الدستور
تشهد السوق العقارية في الأردن ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار الشقق والأراضي، حتى أصبحت بعيدة تماماً عن قدرة المواطن الأردني، خصوصاً فئة الشباب الساعي إلى تأسيس أسرة وامتلاك مسكن. هذا الارتفاع المبالغ فيه لا يعكس التكاليف الحقيقية للبناء بقدر ما يُظهر جشعاً واضحاً من بعض التجار والسماسرة الذين استغلوا حاجة الناس، وحوّلوا قطاع العقار من خدمة اجتماعية إلى مشروع مضاربة هدفه الأول تحقيق أرباح سريعة ومبالغ فيها.
إن مشكلة الأسعار لم تعد مجرّد أزمة سوق، بل تحوّلت إلى ظاهرة تهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتحتاج إلى معالجة جذرية قبل أن تتفاقم أكثر.
أولًا: أسباب تضخّم الأسعار في السوق العقارية
1. جشع التجار والسماسرة
في غياب الرقابة الصارمة، وجد بعض التجار والسماسرة فرصة لتضخيم الأسعار بشكل غير منطقي، عبر شراء العقارات وإعادة بيعها بتكاليف مضاعفة دون قيمة حقيقية مضافة.
2. المضاربات على الأراضي
تحوّل الأراضي وقطع السكن إلى سلعة للمضاربة، ما أدى إلى ارتفاع غير مبرر في أسعارها، انعكس تلقائياً على الشقق السكنية.
3. ارتفاع كلف البناء
على الرغم من ارتفاع أسعار المواد وأجور العمالة، إلا أن هذه الزيادة لا تبرّر الفجوة الكبيرة بين الكلفة الحقيقية وسعر البيع النهائي.
4. ضعف التنظيم والرقابة
السوق العقارية بحاجة إلى تنظيم أوسع، خصوصاً فيما يتعلق بأجور السماسرة، وعدد الصفقات المسموح بها، والحد من البيع الوهمي الذي يرفع الأسعار.
5. غياب مشاريع الإسكان الميسّر
قلة المشاريع الحكومية أو المدعومة التي توفر شققاً بأسعار معتدلة جعلت المواطن تحت رحمة القطاع الخاص وحده.
ثانيًا: الآثار الاجتماعية والاقتصادية لارتفاع الأسعار
1. عزوف الشباب عن الزواج
فامتلاك شقة أصبح حلماً صعباً، ما يهدد الاستقرار الأسري والاجتماعي على المدى البعيد.
2. ركود السوق العقارية
ارتفاع الأسعار أدى إلى تراجع عمليات البيع والشراء، ما تسبب بتباطؤ واضح في قطاع الإنشاءات.
3. زيادة الفجوة الطبقية
حين يصبح السكن حكراً على طبقة معينة، فإن المجتمع يدخل مرحلة خطيرة من عدم التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
4. هجرة الاستثمارات الخارجية
فالسوق غير المستقرة وطغيان الأسعار الوهمية يبعدان المستثمر الحقيقي الذي يبحث عن بيئة مستقرة وواضحة.
ثالثًا: مقترحات للحل
1. وضع ضوابط للسعر العادل
من خلال تحديد سعر تقديري للمتر في كل منطقة، يُلزم به التجار والمستثمرون.
2. تنظيم عمل السماسرة
بفرض ترخيص مهني إلزامي، ووضع سقف لعمولة السمسار، ومحاسبة المخالفين بشكل واضح.
3. دعم مشاريع الإسكان المتوسط
وتقديم إعفاءات ضريبية للمطورين الذين يلتزمون ببناء شقق بأسعار مناسبة.
4. فرض رسوم على المضاربات العقارية
للحدّ من إعادة بيع العقار خلال فترة قصيرة بهدف رفع الأسعار فقط.
5. زيادة الوعي لدى المواطنين
ليصبح المستهلك أكثر وعياً بقيمة العقار، وأقل اندفاعاً وراء الأسعار الوهمية التي يتداولها البعض.
وعليه فإن استمرار المبالغة في أسعار العقارات في الأردن بات يشكّل عبئاً ثقيلاً على الأسر والشباب، ويهدّد تنافسية الاقتصاد المحلي. فالسكن ليس رفاهية، بل حق أساسي يجب أن تتضافر الجهود لضمانه للمواطن بسعر عادل ومعقول.
إن وضع حدّ لجشع بعض التجار والسماسرة، وتعزيز الرقابة على السوق، وتوسيع منظومة الإسكان الميسّر، كلها خطوات ضرورية لإعادة التوازن إلى هذا القطاع الحيوي وضمان مستقبل آمن ومستقر للأجيال القادمة.