فوسفات الريشة.. فرصة إستراتيجية نادرة لإحداث تنمية صناعية متكاملة
الغد-رهام زيدان
أكد خبراء أن فوسفات الريشة يمثل فرصة إستراتيجية نادرة لإحداث تنمية صناعية متكاملة في شمال شرق المملكة في ظل مخزون مبشر من ناحية كمية الاحتياطيات ونوعيتها.
وأجمع هؤلاء على أن استثمار هذه الثروة عبر تصنيعها إلى منتجات أخرى، لا تصديرها كخامات، يشكل ركيزة أساسية لتعظيم القيمة المضافة وتوفير فرص عمل واسعة، فضلاً عن دوره في دعم ميزان المدفوعات وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
وكان وزير الطاقة والثروة والمعدنية صالح الخرابشة قال في وقت سابق: "لن يتم تصدير غرام واحد من فوسفات الريشة على شكل خام وإنما سيتم استغلاله من خلال الصناعة التحويلية".
وأشار خبراء إلى أن ما تحقق حتى الآن من دراسات أولية ومشاريع تنقيب واتفاقيات تفاهم يشكل خطوة مهمة على طريق تحويل المنطقة إلى مركز صناعي جديد، يمكن أن ينعكس إيجاباً على التنمية المحلية في الرويشد والشمال الشرقي، وعلى الاقتصاد الوطني برمته.
يأتي ذلك في وقت تتجه فيه وزارة الطاقة والثروة المعدنية إلى استثمار الثروات الطبيعية، وفي مقدمتها خامات الفوسفات المتوافرة في مناطق متعددة من المملكة، بما فيها منطقة الريشة في الشمال الشرقي.
احتياطي ضخم ونوعية عالية للخام
وكانت وزارة الطاقة كشفت في وقت سابق عن احتياطي فوسفات جيولوجي أولي في منطقة الريشة شرق المملكة بلغ 700 مليون طن متري، خلال المرحلة الأولى من دراسة مشروع استكشاف الفوسفات الذي انطلق في كانون الأول (ديسمبر) 2021.
وبيّنت الوزارة حينها أن متوسط سماكة طبقة خامات الفوسفات في منطقة المشروع بلغ نحو 8 أمتار، وتجاوزت السماكات 10 أمتار في بعض الآبار، وبنوعية ممتازة سُجِّلت فيها تراكيز خام P₂O₅ نحو 24 % وتجاوزت في بعض الآبار أكثر من 35 %، وهي جودة عالية، مع غطاء ترابي لم يتجاوز متوسطه 9 أمتار.
وقالت الوزارة إن "نتائج التحاليل الكيميائية أظهرت انخفاضاً كبيراً في نسب الشوائب المعدنية التي لم تتجاوز 0.1 % في جميع العينات، وهي من أقل النسب العالمية مقارنة بمتوسط 1.2 % عالمياً، ما يضع خام فوسفات الريشة في مقدمة الخامات ذات الجودة العالية الملائمة للصناعات التحويلية والكيميائية والدوائية والغذائية عالية القيمة."
وأشارت إلى أن المشروع أُنجز بكوادر وإمكانات وزارة الطاقة، واشتمل على حفر 58 بئراً غطت مساحة تبلغ 90 كيلومتراً مربعاً من المرحلة الأولى.
أهمية اقتصادية واعدة لفوسفات الريشة
في هذا الخصوص، قالت المتحدثة الإعلامية باسم وزارة الطاقة والثروة المعدنية ليندا العبادي: "فوسفات المنطقة الرئيسية في الريشة يكتسب أهمية اقتصادية عالية نظرًا لتوفر سماكات متميزة للخام وبنوعيات ممتازة".
وأشارت إلى أنه تم في وقت سابق توقيع مذكرتي تفاهم في مجال دراسة الجدوى الاقتصادية لاستغلال الفوسفات في الريشة مع شركة "تسنيم" العمانية و"الشركة العربية للتعدين"، ضمن مساحة تُقدَّر بنحو 300 كيلومتر مربع لكل شركة، إذ تنفذ الشركتان الآن برنامجًا تنقيبًا يشمل حفر آبار وترنشات (خنادق) في موقعي الدراسة.
وأضافت العبادي: "يجري حاليًا التفاوض مع الشركتين على بنود الاتفاقية التنفيذية الخاصة بالاستثمار في الخام، ليصار إلى استكمال إجراءات التوقيع مطلع العام المقبل".
ثروة وطنية ودعوات للتصنيع وليس التصدير المباشر
من جانبه، أكد نقيب الجيولوجيين الأردنيين السابق د. صخر النسور أن أي ثروة طبيعية في المملكة تمثل رصيدًا واحتياطيًا استراتيجيًا للدولة، وهو ما ينطبق تمامًا على خامات الفوسفات المنتشرة في مساحات واسعة من الأردن.
وأوضح النسور أن وجود الفوسفات في الأردن لا يقتصر على المناطق الجنوبية التي شهدت استثمارات منذ خمسينيات القرن الماضي، مثل معان والحسا ومناجم الأبيض، بل يمتد أيضًا نحو الشمال الشرقي في مناطق الصفاوي والريشة والرويشد، إذ تتوافر خامات فوسفات باحتياطيات مبشرة على مساحات شاسعة.
وبين النسور أن التوجه الاستراتيجي الذي تبنته وزارة الطاقة مع بداية مشروع الفوسفات في الريشة ارتكـز على عدم تصدير الخام مباشرة والالتزام حصراً بإقامة صناعات تحويلية تعتمد على الفوسفات، مثل صناعة الأسمدة وحامض الفوسفوريك، لما لذلك من أثر مباشر في تعظيم القيمة المضافة، وتوفير فرص عمل، وتوفير العملة الصعبة التي كانت تُنفَق على استيراد هذه المنتجات.
وأكد أن هذا التوجه ينسجم تمامًا مع مخرجات ورشة التحديث الاقتصادي التي دعت إلى الاستثمار الأمثل للثروات الطبيعية عبر تحويلها إلى صناعات متقدمة، وهو النهج نفسه الذي اتبعته الوزارة في ملفات النحاس والذهب عبر توقيع أكثر من 12 مذكرة تفاهم خلال عامين لدراسة الجدوى الاقتصادية لهذه الخامات.
تقدم شركات للتنقيب وتوسّع في الدراسات
وأشار النسور إلى أن ثلاث شركات تقدمت أخيرا لحجز مواقع في منطقة الريشة بهدف إجراء الدراسات الجيولوجية والفنية ودراسات الجدوى الاقتصادية، وهي تعمل حاليا بوتيرة متسارعة تمهيدا للوصول إلى قرار استثماري نهائي يقود إلى إنشاء مصانع تعتمد على خامات الفوسفات المتوافرة هناك.
وأضاف: "هناك فرصة حقيقية لإحداث تنمية اقتصادية في منطقة الرويشد والشمال الشرقي عموما، من خلال تشغيل وتدريب وتأهيل الكوادر المحلية" مؤكدا أهمية التكامل بين المؤسسات، ولا سيما الجامعات القريبة من هذه المناطق، لتطوير برامج تقنية ومهنية متخصصة تُخرج كوادر قادرة على إدارة وتشغيل المنشآت الصناعية الجديدة.
وشدد النسور على أن استثمار خام الفوسفات في الريشة يمثل حلقة متكاملة من التنمية المستدامة؛ تبدأ من استغلال الثروات الطبيعية، وتمر بتحريك قطاعات عديدة مثل النقل والشحن والتخليص والخدمات اللوجستية، وصولا إلى زيادة الصادرات ورفد الاقتصاد بعوائد مباشرة وغير مباشرة.
ودعا النسور إلى استكمال الدراسات الفنية والاقتصادية بأسرع وقت، وأن تلتزم الشركات المتقدمة للاستثمار بتنفيذ مشاريع صناعية حقيقية تعتمد على الخامات المحلية، مشيرا إلى أن المؤشرات الأولية تؤكد وجود كميات واعدة، وأن بعض الصناعات المرتبطة بالأسمدة لا تتطلب خامات عالية النقاء، ما يجعل الاستثمار في فوسفات الريشة خيارا اقتصاديا مجديا وقادرا على تحقيق قيمة مضافة مرتفعة للمملكة.
ضرورة وقف تصدير الخامات واستثمارها محليا
من جهته، قال وزير تطوير القطاع العام الأسبق د. ماهر مدادحة: "توجه الحكومة المعلن بعدم تصدير أي كمية من الفوسفات على شكل خام يجب أن ينسحب على مختلف أصناف الثروات الطبيعية، بهدف تعظيم المنفعة الاقتصادية لهذه الخامات".
وبينت مدماج أن الخامات التي تُصدَّر دون تصنيع تعود إلى الأسواق المحلية في نهاية المطاف على شكل مواد مصنعة بكلفة مرتفعة، ما يحمّل الاقتصاد الوطني أعباء أعلى بكثير من العوائد الناتجة عن تصديرها كمواد خام، الأمر الذي يزيد الضغط على الميزان التجاري للمملكة.
وأضاف أن "الأردن نجح تاريخيا في تصدير الفوسفات، إلا أن هذا النجاح يجب ألا يتوقف عند حدود التصدير، بل يجب استغلال الخامات في صناعات ذات قيمة مضافة بعوائد مضاعفة، وأن يشمل ذلك خامات الفوسفات في الريشة وكذلك في مختلف مناطق المملكة".