الأزهار.. دعوات للموازنة بين الاستيراد والحماية
الغد-عبدالله الربيحات
في الوقت الذي يطالب فيه مزارعو أزهار القطف وزارة الزراعة بسياسة متوازنة، تسمح بالاستيراد في الفترات التي يقل فيها الإنتاج المحلي، مقابل فرض رسوم أو حصص موسمية لحماية المنتج المحلي، أكد خبراء أن الخلل لا يكمن في الاستيراد، بل في سياسات التطبيق.
وأشار الخبراء إلى أن آلية التطبيق يشوبها التراخي أحيانا؛ فالتصريح باستيراد مائة ألف وردة مثلا يجب أن يقتصر على هذا الرقم بالضبط، لا أن يتحول إلى أعداد مضاعفة نتيجة تدخلات أو علاقات شخصية تؤدي إلى تجاوز السقف المحدد.
ولفت هؤلاء في تصريحات منفصلة لـ"الغد" إلى أن قطاع أزهار القطف بحاجة أيضا إلى ابتكار وتنوع، عبر إدخال أصناف جديدة، وتطوير أساليب التعبئة والتغليف، والاستثمار في التسويق الإلكتروني الذي يتيح للمزارع الوصول مباشرة إلى المستهلك.
كما أن التعاون مع الجامعات ومراكز البحث لتطوير أصناف مقاومة للظروف المناخية الصعبة سيعزز تنافسية المنتج الأردني ويمنحه مكانة أفضل في الأسواق الإقليمية، بحسبهم.
الالتزام بالرزنامة وفي السياق قال المزارع في قطاع أزهار القطف ماهر سدر أبو ناصر إن قضية استيراد الأزهار في الأردن ليست جديدة، بل جرى نقاشها على مدى ما يقارب خمس سنوات، إلى أن تم الاتفاق مع وزير الزراعة على وضع رزنامة زراعية تحدد مواعيد السماح بالاستيراد أو وقفه، بهدف حماية المزارع المحلي وضمان عدم ارتفاع الأسعار على المستهلك.
وأضاف أبو ناصر لـ"الغد" أن وزير الزراعة شكّل لجنة مختصة تجتمع سنويا بالتنسيق مع جمعية أزهار القطف، بحيث تتم مناقشة حجم الكميات المسموح باستيرادها، وتوقيت فتح أو إغلاق السوق أمام الورود المستوردة.
وأكد أن جوهر المشكلة لا يكمن في القرار ذاته، إذ وُصف بأنه مدروس وجيد، بل في آلية التطبيق التي يشوبها التراخي أحيانا؛ فالتصريح باستيراد مائة ألف وردة يجب أن يعني مائة ألف بالضبط، لا أن يتحول إلى أعداد مضاعفة نتيجة تدخلات أو علاقات شخصية تؤدي إلى تجاوز السقف المحدد.
وأشار إلى أن بعض المستوردين يحصلون على تصاريح بكميات كبيرة ويطرحونها دفعة واحدة في السوق، ما يؤدي إلى إغراقه بالزهور، وإذا لم تُسوق هذه الكميات لأسباب تتعلق بالطلب أو الموسم، يلجأ المستورد إلى بيعها بأسعار متدنية جدا لتفادي خسارة كاملة، الأمر الذي ينعكس سلبا على المزارع المحلي الذي يجد نفسه مضطرا لبيع إنتاجه بأقل من تكلفة الإنتاج، خصوصا في فصل الشتاء حيث ترتفع تكاليف الزراعة بسبب التدفئة ومكافحة الأمراض وتغطية البيوت البلاستيكية.
وشدد أبو ناصر على أن المطلوب ليس تغيير الرزنامة الزراعية، بل ضبط التطبيق بدقة، بحيث تُحترم الأرقام والالتزامات دون تجاوزات، مبينا أن عدد المستوردين محدود، لا يتجاوز أربعة أو خمسة أسماء، معظمهم معروفون، غير أن بعضهم يضع الربح المادي في المقام الأول، فيسعى إلى تحقيق أكبر هامش ممكن حتى لو كان ذلك على حساب المزارع أو المستهلك، بينما هناك آخرون يلتزمون بحدود معقولة من الربح، مراعاة لظروف السوق وحفاظا على التوازن بين المنتج المحلي والمستورد.
تباين في السوق
من جهته، قال المزارع والمستثمر في قطاع زهور القطف المهندس منير هلسة، إن وزارة الزراعة تعتمد حاليا رزنامة زراعية تحدد فترات السماح بالاستيراد، بحيث يُفتح المجال لاستيراد الزهور في الفترات التي يتراجع فيها الإنتاج المحلي.
وأوضح هلسة أن الوزارة سمحت بالاستيراد مؤخرا دون تحديد الدول الموردة، الأمر الذي أدى إلى منافسة بين التجار والمستوردين، حيث يستورد بعضهم من دول أوروبية بأسعار مختلفة عن تلك المقبلة من الدول العربية المجاورة، ما خلق حالة من التباين في السوق.
وأضاف: "هذه المنافسة بين التجار هي مشكلة تخصهم، وليست مسؤولية الوزارة"، مبينا أن لدينا إنتاجا محليا وفق الرزنامة، لكن الأهم أن يتم الالتزام بالكميات المحددة في تصاريح الاستيراد.
وزاد: "فإذا مُنح التاجر تصريحا لاستيراد عشرة آلاف زهرة، لا يجوز أن يجلب عشرين أو خمسين ألفا، فهذا تجاوز غير مقبول، والمطلوب أن يلتزم كل مستورد بالكميات المقررة شهريا، بما يتناسب مع حاجة السوق."
وتابع: "سمعنا أن أمانة عمان تفكر بفرض شرط إنزال البضاعة في سوق الأمانة، وهذا أمر غير منطقي إطلاقا، فسواء نزلت البضاعة في سوق عين الباشا أو الزرقاء أو إربد أو عمان، فإن البلديات ستفرض رسوما إضافية، بينما المهم أن تصل البضاعة إلى السوق ضمن الكميات المسموح بها، وعندها تكون الأمور كلها على ما يرام."
وختم هلسة حديثه بالقول: "نحن كمزارعين نؤكد أن الالتزام بالرزنامة الزراعية هو الأساس، وأن ضبط الكميات المستوردة يحمي الإنتاج المحلي ويحقق التوازن في السوق."
تحدٍ وجودي
من جهته، بيّن الخبير الدولي بالأمن الغذائي د. فاضل الزعبي، أنه في الوقت الذي تتزين فيه الأسواق الأردنية بالزهور المستوردة من الخارج، يقف المزارع الأردني أمام تحدٍ وجودي قوامه: كيف يمكن لمنتجه المحلي أن يصمد أمام منافسة غير عادلة؟ فالأرقام الرسمية تكشف أن الأردن يستورد سنويا آلاف الأطنان من الزهور ونباتات الزينة، لتلبية الطلب المتزايد في المناسبات الاجتماعية والأعياد، لكن هذه الكميات المستوردة، التي تدخل بأسعار أقل أو بجودة مختلفة، تضعف قدرة المنتج المحلي على المنافسة، وتدفعه أحيانا إلى الانسحاب من السوق.
وأضاف لـ"الغد" إنه بحسب وزارة الزراعة، فإن القطاع الزراعي الأردني حقق نموا بنسبة 7 % عام 2024، إلا أن مساهمة قطاع الزهور ونباتات الزينة ما تزال محدودة بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي، من مياه وطاقة وأسمدة، إضافة إلى ضعف الدعم الحكومي، ومع ذلك، فإن هذا القطاع يشغل مئات الأسر الزراعية، ويشكل مصدر دخل مهم في مناطق الأغوار والسهول، حيث المناخ المعتدل يسمح بإنتاج أصناف متنوعة.
وأشار الزعبي إلى أن فتح الباب أمام الاستيراد دون تنظيم صارم يخلق آثارا سلبية متعددة؛ فهو أولا يضعف ثقة المزارع المحلي بجدوى الاستثمار، وثانيا يرسخ حالة من الاعتماد على الخارج لتلبية الطلب، وثالثا يؤدي إلى فقدان فرص عمل محلية مرتبطة بسلاسل إنتاج وتوزيع الزهور.
والأسوأ من ذلك، أن غياب سياسة واضحة يجعل السوق عرضة للفوضى، حيث تتراجع الأسعار بشكل يضر بالمزارع، بينما ترتفع التكلفة النهائية على المستهلك بسبب النقل والرسوم.
وقال إن الحكومة مطالبة اليوم بسياسة متوازنة، تسمح بالاستيراد في الفترات التي يقل فيها الإنتاج المحلي، وتفرض رسوما أو حصصا موسمية لحماية المنتج الأردني.
كما أن جمعية أزهار القطف ونباتات الزينة الأردنية عليها مسؤولية مضاعفة؛ فهي مطالبة بتقديم بيانات دقيقة عن حجم الإنتاج والفترات الحرجة، وإطلاق حملات توعية لتعزيز ثقة المستهلك الأردني بالمنتج المحلي، إضافة إلى فتح قنوات تصدير جديدة نحو الأسواق الخليجية التي تستورد سنويا ملايين الدولارات من الزهور، بحسبه.
وزاد أن القطاع بحاجة أيضا إلى ابتكار وتنوع، عبر إدخال أصناف جديدة، وتطوير أساليب التعبئة والتغليف، والاستثمار في التسويق الإلكتروني الذي يتيح للمزارع الوصول مباشرة إلى المستهلك، كما أن التعاون مع الجامعات ومراكز البحث لتطوير أصناف مقاومة للظروف المناخية الصعبة سيعزز تنافسية المنتج الأردني ويمنحه مكانة أفضل في الأسواق الإقليمية.
ملف اقتصادي واجتماعي
وقال الزعبي إن تنظيم استيراد الزهور ونباتات الزينة ليس قضية ثانوية، بل هو ملف اقتصادي واجتماعي يرتبط بحماية الإنتاج المحلي، وتوفير فرص عمل، وتعزيز ثقة المستهلك، مبينا أن الأرقام تؤكد أن القطاع الزراعي الأردني ينمو، لكن من دون حماية المنتج المحلي من المنافسة غير العادلة، سيظل هذا النمو هشا، مبينا أن المطلوب اليوم هو قرار سياسي جريء، يوازن بين الانفتاح على العالم وحماية المزارع الأردني، ويعيد لهذا القطاع مكانته الطبيعية كرافعة اقتصادية وجمالية في آن واحد.
الزهور الأردنية في المقدمة
"الغد" بدورها حاولت الاتصال بشكل متكرر مع مساعد الأمين العام للتسويق في وزارة الزراعة، المهندس خليل عمرو، للحصول على تعليق أو رد، لكن لم يتسن لها ذلك.
يذكر أن قطاع الزهور "يُعد قطاعا حيويا إذ تتصدر زراعة الزهور مكانة هامة في الاقتصاد مع تزايد الطلب عليها، حيث إن للزهور الأردنية أسواقا مهمة، مع وصول حجم الإنتاج إلى أكثر من 70 مليون زهرة سنويا"، بحسب إحصائيات وزارة الزراعة.
ويغطي الإنتاج المحلي احتياجات السوق المحلي خاصة من أزهار القطف، وهناك فائض في الإنتاج عن حاجة السوق، حيث يعتبر الأردن من أهم الدول المنتجة للزهور خاصة مع وجود مزارع متطورة في مختلف مناطق المملكة.
ويتمثل دور وزارة الزراعة في تنظيم عملية ترخيص المنشآت الزراعية في المملكة من خلال شعبة المشاتل ومديريات الزراعة الموزعة في كافة محافظات المملكة، حيث إن المشاتل المرخصة في المملكة تُقسَّم إلى ثلاثة أنواع: مشاتل الإنتاج، والتربية، ومشاتل الخضراوات، بالإضافة إلى المعارض الزراعية ومحلات بيع نباتات الزينة وتقاويها ومحلات تنسيق الأزهار.
يشار إلى أن عدد المشاتل المرخصة في المملكة يبلغ 361، والمعارض 144، ومحلات الأزهار 271 محلا، فيما تبلغ عدد البيوت الزراعية المتخصصة بالزهور ما يقارب 2500، وعدد المزارعين في هذا المجال ما يقارب 70 مزارعا يركزون على زراعة الورد، وعباد الشمس وعصفور الجنة والفريزيا والقرنفل والكزبلانكا والليليوم وماريوسف ومنتور واستر صيني ومونتي وستر ماريا والكريز وغيرها.