أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    14-Feb-2017

المقاطعة كبديل عن«الشارع»..!*حسين الرواشدة

الدستور-كان النزول الى الشارع للاحتجاج في السنوات الماضية هاجساً مقلقاً للحكومات عند اتخاذ أي قرار غير شعبي، الآن تغيرت الصورة، فمنذ عامين اختفت هذه الظاهرة نسبياً، وباستثناء بعض الاعتصامات المطالبية المؤقتة والصغيرة، لم يشهد بلدنا احتجاجات جماهيرية كتلك التي كانت تجوب الشوارع في موعدها المحدد بعد صلاة كل يوم جمعة.
ما حدث كان مفهوماً لثلاثة اعتبارات على الأقل، الأول هو ان موجة الربيع العربي التي انطلقت من تونس 2011 انتهت تقريباً او أنها – على الاصح-اصطدمت بصخور حطمتها او حولتها عن مسارها المأمول، صحيح ان تداعياتها ناهيك عن أسبابها لم تنته، وان تجددها ما زال متوقعاً، لكن الصحيح هو ان القوى المضادة لها ألحقت بها الهزيمة وولدت لدى القائمين عليها والمتعاطفين معها المزيد من الإحساس بالإحباط والخيبة.
اما الاعتبار الثاني فهو ان هذه الاحتجاجات (خاصة في بلدنا) استنفدت أغراضها قبل ان تضع احمالها، لا أقلل هنا من قيمتها او من جهود المشاركين فيها، ولكنني سبق ودعوت في هذه الزاوية آنذاك الى وقفها وتحملت من اجل ذلك ردوداً غاضبة وصلت الى حد الدعوة لإخراجي من الملة الوطنية.
آنذاك، قلت ان الحراكات في الشارع لم تستنفد اغراضها فقط، ولكنها  فقدت مشروعيتها وأصبحت جزءاً من المشكلة، خاصة بعد ان جرى توظيفها من قبل البعض لإبقاء الوضع على ما هو عليه، وربما استخدامها لاحقا كفزاعة للاستدارة عن الإصلاح وتخويف الناس فيها، ثم دعوت الى البحث عن طريق ثالث، وتمكين المجتمع من اختيار هدا الطريق بنفسه.
يبقى الاعتبار الثالث وهو ان تجربة المجتمع وأثر التجارب التي تابع فصولها في المحيط العربي ولّدت لديه قناعة مفادها ان أفضل وصفة للفوضى والصدام هي الاحتجاج في الشارع، وان المسألة لم تعد تقتصر فقط على انتزاع ما يطالبه  الناس من حقوق وانما قد تتجاوزها الى “هدم” كل شيء وضياع الحقوق كلها، وبالتالي فإن خيار “الانكفاء” والعودة من الشارع كان من اجل الدفاع عن الوجود حتى لو كان الثمن التنازل عن الحقوق والمطالب.
إذا اتفقنا على مثل هذا التشخيص السريع فإنه يمكن ان نفهم حالة “السكون “والجمود التي اتسم والتزم بها المجتمع في المرحلة السابقة، حيث انطفأ لدى البعض الامل بالتغيير، واستقال البعض الاخر من ممارسة السياسة والعمل العام، وانصرف آخرون الى مباشرة أعمالهم ومصالحهم الخاصة، فيما احست أطراف كانت ضد حركة الشارع، انها انتصرت في هذه الجولة، وبالتالي انتعش سوق “المقررات” الجاهزة بالنسبة للحكومات التي استشعرت بحالة من الاسترخاء وانكفأت على نفسها، كما فعل المجتمع ايضاً.
مع بداية هذا العام يبدو ان الصورة بدأت تتغير، فقد تزامنت القرارات الاقتصادية التي اشهرتها الحكومة مع محاولات لكسر حالة “السكون” والخروج من دائرة الفرجة، تمثلت في البداية مع دعوات لمقاطعة شراء بعض السلع التي ارتفعت أسعارها بشكل مفاجئ وغير طبيعي، ثم تدحرجت دعوات المقاطعة بشكل أكثر اندفاعاً لتشمل القطاعات التي تعرضت لموجة من الضرائب وارتفاع الأسعار كالاتصالات والمحروقات.
لا اعرف بالضبط هل نجحت هذه المبادرات التي يقف وراءها شباب على منصات الشبكات الالكترونية ام لا، فليس لدينا معايير واضحة لقياس أثرها ونتائجها، لكن المؤكد انها أنجزت على أكثر من صعيد، منها انها استطاعت ان تعيد للمجتمع صوته وحيويته بعد ان كدنا نستسلم لمقولة “ موت المجتمع “ كما انها استطاعت ان تعيد للسياسة بعض ما افتقدته من طاقة، وان تؤسس لثقافة عامة ضد الاستهلاك بلا حدود، وضد القبول بلا اعتراض.
لكن الأهم من ذلك انها طرحت سؤالين اثنين كرد على المقررات الاقتصادية الأخيرة، الأول يتعلق بالقدرة والآخر يتعلق بالرغبة، اما القدرة فهي ان الحكومات غالباً ما تراهن عند فرض الضرائب على ان لدى الناس ما يكفي من الأموال لكي يدفعوا، وبالتالي فإنها تستسهل اصدار مثل هذه المقررات، وتتوقع ان تجبي المزيد للخزينة، المقاطعة ردّت على هذا السؤال بوضوح كما ردت أيضا على سؤال الرغبة الذي كان البعض يراهن على ان المجتمع ما زال يفتقدها (الرغبة) في العزوف بإرادته عن الدفع والشراء حتى كان قادراً عليها، خاصة اذا ما تعلق الامر بالمواد التي تصاعدت أسعارها بشكل غير مبرر.
بصيغة أخرى طرحت المقاطعة السؤالين بشكل آخر: الأول من اين ندفع ونحن لا نملك ما ندفعه، والآخر كيف ندفع ونحن نرفض هذه المقررات، اما الإجابات فاعتقد انه من المبكر ان نسمعها، لا من الحكومة ولا من المجتمع ايضاً.