أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    15-Nov-2025

هيمنة الدولار على المحك: هل تنجو العملة الأميركية من تخبط سياسات إدارة ترامب؟

  الغد

لايل براينارد* - (فورين أفيرز) عدد نوفمبر/ ديسمبر 2025
سياسات إدارة ترامب التي تقوض استقلال المؤسسات المالية وتزعزع الثقة بالتزامات واشنطن الدولية تهدد استقرار الدولار الأميركي وتضع امتيازه العالمي في خطر، ما قد يرفع كلفة الدين ويضعف قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على نفوذها الاقتصادي.
 
 
يهيمن الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي منذ أكثر من سبعة عقود من الزمن. وتُجرى نحو 90 في المائة من معاملات الصرف الأجنبي اليوم بالدولار. وتُسعَّر النسبة الساحقة من التجارة الدولية -بما في ذلك 74 في المائة من التبادلات في آسيا و96 في المائة في الأميركتين- بالدولار الأميركي. كما يشكل الدولار 58 في المائة من احتياطيات المصارف المركزية الواقعة خارج الولايات المتحدة. وتُظهر البيانات أن الأفراد والمؤسسات حول العالم يفضلون الأصول المقومة بالدولار أكثر من غيرها بكثير.
تمنح هيمنة الدولار الولايات المتحدة مزايا كبيرة. فهي تقلل من تقلبات الأسعار في التجارة الخارجية الأميركية، وتمكن واشنطن من الاقتراض على نطاق واسع وبتكلفة منخفضة نسبياً، وتمنح الحكومة الأميركية أدوات قوية تستطيع من خلالها فرض عقوبات على خصومها. ويوضح الاقتصادي البارز كينيث روغوف في كتابه الجديد الممتع للغاية "دولارنا نحن، مشكلتكم أنتم" Our Dollar, Your Problem، أن الإطاحة بعملة مهيمنة هو أمر بالغ الصعوبة. فالعادات المالية الراسخة، إلى جانب قوة المؤسسات السياسية والمالية الأميركية، هما عنصرا قوة تبقي الدولار في القمة. وعلى الرغم من أن دولاً كثيرة ضاقت ذرعاً بنظام الدولار، فإن أياً منها لم تقدم بديلاً قادراً على تجاوز مزايا الوضع القائم للدولار. لكن روغوف يحذر في الوقت نفسه من أن هيمنة الدولار ربما بلغت ذروة تسبق انحسارها، ما يتطلب من الولايات المتحدة أن تصوغ سياساتها بحذر إذا ما أرادت الحفاظ على امتيازها هذا.
اتبعت الإدارات الأميركية المتعاقبة سياسات دعمت هيمنة الدولار -أو على الأقل لم تُضعفها. وقد احترمت استقلال "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" والتزامات الولايات المتحدة الدولية، بما في ذلك دورها كحارس للنظام المالي العالمي. غير أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تستهدف اليوم الأسس المؤسسية التي تقوم عليها مكانة الدولار. وهي تتجاوز حدود السلطة التنفيذية من دون أن تواجه اعتراضاً يُذكر. وتحاول إضعاف استقلالية سلطة "مجلس الاحتياطي الفيدرالي" في مجال وضع السياسة النقدية واستقلالية الوكالات الإحصائية الحكومية الرسمية. كما تضع التزامات الولايات المتحدة تجاه حلفائها وشركائها في دائرة الشك.
تتخذ إدارة ترامب هذه الخطوات في وقت تعتمد فيه سياسات تستند استدامتها إلى بقاء امتياز الدولار، ولا سيما مشروع قانون الإنفاق الضخم الذي وقعه الرئيس في تموز (يوليو)، وهو تشريع من المتوقع أن يرفع الدين القومي الأميركي إلى مستويات فلكية خلال العقد المقبل من الزمن. وإذا تراجعت هيمنة الدولار، ستتراجع معها قدرة واشنطن على الاقتراض، وسترتفع تكلفة خدمة دينها. وإذا تزامن ارتفاع مدفوعات الفائدة على الدين الفيدرالي مع تراجع قيمة الدولار، قد تجد الحكومة الأميركية خياراتها على صعيد المالية العامة مقيدة بطريقة تلحق أضراراً دائمة بالاقتصاد.
هل القمة مأمونة؟
يتيح استخدام الدولار للدول الأجنبية إجراء معاملاتها التجارية حول العالم من دون الحاجة إلى الاحتفاظ بأرصدة مؤلفة من عملات متعددة -وهذه سهولة تعزز مكانة الدولار، تماماً مثلما تجعل سهولة استخدام اللغة الإنجليزية منها لغة التواصل العالمية السائدة. أما الابتعاد عن الدولار فيترافق مع تكاليف كبيرة، إذ يتطلب من الدول الاحتفاظ بأرصدة تتضمن عدداً كبيراً من العملات وإدارة لأخطار تقلب أسعار كل من هذه العملات.
مع ذلك، استهدفت دول حليفة وعدوة للولايات المتحدة مكانة الدولار. غير أن أياً من عملات تلك الدول لم يمتلك المقومات اللازمة ليصبح مهيمناً، وفق روغوف.
منذ نشوء منطقة اليورو في العام 1999، انخفضت حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي من 71 إلى 58 في المائة، بينما احتفظ اليورو بالمركز الثاني بنسبة 20 في المائة. ومع ذلك، يرى روغوف، محقاً، أن من الصعب على اليورو إزاحة الدولار ما لم يقتنع المستثمرون الأجانب بأن أسواق الدين الرسمية المقومة باليورو توفر سيولة كافية، وهو تطور يتطلب تحققه تجاوز القيود السياسية والمؤسسية التي تمنع إصدار ديون أكبر حجماً تتمتع بضمانات الدول الأوروبية مجتمعة.
أما الصين وروسيا فتبديان حماسة أكبر للبحث عن بدائل للدولار بعدما ازدادت فاعلية الولايات المتحدة وحلفائها في فرض العقوبات باستخدام النظام المالي المعتمد على الدولار. بعد غزو روسيا لأوكرانيا في العام 2022، مثلاً، حدّت واشنطن وحلفاؤها من وصول المصارف الروسية إلى أنظمة الدفع الدولية، وفرضت سقفاً لسعر النفط الروسي، وجمدت أصولاً سيادية روسية في الخارج. ومن جهة أخرى، تعمل الصين، بهدف تقليل تعرضها للأخطار، مع دول شريكة، من بينها البرازيل والهند وروسيا، لتطوير نظام دفع بديل يستخدم عملتها الرينمنبي (الاسم الرسمي للعملة الصينية، ويعني حرفياً "عملة الشعب")، وكذلك تتعاون مع دول أخرى لوضع معايير للتعاملات الرقمية العابرة للحدود، مستفيدة من غياب الولايات المتحدة عن هذا المجال.
لكنّ روغوف يلاحظ أن هذه الجهود لن تنجح في تدويل الرينمنبي أو في إزاحة الأنظمة المستندة إلى الدولار ما لم تقم الصين بإجراء إصلاحات جوهرية. ولن تتمكن بكين من كسب ثقة المستثمرين الأجانب إلا إذا حررت أسواقها المالية، ووسعت أسواق سنداتها المسعرة بالرينمنبي وقللت من تقلب أسعارها، بحيث يطمئن المستثمرون إلى قدرتهم على تصفية أصولهم كلما احتاجوا إلى سيولة.
مزايا صافية
في ستينيات القرن العشرين، استنكر فاليري جيسكار ديستان -الذي أصبح لاحقاً رئيساً لفرنسا- الوضع المميز للدولار والمزايا التي يجنيها الأميركيون منه، واصفاً ذلك بأنه "امتياز مفرط". ويتناول روغوف هذه المزايا والأعباء المرافقة لها بموضوعية. بما أن الولايات المتحدة تستطيع الاقتراض من الأجانب والتسديد لهم بعملتها الخاصة، تتحمل أطراف غير أميركية أخطار تقلبات سعر الصرف. وهذا يعني عملياً تقلباً محدوداً لأسعار كثير من الواردات والصادرات الأميركية. وبما أن الولايات المتحدة هي الدولة المصدّرة للعملة المهيمنة في نظام المدفوعات الدولية الرسمي، فإنها تتمتع بقدرة واسعة على مراقبة المعاملات العابرة للحدود وبوسائل قوية لفرض العقوبات التي تعرقل تلك التدفقات. كما تمتلك واشنطن نفوذاً كبيراً في وضع قواعد النظام المالي الدولي، بما أنها العضو الوحيد الذي يمتلك قوة تصويتية كافية لاستخدام حق النقض (الفيتو) على قرارات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
كما تمكّن هيمنة الدولار الولايات المتحدة من الاقتراض على نطاق واسع في مقابل معدلات فائدة تقل بكثير عن تلك التي تضطر إلى تحملها معظم الدول الأخرى -وهذه ميزة بالغة الأهمية اليوم في ظل ارتفاع حجم الدين الأميركي وتزايده. وقد أمكن لواشنطن أن تقترض بتكلفة منخفضة لأن المستثمرين الأجانب يقبلون عوائد أقل مقابل الأمان والسهولة التي توفرها سندات الخزانة الأميركية. ذلك أن هذه السندات تعد أصولاً آمنة وقابلة جداً للتسييل يمكن الاعتماد عليها في أوقات الأزمات المالية، ناهيك عن أنها تشكل الضمانة الرئيسة في كثير من المعاملات الدولية. ويبرز روغوف تقديرات حديثة تفيد بأن الحكومة الأميركية توفر نحو 140 مليار دولار سنوياً في تكلفة خدمة الدين الخارجي نتيجة انخفاض معدلات الفائدة المحددة، وقد تصل هذه الوفورات إلى 600 مليار دولار سنوياً إذا شمل الاحتساب الديون المحلية.
في العادة، تعني سمعة الدولار بوصفه "ملاذاً آمناً" أن الطلب عليه يزداد في أوقات الاضطراب المالي. وهذا ما يتيح للولايات المتحدة الاقتراض بكثرة حتى أثناء الأزمات الاقتصادية. وبفضل ذلك، تمكنت الحكومة الأميركية خلال الأزمة المالية العالمية العام 2008 وأزمة جائحة "كوفيد-19" في العام 2020، من التخفيف من آثار الصدمات الاقتصادية في الشركات والعاملين والأسر وضمان تعافٍ أسرع مقارنة بدول أخرى.
ومع ذلك، لا تخلو هيمنة الدولار من سلبيات للولايات المتحدة. يشير روغوف إلى أن الدول التي امتلكت عملات مهيمنة كانت تاريخياً قوى عسكرية كبرى أيضاً، والهيمنة العسكرية مكلفة جداً. كذلك يرى أن المبادلة المؤقتة للعملات التي يجريها مجلس الاحتياطي الفيدرالي مع بعض المصارف المركزية الكبرى أثناء الأزمات تمثل عبئاً على الولايات المتحدة. لكن هذه الممارسة ليست في الحقيقة التزاماً مفروضاً بسبب هيمنة الدولار؛ بل هي خدمة اختيارية يوفرها مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وقد أثبتت تجربة هذه الممارسة على ندرة حدوثها، كما في الأزمة المالية للعام 2008 وبداية الجائحة، أن هذه المبادلات عززت الاستقرار المالي الأميركي من دون ترتيب تكلفة فعلية.
لكن العبء السياسي الأبرز يتمثل في تضرر قطاع التصنيع والعمالة الأميركيين في فترات قوة الدولار المفرطة. مثلاً، بين العام 2000، أي قبل عام من انضمام الصين إلى "منظمة التجارة العالمية"، والعام 2005، لم تسمح بكين لقيمة الرينمنبي بالارتفاع أمام الدولار على الرغم من ازدياد صادراتها إلى الولايات المتحدة ثلاث مرات. وأدت هذه الممارسات إلى فقدان وظائف وتراجع التصنيع في بلدات صناعية أميركية عديدة. لكن السبب لم يكن هيمنة الدولار بحد ذاتها، بل السياسات الصناعية والتجارية الصينية وتدخل بكين في سعر الصرف، إلى جانب فشل المسؤولين الأميركيين في التصدي لتلك الممارسات الصينية بفاعلية.
تصدع الأساسات
في المجمل، يستفيد الأميركيون من استمرار هيمنة الدولار منذ سبعين سنة. وتعتمد ديمومة هذه الهيمنة على بقاء الأصول المقومة بالدولار جذابة للمستثمرين الأجانب. وهذا يستند، وفق روغوف، إلى قوة المؤسسات والأعراف الأميركية: استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وسيادة القانون، وسجل موثوق على صعيد الالتزامات الدولية. وتوفر المؤسسات الأميركية حماية من ارتفاع معدل التضخم الذي قد يضعف من قيمة الأصول المالية، وتصون حقوق الدائنين، وتضمن الوصول إلى الأسواق المالية، وتحافظ على الجدارة الائتمانية الأميركية العالية. هذه الأسس تصون مكانة الدولار على الرغم من تقلب السياسات الأميركية وظهور عملات أجنبية منافسة.
لكن التوقعات باستمرار هيمنة الدولار تستند إلى متانة تلك المؤسسات. والمشكلة أن روغوف ينهي كتابه عند الانتخابات الرئاسية التي أجريت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، وبذلك لا يتناول الكتاب الخطوات التي يتخذها ترامب في ولايته الثانية والتي قد تقوض تلك الأسس.
من جهة، ترفع الإدارة الحالية الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية إلى مستويات لم تسجل منذ صدور "قانون سموت-هاولي" في العام 1930، ربما بهدف تعويض بعض خسائر الإيرادات الضريبية الناجمة عن مشروع قانون الإنفاق الضخم المقر في تموز (يوليو). ويعِد وزير الخزانة الأميركية، سكوت بيسنت، بتحصيل "مئات عدة من مليارات الدولارات سنوياً، ما سيقلل الحاجة إلى إصدار مزيد من السندات". وحتى اليوم، يبلغ متوسط الرسوم الفعلي نحو 17 في المائة لكل دولة، أي ما يعادل زيادة تقارب ثمانية أضعاف مقارنة بالعام الماضي. ولم تسلم حتى الدول الحليفة من الإجراء، إذ فرضت رسوم بنسبة عشرة في المائة على المملكة المتحدة، مثلاً، على الرغم من أن الولايات المتحدة تسجل فائضاً تجارياً معها.
تتجاهل إجراءات الإدارة الأحادية هذه صلاحية الكونغرس الدستورية في تحديد الرسوم الجمركية. وبالفعل، تعتبر محكمة استئناف فيدرالية أن رسوم ترامب الشاملة تتجاوز حدود سلطته التنفيذية بموجب "قانون السلطات الاقتصادية الطارئة" الصادر في العام 1977. وبينما تفرض الرسوم من دون مراعاة للاتفاقيات التجارية القائمة بين الولايات المتحدة والدول الأخرى، تقوض الإجراءات الثقة في التزامات واشنطن الاقتصادية الدولية -وهي عنصر أساسي من عناصر الإيمان بنظام الدولار.
علاوة على ذلك، تضع إدارة ترامب مراراً استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي في تحديد السياسة النقدية موضع الشك. ولكي يظل المستثمرون الأجانب راغبين في شراء سندات الخزانة الأميركية منخفضة العوائد، يجب أن يثقوا بأن الولايات المتحدة لن تلجأ إلى تعزيز التضخم لتقليص ديونها. ويشكل استقلال المصرف المركزي الضمانة لتلك الثقة. ويؤكد روغوف، مستنداً إلى بحوث رائدة أجراها بنفسه، أن سندات الخزانة الأميركية تعد أصولاً آمنة لأسباب منها أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يحافظ على استقلاله السياسي وينجح في إبقاء معدل التضخم منخفضاً ومستقراً منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين.
وضع خطر ارتفاع التضخم والبطالة الناتج من الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب لجنة السياسات النقدية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب. وقد انتقد الرئيس المجلس لعدم خفضه أسعار الفائدة بالسرعة الكافية، وهدد بإقالة رئيسه، بل أقال أحد أعضائه من دون اتباع الإجراءات القانونية، على الرغم من أن محكمة محلية ومحكمة استئناف فيدرالية أوقفتا القرار. كذلك عيّن عضواً جديداً في المجلس يشغل في الوقت نفسه منصباً في طاقم البيت الأبيض، بإجازة مؤقتة، في سابقة لم تحدث من قبل. وتمثل هذه التصرفات مجتمعة هجوماً غير مسبوق على استقلالية المؤسسة.
أوضح ترامب أنه يرى ضرورة لأن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لتقليل مدفوعات الفائدة على الدين العام (الذي سيرتفع بموجب مشروع قانون الإنفاق الذي أقره في تموز/ يوليو)، مدعياً أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، يمكن أن يحقق "وفراً يقارب تريليون دولار بمجرد توقيع واحد". لكن لو اعتقد المستثمرون أن الاحتياطي الفيدرالي سيعطي أولوية لإدارة الدين على حساب مهمته القانونية في مكافحة التضخم، فسوف يطالبون بعوائد أعلى على سندات الخزانة تعويضاً عن توقعاتهم بارتفاع التضخم، ما سيؤدي إلى زيادة مدفوعات الفائدة الفيدرالية بدلاً من خفضها.
وبالمثل، بعد أن أصدر مكتب إحصاءات العمل تقرير التوظيف لشهر تموز (يوليو) الذي أظهر ضعفاً في نمو الوظائف، أقال ترامب رئيس المكتب الذي صادق عليه مجلس الشيوخ. وتهدد مثل هذه الأفعال استقلالية المؤسسات الإحصائية الرسمية ونزاهة البيانات التي تصدرها. وتعتمد ثقة المستثمرين بقوة الدولار وأمانه بدورها على ثقتهم بجودة الإحصاءات الحكومية الأميركية التي تستخدم لتقييم حالة الاقتصاد والنظام المالي في الولايات المتحدة.
مجازفة خطيرة
المقلق أن ذلك كله يحدث بينما سيضيف القانون الجديد الذي أعدته الإدارة أكثر من أربعة تريليونات دولار إلى الدين الأميركي خلال عقد واحد من الزمن، في وقت يبلغ الدين فيه نحو 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وتتصاعد تكلفة خدمته سنوياً. ومع ازدياد الاقتراض، وفق خطط إدارة ترامب، يهدد استهداف الإدارة أسس هيمنة الدولار بتقويض المزايا التي توفرها الثقة العالمية بسندات الخزانة الأميركية، بما في ذلك وفورات تتجاوز تريليون دولار في مدفوعات الفائدة خلال عشر سنوات.
في البداية، تفاعلت الأسواق المالية بحدة مع تحركات الإدارة العدوانية وغير المعتادة على صعيد رفع الرسوم الجمركية أو تهديد استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي: ارتفعت عوائد السندات البعيدة الأجل -ما زاد تكلفة الاقتراض على الحكومة الأميركية- وتراجع الدولار.
وفي الرد على ذلك، سارعت الإدارة إلى التهدئة. في التاسع من نيسان (أبريل)، أي بعد أسبوع من إعلان "يوم التحرير" الذي شمل إطلاق ترامب رسوماً جمركية شاملة وتسبب بهبوط الأسهم والدولار، أوقف الرئيس العمل بالرسوم مؤقتاً لتسعين يوماً. ثم كتب ترامب على وسائل التواصل في 17 نيسان (أبريل) أن "إقالة باول يجب أن تحصل بسرعة كافية"! وبعد تصريح مدير المجلس الاقتصادي القومي، كيفن هاسيت، عن البحث في خيارات للقيام بذلك، تراجعت الأسواق مجدداً. وما لبث ترامب أن أعلن عن تحول جديد في 22 نسيان (أبريل)، وقال إنه "لا نية لإقالة" باول.
مع ذلك، ليس تعويل واشنطن على ضعف بدائل الدولار باعتباره أمراً كافياً يمكنها من انتهاك الأعراف والالتزامات من دون ثمن سوى رهان خطير. حتى لو لم تتوافر عملة واحدة قادرة تماماً على الحلول محل الدولار، يبقى خطر تراجع مكانته المركزية قائماً. وتتراجع بالفعل حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية أكثر من عشر نقاط مئوية منذ العام 2000، فيما تتطور الابتكارات المالية بسرعة وتعمل الدول المنافسة على بناء بدائل لأنظمة الدفع المستندة إلى الدولار.
الآن، تصبح مبررات الحفاظ على امتياز الدولار أقوى من أي وقت مضى، حيث تجعل حالات العجز المتزايدة من الضروري إبقاء تكلفة خدمة الدين منخفضة. كما تتطلب استراتيجية واشنطن في استخدام فرض العقوبات على خصومها لخدمة مصالحها الأمنية استمرار امتلاكها الأدوات المالية التي يوفرها موقع الدولار. ولكن إذا واصلت الإدارة الحالية تقويض استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي والوكالات الإحصائية الرسمية، وواصلت زعزعة مصداقية التزامات الولايات المتحدة الدولية، فقد تضعف هيمنة الدولار التي تعتمد عليها السياسات الداخلية والخارجية الأميركية على حد سواء. إن الدولار ليس محصناً، والوقت ليس مناسباً للمجازفة باتخاذ قرارات سيئة والاعتماد على الحظ. وإذا سقطت عملة الأميركيين من عليائها، سيدفعون الثمن.
 
*لايل برينارد: زميلة متميزة في "مركز بساروس" بجامعة جورجتاون، وزميلة بارزة في "مركز موسافار-رحماني" التابع لكلية كينيدي في جامعة هارفارد. شغلت مناصب عدة، منها مديرة المجلس الاقتصادي الوطني، ونائبة الرئيس وعضو في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ووكيلة وزارة الخزانة الأميركية. الترجمة لصحيفة "الإندبندنت" 2025/10/28.