الدستور
أصدر منتدى الاستراتيجيات الأردني تقريراً ضمن سلسلة تقارير «المعرفة قوة» بعنوان «الاقتصادات الآسيوية: فرص واعدة لجذب الاستثمارات وتنويع الأسواق»، والذي سلط من خلاله الضوء على أبرز الحقائق والمؤشرات حول الاقتصادات الآسيوية، واستعرض فيه واقع العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الأردن وبعض الدول الآسيوية غير العربية، إضافة إلى إمكانات وفرص التعاون المستقبلية التي يمكن أن تشكّل أساسًا لتوسيع الانفتاح التجاري شرقًا، وتعزيز مكانة الأردن ضمن شبكة الاقتصاد الآسيوي.
وبيّن التقرير بأن التنويع الاقتصادي والتجاري على المستوى الوطني، أصبح ضرورة حتمية للحد من مخاطر التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية التي يشهدها العالم مؤخرًا.
وأضاف بأن هذا التنويع يتجلى في التوجه نحو الاقتصادات غير التقليدية، خاصة من الدول الناشئة، كبعض الأسواق الآسيوية غير العربية، والتي أصبحت تشكّل مركز ثقل في النمو العالمي، ومحركًا رئيسًا للتجارة والاستثمار والتكنولوجيا. إذ تشكل مجتمعةً نحو 55 ٪ من مستهلكي العالم، ونحو 30 ٪ من الاقتصاد العالمي، وقرابة 40 ٪ من التجارة الدولية.
وعلى مستوى الاستثمار، أشار المنتدى إلى أن الاقتصادات الآسيوية غير العربية استحوذت على نحو 36 ٪ من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي عام 2024، ليصل رصيدها إلى 11.2 تريليون دولار نهاية عام 2024، وبنسبة 22 ٪ من إجمالي رصيد الاستثمارات الأجنبية الداخلة عالميًّا. فيما بلغ رصيد استثماراتها في الخارج نحو 10.8 تريليون دولار، أي ما نسبته 24.7 ٪ من رصيد الاستثمار الأجنبي العالمي.
وبيّن المنتدى أن هذه الدول تعد أحد المصادر الرئيسة لتدفّق رؤوس الأموال في اقتصادات العالم، حيث يعكس اتساع حضورها في مجال الاستثمار العالمي -خاصة في ضوء النمط المتنامي لاستثماراتها الخارجية، لا سيما بعد عام 2016- إلى وجود حجم كبير من الاستثمارات الآسيوية التي تبحث عن وجهات جديدة للتوسع الخارجي.
أما على صعيد التجارة الخارجية، فقد لفت تقرير المنتدى إلى تزايد حصة الاقتصادات الآسيوية غير العربية من إجمالي التجارة العالمية خلال العقدين الماضيين بشكل واضح. إذ شكلت صادراتها ما نسبته 37 ٪ من إجمالي الصادرات العالمية خلال عام 2024، بعد أن كانت 28 ٪ عام 2005، أي بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) بلغت نسبته 5.9 ٪. فيما بلغت نسبة مستورداتها ما يقارب 33.2 ٪ من إجمالي المستوردات العالمية خلال عام 2024، مسجلة بذلك معدل نمو سنوي مركب (CAGR) بلغ 5.8 ٪ في الفترة ذاتها، وهو ما يشير إلى حجم الطلب والعرض الكبير والمتزايد خلال السنوات الأخيرة.
وذكر المنتدى أن نحو نصف التجارة الخارجية لتلك الدول هي تجارة بينية. فيما توزعت النسبة الأكبر من باقي تجارتها على دول أمريكا الشمالية، ودول الاتحاد الأوروبي، ودول الشرق الأوسط بنسب ترواحت بين (8 ٪ - 8.7 ٪) للمستوردات، و (6 ٪ - 19.1 ٪) للصادرات.
وفي ذات السياق، أوضح المنتدى بأن هذا المستوى المرتفع من الانفتاح التجاري والاستثماري، يعكس الدور المحوري الذي تؤديه الدول الآسيوية بوصفها مركزًا للتجارة العالمية، ومحركًا أساسيًّا للنمو الاقتصادي العالمي بفضل ترابطها الوثيق ضمن سلاسل الإمداد والتصنيع العالمية.
وأشار التقرير إلى أن العلاقات الاقتصادية بين الأردن ودول آسيا غير العربية، تتسم بمستوى عالٍ من الترابط والتشارك، من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية ومذكرات التفاهم الموقعة معها. إذ ارتفع حجم التبادل التجاري الأردني معها ليصل إلى 12 مليار دولار خلال عام 2024، محققًا ارتفاعًا بأكثر من 5 مليار دولار منذ عام 2017، ليشكل بذلك 33 ٪ من إجمالي حجم التبادل التجاري الأردني مع العالم.
وبيّن ان مستوردات الأردن من تلك الدول شكلت 38 ٪ من إجمالي مستوردات الأردن من العالم. بالمقابل فقد شكلت الصادرات الوطنية الى تلك الدول ما نسبته 20 ٪ من إجمالي الصادرات الوطنية. مؤكداً على الأهمية المتزايدة لتلك الأسواق، سواء من حيث دورها في توفير مدخلات حيوية للاقتصاد الأردني، أو من قدرتها على استيعاب المزيد من المنتجات الأردنية المصدرة إليها.
فيما أشار المنتدى إلى استحواذ الاستثمارات من الدول الآسيوية غير العربية على ما نسبته 16 ٪ من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في الأردن. في حين استحوذت البلدان العربية على أكثر من نصف الاستثمار الأجنبي المباشر في الأردن. لافتاً إلى أن جزءًا كبيرًا من رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر ينحصر بعدد محدود من الدول، الأمر الذي يؤكد على أهمية تنويع الشركاء، وتوسيع قاعدة الدول المستثمرة في الأردن، لتقليل المخاطر الناجمة عن الاعتماد على أسواق محدودة، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
وبالنظر إلى التوجه المتصاعد للاقتصادات الآسيوية غير العربية نحو توسيع استثماراتها الخارجية، فقد ذكر المنتدى أن الأردن يمتلك فرصة حقيقيّة لاستقطاب المزيد من تلك الاستثمارات، خاصة في ظل البحث النشط لهذه الدول عن أسواق جديدة ذات موقع إستراتيجي، تمكنها من النفاذ إلى الأسواق الإقليمية والعالمية.
وأضاف المنتدى بأن المنتجات الوطنية تمتلك فرص للتوسع داخل الأسواق الآسيوية غير العربية خلال السنوات الخمس القادمة لتصل الى نحو 5.3 مليار دولار، منها ما يقارب 2.3 مليار دولار فرص غير مستغلة ضمن مختلف القطاعات.
كما أوضح المنتدى بأن التوجّه نحو تلك الاقتصادات لا يقتصر فقط على زيادة حجم التبادل التجاري، بل يشمل أيضًا تعزيز تدفقاتها الاستثمارية إلى الأردن ضمن مختلف القطاعات الإنتاجية وحتى الخدمية. مؤكداً على أهمية انخراط الأردن بصفته شريكًا اقتصاديًّا وإستراتيجيًّا فاعلًا مع تلك الدول.
وقد أظهرت تحليلات تقرير المنتدى، أن حجم الفرص التصديرية غير المستغلة التي تمتلكها الاقتصادات الآسيوية غير العربية في جميع أسواق العالم يقدّر بنحو 4.62 تريليون دولار، حيث تتركز 40 ٪ منها (1.87 تريليون دولار) في منطقة الشرق الأوسط، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وكندا، (وهي أسواق ترتبط باتفاقيات تجارية مع الأردن).
ومن هذا المنطلق، أكّد المنتدى على ضرورة الإسراع في البناء على زيارة جلالة الملك الأخيرة للشرق الآسيوي - والتي تؤكد على التزام الأردن بنهج الانفتاح، والتعاون الاقتصادي المبني على المصالح المشتركة - وذلك من خلال إعداد إستراتيجيات موجّهة تستهدف الشركات والصناديق الاستثمارية ذات الخبرة والثقل في مجالات الاستثمار والإنتاج. وهو ما يتطلب تبني خطط عملية تترجم تلك العلاقة إلى مشاريع قابلة للتنفيذ، وذات نتائج ملموسة تنعكس على الاقتصاد الوطني.
وفي ختام تقريره، قدّم المنتدى استعراضًا سريعًا لفرص التعاون المستقبلي بين الأردن وعدد من اقتصادات الدول الآسيوية غير العربية (اليابان، وسنغافورة، والصين، وتايوان، وفيتنام، وإندونيسيا، وماليزيا) التي يمكن أن تشكّل نقطة انطلاقة عملية لتعزيز التجارة والاستثمار. حيث تضمن التقرير نبذه عامة عن كل دولة، وفرص تعزيز التبادل التجاري معها، وجذب الاستثمارات منها استنادًا إلى مزايا الأردن في اتفاقياته التجارية مع أكبر اقتصادات العالم. إضافة إلى تقديم أسماء أبرز الشركات الواعدة، التي أُدْرِجَت ضمن أعلى 100 شركة من حيث إجمالي الأصول وعدد العاملين في الدول النامية بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، أو من حيث القيمة السوقية لها وفق قاعدة بيانات (Companies Market Cap)، والتي يجب استهدافها مباشرة من قبل الجهات المعنية.