرا ما تستخدم الإدارات أسلوب التعاقد مع موردين معتمدين سابقين بدون اللجوء الى عطاءات شفافة مفتوحة لعدة أسباب منها وجود تاريخ قديم مع الموردين ومنها أيضا ان تكون الشركتان مملوكتين لنفس المالكين.
في بعض الأحيان ومع ضغوطات الحاجة الى الإسراع في التنفيذ قد يظهر خيار الاستغناء عن العطاء مناسبا للقطاع العام حيث تركز الحكومات عندها على الاستعانة بمستشارين ماليين وتقنيين لضمان القيمة الأمثل. ومشكلة هذا الخيار انه في كثير من الأحيان وربما في غالبيتها لا ينتج القيمة الأمثل والشواهد على ذلك كثيرة محليا وإقليميا وعالميا. وبعد عدة سنوات من بدء المشروع تبدأ الاتهامات والتشكيك استنادا الى النتائج الملموسة له.
هل نحتاج مثلا من يذكرنا بان مستشار الحكومة وهو البنك العالمي HSBC في خصخصة الفوسفات كان قد قيم سعر السهم باقل من ثلاثة دنانير وبنسبة خصم أكثر من 25 % من سعره في سوق عمان المالي آنذاك لتقوم الحكومة بإلغاء العطاء التنافسي وبيع الحصص تلزيما بأقل من 80 مليون دينار. وثبتت الحكومة بعدها رسم التعدين على دولارين للطن الواحد بغض النظر عن سعر بيع الطن. وبعد سنتين زاد سعر خام الفوسفات بسبعة أضعاف سعره في 2006 لتخسر الخزينة عوائد رسم تعدين بأكثر من كل المبلغ التي باعت حصص الشركة فيها. وليزيد سعر سهم الشركة حوالي 20 ضعفا فقط بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة عالميا! لو كان هناك عطاء تنافسي شفاف لربما كان المبلغ والشروط افضل بكثير خصوصا كون عدة شركات عالمية كانت قد أبدت اهتمامها في شراء الحصص وهي أدرى من أي بنك وـي حكومة في دورات أسعار الأسمدة والطلب العالمي.
في البرازيل مثال مهم آخر: في 2013 قيم مستشار الحكومة البرازيلية قيمة عطاء توسعة وتشغيل مطار ريو دي جانيرو بقيمة ملياري دولار تقريبا لكن العطاء المفتوح والشفاف أحيل على شركة دفعت ثمانية مليارات دولار (أي أربعة اضعاف تقييم المستشار) لانها وجدت في المشروع قيمة إستراتيجية ومصادر دخل اكثر مما توقع المستشار. لو لغت الحكومة البرازيلية العطاء ولزمت المشروع تلزيما لفات على الخزينة ستة مليارات دولار من العوائد.
كثير من مشاريع البنى التحتية عبر الشراكة بين القطاع الخاص والعام في العالم تفشل في تحقيق غاياتها بحيث يخسر المشروع والمستثمر او يربح ربحا فاحشا على حساب الحكومة والمواطنين او يتأخر او يقدم خدمة سيئة. وهنالك العديد من الدراسات الاكاديمية حول مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص في مواضيع البنى التحتية تؤكد ضرورة أن تلتزم هذه المشاريع بالتالي تخفيفا من احتماليات الفشل:
- مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص ليست بديلا عن القطاع العام الكفء والقادر. فإن كان القطاع الحكومي مترهلا وغير كفء أو فيه فساد سيظهر هذا حتما في تفاصيل العقود وتنفيذها. فالحكومة يبقى دورها أساسيا في الإشراف والتنظيم والتحصيل الضريبي.
- وجود المنافسة مهم في كل مراحل المشروع وأيضا ان أمكن ان تكون البنى التحتية الناتجة عن مشروع الشراكة أيضا خاضعة لقوى المنافسة بين عدة مزودين. وبالتالي أي مشروع فيه حصرية او احتكار ينبغي الحذر منه وتفصيل أي أسباب موجبة لهذا الاحتكار ودراستها.
- مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص يجب ان تتضمن مشاركة المخاطر المالية والعملياتية لا فقط مشاركة العوائد والارباح. بحيث يتم تصميم الحوافز اللازمة لضمان تلاقي المصالح بين الجهتين الحكومية والخاصة.
ما بين الحاجة إلى الشفافية والتنافس وضمان القيمة الفضلى للمواطن من خدمات مشاريع البنى التحتية أقترح التالي لمشروع الناقل الوطني للمياه ولمقترح الجسر العلوي بين صويلح ومرج الحمام.
البداية كما فعلت الحكومة للآن: دراسات هندسية ومالية مستفيضة وتقييم لقيمة المشروع ومدة التنفيذ والأسعار المتوقعة.
في الناقل الوطني للمياه ولأن طرحه كمشروع واحد لم يحصل إلا على اهتمام ائتلاف شركات واحد فقط فالأجدر فصله إلى مشروعين:
- مشروع تحلية المياه على ساحل البحر الأحمر: وهذا سيزيد حتما من عدد المتقدمين لأن تقنيات مشاريع التحلية متطورة ومتنوعة مع وجود العدد من الشركات العالمية في هذه التقنيات. ففي المغرب مثلا يكلف متر المياه المحلى بقرب الساحل أقل من 30 قرشا للمتر.
- ومشروع نقل المياه الى محافظات الأردن كافة من العقبة لإربد: وهذا سهل التنفيذ هندسيا لأنه عبارة عن مواسير كبيرة ومضخات فقط. وستجد العديد من الشركات المحلية والإقليمية المؤهلة لتنفيذه. والسؤال هنا هل يحتاج هذا لان يكون مشروع شراكة مع القطاع الخاص؟ ألا يمكن أن يكون مشروعا حكوميا خالصا تحت إدارة سلطة المياه وحماية نشامى الدرك؟ ويمول عبر اتفاقية قرض بين سلطة المياه والضمان الاجتماعي مثلا؟ او عبر سندات خاصة تصدرها سلطة المياه وبدون ضمانة حكومية. وإن كان لا خيار إلا أن يكون عبر شراكة قطاع خاص فلتكن أيضا بعطاء شفاف.
- لضمان الشفافية وتسهيل التمويل لما لا نفكر بإلزامية طرح 10 الى 30 % من شركة المشروع في سوق عمان المالي خصوصا وأن المشروع مضمون الأرباح تقريبا؟
- هذا ربما سيقلل كثيرا من كلفة المياه السنوية بحسب التوجه الحالي والتي نقدرها ما بين 400 و 500 مليون دينار سنويا لـ 300 مليون متر مكعب. وهذه الكلفة السنوية ستكون عبئا هائلا ومثبطة للنمو الاقتصادي لا محفزة له. فهل يعقل أن نمضي قدما بمشروع ستكلفنا مياهه اكثر من 1 % من الناتج المحلي الإجمالي سنويا!
في جسر صويلح مرج الحمام تصميم العطاء وطرحه على الشركات ذات الخبرة بإنشاء وتشغيل الطرق السريعة بحيث تشمل معايير الإحالة النقاط التالية:
- عدد سنوات تنفيذ المشروع (الأفضلية للأقل).
- عدد سنوات إدارة المشروع وتحصيل الرسوم لصالح الشركة الفائزة (الأفضلية للأقل).
- الرسوم المقترحة والتي سيدفعها السائقون لكافة سنوات تشغيل المشروع (الأفضلية للأقل).
- حصة الحكومة من أي إيرادات أخرى من المشروع (الأفضلية للأعلى).
حيث ربما يكون هناك إيرادات أخرى مثل لوحات إعلانية ومحلات بيع تجزئة وخدمات إضافية وغيرها.
- ولضمان الشفافية وتسهيل التمويل لما لا نفكر بإلزامية طرح 10 إلى 30 % من شركة المشروع في سوق عمان المالي؟
نعلم أن المساحة المالية للحكومة للمشاريع الكبيرة مقيدة كثيرا. ويهمنا ان يستقطب الأردن الحبيب استثمارات كبيرة في مشاريع بنى تحتية أساسية ومهمة. ونريدها ان تنجح وان تكون محفزة للنمو الاقتصادي ورفاه الأردنيين. لذلك نؤكد على الشفافية والمنافسة وعدم أخذ دراسات المستشارين وكأنها كلام مقدس لا يحتمل الأخطاء.