أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    15-Jul-2025

التمويل المناخي.. هل نستثمر الفرصة لمعالجة أزمة المياه؟

 الغد-إيمان الفارس

 مع إطلاق صندوق المناخ الأخضر (GCF)، نافذة جديدة للتمويل والتأثير، يتطلب من الأردن التحرك بخطى سريعة ومدروسة لتقديم مقترح في هذا الاتجاه، إذ الرهان هنا ليس منصبا على موقع أو سمعة دولية فقط، بل على أمن مائي وطني، وفرصة هيكلية لتطوير قطاع المياه، بتمويلات لا نستطيع الوصول إليها بسهولة، من دون هذا الدور المحوري.
 
 
فاستثمار هذه اللحظة، قد يصنع الفرق بين إدارة الأزمة وتحوّل جذري نحو الأمن والاستدامة.
 
مقترحات لاستضافة الصندوق 
وفي خطوة تعكس تحولا في آليات الوصول للتمويل المناخي، أطلق الصندوق دعوته للدول لتقديم مقترحات لاستضافة مكاتبه الإقليمية، في إطار تعزيز اللامركزية وزيادة كفاءة الوصول للموارد المالية. وتعد هذه الخطوة، جزءا من إستراتيجيته العالمية لتعميق الشراكة مع الدول النامية، وتعزيز ملكيتها للبرامج المناخية، وتوجيه الدعم على نحو مباشر وفعّال نحو المناطق الأكثر هشاشة مناخيا.
فالدعوة التي تستهدف مناطق مثل: أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والمنطقة العربية، تفتح الباب أمام دول كالأردن لتقديم مقترحاتها بحلول 19 أيلول (سبتمبر) العام الحالي، بعد إعلان نيتها الرسمية بحلول 15 آب (أغسطس) من العام نفسه.
وفي منطقة تشهد آثار التغير المناخي فيها تصاعدا، وعلى رأسها شحّ المياه والضغط على الموارد الطبيعية، فإن استضافة مكتب إقليمي للصندوق، قد تمثل نقطة تحول حقيقية في مسار الأردن التنموي والبيئي على حد سواء.
ويمتلك الأردن، وفقا للمذكرة الرسمية، مقومات مؤسسية وجيوسياسية متينة، تؤهله لهذه الاستضافة؛ منها الاستقرار السياسي والموقع الجغرافي المتوسط، والقدرة المؤسسية عبر وزارتي البيئة والتخطيط، وبرامج تنفيذ المساهمات الوطنية (NDCs)، إلى جانب الخبرة التراكمية بإدارة ملفات المناخ، بالتعاون مع وكالات دولية كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، لكن الأهم من ذلك، هو أن هذه الفرصة تتجاوز الأطر السياسية والتمويلية لتلامس جوهر الأمن المائي في الأردن.
ويُصنَّف الأردن كأفقر الدول ندرة في المياه على مستوى العالم، إذ يبلغ نصيب الفرد من المياه أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي.
وفي هذا النطاق، فإن التغير المناخي من جهة، والنمو السكاني وتدفق اللاجئين من جهة أخرى، أديا لتفاقم الأزمة المائية، ورفع كلفة التزويد المائي والبنية التحتية.
ومن هنا، يمكن لاستضافة المكتب الإقليمي للصندوق، أن تكون ذات أثر مباشر وإستراتيجي على القطاع، بتسهيل الوصول إلى تمويلات مناخية ضخمة لمشاريع تحلية المياه، وإعادة استخدام المياه العادمة، وتقنيات الزراعة الموفرة للمياه، وتسريع إعداد واعتماد مشاريع التكيّف المناخي المرتبطة بالموارد المائية، وتعزيز الشراكة مع الجهات المانحة والمنفذة لإنشاء مشاريع متكاملة في المناطق الأكثر تضررا من الجفاف ونقص المياه.
وبعبارة أخرى، فإن استضافة الأردن لهذا المكتب، لا تعني فقط حضوره في محافل القرار المناخي، بل وحضورا فعّالا للصندوق على الأرض الأردنية، فالحاجة ملحّة لذلك والحلول ضرورية.
وسيسهم تحقيق هذا الهدف بتعزيز الدور الإقليمي للأردن، ليس فقط كدولة متلقية للدعم، بل كمنصة تنسيقية إقليمية، يمكن للدول المجاورة الاستفادة من خبراتها وتجاربها بإدارة موارد المياه المحدودة بفعالية، وفي الإطار ذاته، تعزيز دبلوماسية الأردن المناخية، والتي باتت عنصرا فاعلا في سياسة الأردن الخارجية، بخاصة في ظل التحديات المائية والبيئية العابرة للحدود التي تواجه المنطقة.
تعزيز الوصول لتمويل المناخ
مديرة مشروع "بناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ عبر كفاءة استخدام المياه في قطاع الزراعة" والممول من الصندوق ميسون الزعبي، أكدت في تصريحات لـ"الغد"، أن دعوة الصندوق الأخيرة للدول الراغبة باستضافة مكاتبه الإقليمية، تمثل "خطوة إستراتيجية، تعكس التزامه بتعزيز الوصول لتمويل المناخ، وتحقيق تأثير ملموس عبر التقرب من البلدان النامية وأصحاب المصلحة المحليين".
وأضافت الزعبي، أن هذه المبادرة تفتح أمام الأردن "فرصة استثنائية لتكريس مكانته كفاعل إقليمي في مجال العمل المناخي"، موضحة بأن هذه الاستضافة، ستعود بفوائد مباشرة وطنيا وإقليميا.
وقالت "وطنيا، من شأن هذه الخطوة دعم قدرة الأردن على التصدي لتحديات تغير المناخ المتفاقمة، وفي مقدمتها ندرة المياه وتدهور الأراضي، بتسهيل الوصول للداعمين الفني والمالي اللازمين لتنفيذ مشاريع التكيف والتخفيف".
أما إقليميا، فأوضحت الزعبي بأن وجود المكتب في عمّان "سيعزز دور الأردن كمركز إقليمي للعمل المناخي، وقاعدة للتعاون الإقليمي وتبادل الخبرات، وسيسهم بتعزيز ريادته في تنسيق الجهود الإقليمية لمواجهة تغير المناخ وتبني حلولا مشتركة".
واعتبرت الزعبي، أن البيئة السياسية المستقرة، والبنية المؤسسية القوية، والشراكات الفاعلة مع المنظمات الدولية، تجعل من الأردن مرشحا طبيعيا لاستضافة المكتب، مشيرة إلى أن "هذه العوامل تضع الأردن في موقع فريد كمركز للبرمجة المناخية والتمويل في المنطقة".
وبشأن الواقع المائي في الأردن، شددت الزعبي على أن التحديات المائية في المملكة "تجاوزت قيود الندرة التقليدية، لتصبح أكثر تعقيدا بفعل تغيّر المناخ والعوامل المتداخلة كالجفاف والفيضانات وتدهور جودة المياه، وصعوبات إدارة الموارد العابرة للحدود"، مضيفة "كما أن العلاقة المتشابكة بين المياه والطاقة والغذاء، بالإضافة لهشاشة بعض المناطق والضغوط السكانية، تفاقم من هذه التحديات وتستدعي تدخلات متكاملة تتجاوز الحلول القطاعية".
وأكدت الزعبي أن "التكامل بين سياسات التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي في القطاع، يمثل خيارا إستراتيجيا مربحا، لأنه يعزز من كفاءة استخدام الموارد، ويحسن خدمات المياه والصرف الصحي، ويساعد بتقليل مخاطر الكوارث الطبيعية"، موضحة بأن هذا يتطلب "التحول إلى الطاقات المتجددة، وتبني مشاريع لتحلية مياه البحر، وبناء سدود جديدة، وتطوير تقنيات لترشيد الاستهلاك في القطاعات كافة".
كما رأت بأن استضافة المكتب للصندوق "ستسهم بتعزيز التعاون المناخي بين دول المنطقة، وتسهل تبادل المعرفة والخبرات، وتوفر منصة للتأثير في السياسات الإقليمية المتعلقة بالمناخ"، لافتة إلى أن "وجود المكتب في الأردن، سيُسهِم كذلك بجذب الاستثمارات والمشاريع المناخية، وتفعيل آليات تمويل المناخ، ما يتيح تنفيذ مبادرات تكيّف وتخفيف حيوية إقليميا".
وأكدت أن "هذه الفرصة لا تقتصر على تعزيز موقع الأردن حسب، بل تفتح الباب أمام عدالة مناخية أشمل في المنطقة، عبر دعم الدول والمجتمعات الأكثر تضررا من آثار التغير المناخي، وتفعيل أدوات التمويل المشترك لتحقيق التنمية المستدامة"، واصفة الخطوة بأنها "استثمار إستراتيجي في الحاضر والمستقبل، ويجب أن تحظى بالدعم الكامل من مؤسسات الدولة والشركاء الدوليين".
جوهر أمننا الوطني
من ناحيته، أكد الخبير في مالية المناخ الأخضر أسامة العزام، أن استضافة المكتب للصندوق في الأردن "لا ينبغي أن تُقرأ فقط كمكسب دبلوماسي أو حضور دولي، بل والنظر إليها كخطوة استراتيجية تمسّ جوهر أمننا الوطني، وبشكل خاص الأمن المائي، الذي يُعد الهاجس الأكبر الذي يواجهنا منذ عقود".
وقال الخبير بالشأن الاقتصادي والمائي إن هذه الاستضافة "تمنحنا 3 أدوات حاسمة لم تكن متاحة من قبل، يمكنها إحداث تحول جذري في كيفية تعاملنا مع شحّ المياه وتحديات التغير المناخي".
وشرح العزام أولى هذه الأدوات بقوله "أولا، قرب المسافة، ووجود خبراء الصندوق وصناع القرار في عمّان، ما يعني تقليص الفجوة الزمنية والإجرائية بين المشروع الأردني والفعل التنفيذي، إلى جانب مشاريع مثل تحلية المياه والحصاد المائي، أو إصلاح شبكات المياه، إذ لم تعد هذه مجرد مقترحات بعيدة، تنتظر الموافقة في مقرات دولية، بل ستُصبح مبادرات تُتابَع يوميا هنا، وعلى الأرض".
وأضاف "ثانيا، نحن لا نتحدث فقط عن أفكار أو مفاهيم، بل عن مشاريع واقعية قابلة للتنفيذ، ووجود مكتب للصندوق في الأردن، يعني أن الأدوات ستصبح بمتناول اليد، من معدات متطورة لمحطات التحلية، إلى تقنيات حديثة لإصلاح التسربات في شبكات المياه القديمة، مرورا بأنظمة ري ذكية، تساعد المزارعين على تحقيق إنتاج أفضل، باستخدام كميات أقل من المياه."
أما البعد الثالث، والذي يعده العزام ذا أهمية إستراتيجية على المدى البعيد، فهو ما سيصنعه كل ذلك في صورة الأردن الإقليمية، وهو الذي نجح باستقطاب اعتماد الصندوق لبنك تنمية المدن والقرى كأول مؤسسة في المنطقة، "بدلا من أن نُعرف كدولة تعاني من شحّ المياه، ويمكن أن نصبح مركزا إقليميا لتطوير ونقل الحلول. بل ستكون لدينا المعرفة والخبرة والشراكات، ما يمكننا من تصدير قصة نجاحنا المائي لدول المنطقة التي تواجه التحديات نفسها".
وجدد العزام تأكيده على أن "هذه الاستضافة، ليست فقط محطة إدارية جديدة، بل هي فرصة لتحويل أكبر أزمات الأردن لقصة نجاح قابلة للتكرار. وإذا أحسنا استثمارها، فستكون نقطة تحول حقيقية في مستقبلنا المائي والمناخي".
تطوير حلول مبتكرة ومستدامة
بدورها، رأت الخبيرة الإقليمية بإدارة المياه د. مها الزعبي، أن استضافة الأردن للمكتب "خطوة إستراتيجية، تعكس الدور الريادي لجلالة الملك عبدالله الثاني في ملف المناخ إقليميا ودوليا، وهو الدور الذي عبّر عنه جلالته بوضوح خلال مشاركته الفاعلة في قمم المناخ الأخيرة (كوب 27 و28)".
وأشارت الزعبي، إلى أن هذه الخطوة "تعكس كذلك دعم سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني لهذا المسار، والذي أكد التزام الأردن الثابت بقضايا المناخ عبر مشاركته المرتقبة في قمة المناخ كوب 29".
وشددت الزعبي على أن أهمية استضافة المقر، تزداد في ظل ما يواجهه الأردن من تحديات مناخية حادة، وعلى رأسها أزمة شُح المياه، موضحة بأن "الأردن يُصنّف من بين أفقر دول العالم مائيا، ما يشكل تهديدا مباشرا للأمنين المائي والغذائي، ويزيد من صعوبة التكيف مع التغير المناخي المتسارع".
وأشارت إلى أن هذا الواقع "يفرض ضرورة تطوير حلول مبتكرة ومستدامة في القطاع، بما يجعل من استضافة المقر أداة محفزة لتحول نوعي في هذا المجال"، مبينة بأن الموقع الجغرافي للأردن واستقراره السياسي، يعززان من فرص نجاح هذه الاستضافة.
وقالت: "إن الأردن، بوقوعه في قلب المنطقة العربية، وبدوره الفاعل سياسيا وإنسانيا، يمتلك المقومات ليكون مركزا إقليميا للتعاون المناخي، بخاصة في المجالات ذات الصلة بإدارة الموارد المائية والتكيف المناخي في بيئات شديدة الجفاف".
ولفتت إلى أن وجود المكتب في الأردن "سيسهم بتعزيز التبادل الإقليمي للحلول المائية المبتكرة، ويجعل من الأردن منصة لتنسيق الجهود الإقليمية في مجالات متعددة، كإعادة استخدام المياه، والحصاد المائي، وتوظيف الطاقة المتجددة بإدارة الموارد المائية"، معتبرة بأن "هذا الدور الإقليمي ضروري في ظل التحديات المناخية المشتركة التي تعاني منها دول المنطقة".
وأكدت الزعبي، أن هذه الاستضافة "تفتح أمام الأردن آفاقا جديدة للوصول إلى التمويل الأخضر، بخاصة لتمويل مشاريع استراتيجية في القطاع، ما يعزز من قدرة المملكة على التكيف مع التغير المناخي"، لافتة إلى أن الأردن "سيكون في موقع أفضل لبناء شراكات دولية وإقليمية، قائمة على حلول عملية ومستدامة، تستجيب لطبيعة الواقع المائي المعقد الذي يعيشه".
كما ربطت الزعبي بين هذه الاستضافة ومبادرة جلالة الملك الرامية لدمج قضايا المناخ مع أزمات اللجوء والضغوط الديموغرافية، مشيرة إلى أن "الأردن يواجه تحديات مزدوجة؛ فهو من جهة يتحمل آثار التغير المناخي، ومن جهة أخرى يتعامل مع أعباء إنسانية ثقيلة، نتيجة استضافته لملايين اللاجئين".
وقالت "إن هذا الواقع، يفرض الحاجة لتمويل مناخي عادل، يأخذ بالاعتبار الخصوصية المركبة للدول المتأثرة بالأزمات المناخية والإنسانية معا"، مجددة تأكيدها على أن "هذه الاستضافة في الأردن، تمثل فرصة إستراتيجية لتحويل التحديات المناخية لمحفزات تنموية، وتعزيز موقع المملكة كمحور إقليمي في العمل المناخي العادل والفعال".