سورية الجديدة.. فرصة لاستثمار العلاقات الاقتصادية المعطلة بين عمان ودمشق
الغد-عبدالرحمن الخوالدة
رغم اشتراك الأردن وسورية بحدود جغرافية وأسس تجارية تاريخية متينة يعززها الرابط الاجتماعي، إلا أن ذلك لم ينعكس على حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين الشقيقين خلال السنوات الأخيرة، كما يرى خبراء.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن العلاقات الاقتصادية بقيت "دون المأمول" في ظل اصطدامها بمعيقات كثيرة خاصة بعد عام 2011، ما أهدر فرصا اقتصادية كبيرة على الطرفين.
وأكد خبراء اقتصاديون لـ"الغد" ضرورة النهوض بالعلاقات الاقتصادية، وإعادة التعاون التجاري والاستثماري بين الأردن وسورية إلى سابق عهدها بما يعود بالنفع على البلدين، وإعادة تعزيز المصالح الاقتصادية والتجارية و"المائية" مع سورية، إذ إن هناك فرصا اقتصادية كبيرة للبلدين يمكن البناء عليها.
وتكبد الاقتصاد الأردني خسائر جسيمة جراء الهجرة القسرية من الأشقاء السوريين ولجوء قرابة 1.3 مليون لاجئ سوري على أراضي المملكة منذ العام 2011، والسماح لهم بالعمل دون تفريق مع الأردنيين.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية، كلفت أزمة اللجوء السوري الاقتصاد الوطني على مدار 14 عاما الماضية نحو 44 مليار دولار، نتيجة اللجوء السوري إلى الأردن.
وكان رصد أجرته "الغد" سابقا، كشف أن هروب المجتمع الدولي من التزاماته تجاه المملكة، وتركه وحيدا يواجه احتضان الأشقاء السوريين، قاد إلى عجز في تمويل خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية منذ عام 2015 حتى نهاية عام 2022 بلغ 10.27 مليار دولار من إجمالي حجم الموازنات السنوية المخصصة لدعم اللاجئين السوريين في المملكة، بحسب بيانات منصة خطة الاستجابة المنشورة عبر موقع وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
حيث بلغت نسبة العجز خلال الفترة(2015-2022) 51.84 % من إجمالي حجم الموازنات السنوية المخصصة لدعم اللاجئين السوريين في الأردن والمقدرة بـ20.1 مليار دولار.
وأعرب هؤلاء الخبراء عن أملهم أن يقود التغيير السياسي في سورية إلى تحقيق تكامل اقتصادي مشترك في القطاعات الحيوية بين البلدين، ومد جسور التعاون الاقتصادي بين الأردن وسورية، وتعزيز اللقاءات بين رجال الأعمال في كلا البلدين لرفد المصالح الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات الأردنية والسورية بما يعود بالنفع على البلدين، وإعادة إعمار سورية، وتبادل المعلومات حول أهم القطاعات والفرص المتاحة بين البلدين لتشجيع وزيادة حجم التبادل التجاري تمهيدا لعقد اجتماعات بين أصحاب الأعمال من البلدين، وعلى مبدأ الميزة التنافسية.
ويرتبط الأردن بمجموعة من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع سورية، ومنها اتفاقية إقامة منطقة تجارة حرة، منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، إضافة إلى اتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمارات، إلى جانب اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي، ومنع التهرب الضريبي فيما يتعلق بالضرائب على الدخل.
وتأسست المنطقة الحرة الأردنية السورية عام 1976، قرب مركزي حدود جابر الأردني ونصيب السوري، وذلك بموجب اتفاق التعاون الاقتصادي وتنظيم التبادل التجاري بين البلدين.
وانخفض حجم التبادل التجاري بين الأردن وسورية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي نحو 10 % قياسا مع ذات الفترة من العام الماضي، ليبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى حوالي 77.241 مليون دينار.
وقال نائب رئيس غرفة صناعة الأردن ورئيس غرفة صناعة إربد هاني أبو حسان إن حجم التبادل الصناعي والتجاري بين الأردن وسورية تراجع بشكل حاد للغاية، حيث يمثل اليوم فقط ما نسبته 5 % عما كان عليه قبل اندلاع الأزمة السورية في 2011.
وأكد أبو حسان أن القطاع الخاص الأردني يعقد آمالا كبيرة على التغيير السياسي في سورية بأن يساعد في إعادة العلاقات التجارية بين البلدين إلى فترة ما قبل الأزمة السورية وزيادة حجم انسياب التبادل التجاري بينهما.
ولفت أبو حسان إلى الصناعيين والتجار كانوا يواجهون معيقات عديدة في تصديرهم واستيرادهم من سورية فرضتها معطيات الحرب، حيث كان هناك فتور في التعاون السوري الرسمي اقتصاديا.
وأوضح أبو حسان أن البنية التحتية الصناعية الأردنية القوية وأيضا اللوجستية، قد تمكن الأردن من المساهمة في إعادة إعمار سورية إنشائيا واقتصاديا.
وأكد أبو حسان أن إغلاق الحدود المؤقت حاليا سيكون له تاُثير إلى حد ما على التبادل التجاري بين البلدين، إلا أن وقعه سيكون على السوق المحلية ضعيف، حيث إن الصادرات الصناعية الأردنية لا تعتمد على السوق السوري وكذلك المستوردات بالنسبة للتجار.
من جانبه أكد طارق حجازي مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين أن العلاقات الأردنية السورية لها جذور تاريخية على كافة الأصعدة ومن أبرزها العلاقات الاقتصادية بكافة محاورها الاستثمارية والتجارية والصناعية، حيث تشمل اتفاقيات ومذكرات تفاهم تؤطر العلاقات الثنائية بينهما وشملت العديد من القطاعات.
وشدد حجازي على ضرورة النهوض بالعلاقات الاقتصادية وإعادة التعاون التجاري والاستثماري إلى سابق عهده بما يعود بالنفع على البلدين، وإعادة تعزيز المصالح الاقتصادية والتجارية والمائية مع سورية، من خلال تحريك عجلة انسياب البضائع عبر الموانئ السورية وأيضا عودة خط النقل السوري عبر الأردن إلى الخليج العربي، وإعادة تنشيط حركة التجارة بين البلدين خاصة عبر الحدود والتي تعد شريانا مهما لاقتصاد الأردن، حيث بلغ حجم التجارة الحدودية بين البلدين أكثر من 800 مليون دينار أردني سابقا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الأردن وسورية في عام 2023 ما يقارب 181.8 مليون دولار مقارنة مع 634 مليون دولار في عام 2011 أي قبل اندلاع الثورة السورية.
وأشار حجازي إلى أن الأردن يقف دائما مع خيار الشعب السوري في تحقيق الأمن والاستقرار في البلد الشقيق، وأكد على ضرورة العمل على تعزيز العلاقات بين القطاع الخاص في البلدين للدفع بالعلاقات التجارية والاستثمارية لمستويات أعلى والعودة بها مجددا ما قبل الأزمة.
وشدد حجازي، على ضرورة أن يكون هنالك تكامل اقتصادي مشترك في القطاعات الحيوية بين البلدين، ومد جسور التعاون الاقتصادي بين الأردن وسورية ضمن الضوابط والقوانين الدولية، وتعزيز اللقاءات بين رجال الأعمال في كلا البلدين لرفد المصالح الاقتصادية وتعزيز الاستثمارات الأردنية والسورية بما يعود بالنفع على البلدين، وإعادة إعمار سورية، وتبادل المعلومات حول أهم القطاعات والفرص المتاحة بين البلدين لتشجيع وزيادة حجم التبادل التجاري، تمهيدا لعقد اجتماعات بين أصحاب الأعمال من البلدين، وعلى مبدأ الميزة التنافسية لكلا البلدين.
كما أشار حجازي إلى أن جمعية رجال الأعمال الأردنيين ترتبط مع نظيرتها اتحاد غرف التجارة السورية، واتحاد غرف الزراعة السورية، وغرفتي الصناعة في دمشق وحلب بتأسيس مجلس الأعمال الأردني السوري منذ عام 1995، والذي يهدف إلى تدعيم علاقات التعاون، وتعزيزها بما يخدم ويوسع آفاق العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين مجتمع الأعمال في كلا البلدين، وتعزيز الروابط والتعاون والتنسيق المشترك، وتشجيع الاستثمارات البينية بين البلدين، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم مع جمعية رجال وسيدات الأعمال السورية في عام 2009.
إلى ذلك قال المختص في الاقتصاد السياسي زيان زوانة إن الموقع الجغرافي للأردن وسورية يشكل لكل منهما شريانا تجاريا وبوابة للآخر، حيث سورية بوابة الأردن لأوروبا والأردن بوابة لها إلى دول الخليج العربي، إلا أن هذه الميزة الجغرافية لم يتم استثمارها اقتصاديا خلال السنوات الأخيرة.
واستبعد زوانة تأثر السوق المحلية بصورة كبيرة بتوقف التبادل التجاري بين البلدين في الأوقات الحالية، مشيرا إلى أنه منذ عام 2011 تراجع حجم المستوردات من سورية وكذلك الصادرات لها.
وأكد زوانة أن هناك فرصا اقتصادية كبيرة يمكن للأردن أن يستكشفها في علاقته مع التشكيل السياسي الجديد في سورية، لا سيما في مجال البنية التحتية وإعادة إعمار سورية، وتوفير الكهرباء وغيرها من الخدمات اللوجستية التي تحتاجها سورية التي أهرقتها الحرب على مدار العقد الماضي.
ويرى زوانة أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى تخطيط من القطاع الخاص والحكومة الأردنية بمد الأيدي إلى النظام السوري القادم وتعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين وإزالة المعيقات التي تواجه العلاقات بينهما في السنوات الماضية، مؤكدا أن هناك فرصا اقتصادية ثمينة تستدعي العمل على الاستفادة منها.
ودعا زوانة إلى أهمية بناء منظومة استقرار مع وبين الدول المجاورة لسورية (الأردن والعراق ولبنان)، والتعاون على رفع قانون قيصر عن سورية لعودة تدفق التجارة بين سورية والجوار وتصدير الكهرباء إلى لبنان عبر سورية، عدا عن وضع رؤية أردنية لملف حصة الأردن من المياه، إلى جانب تشجيع الإخوة السوريين المقيمين في الأردن منذ 2010 على العودة لسورية وتقديم الدعم الممكن لعودتهم، مشددا على أهمية إعادة فتح المعابر الحدودية مع سورية وبالتنسيق مع دمشق إن لزم الأمر.