أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    25-Aug-2024

مدينة ذكية مستدامة: كيف يساهم الذكاء الاصطناعي في بناء مدن المستقبل؟*حسام الحوراني

 الدستور

في مواجهة التحديات البيئية والاجتماعية المتزايدة التي تعصف بالمدن الحديثة، يشهد العالم تحولاً جذرياً نحو تبني نموذج المدن الذكية المستدامة. هذا النموذج الطموح يسعى إلى دمج التكنولوجيا المتقدمة بسلاسة في النسيج الحضري، بهدف الارتقاء بجودة حياة السكان وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بكفاءة عالية.
في قلب هذا التحول الحضري الثوري، يبرز الذكاء الاصطناعي (AI) كقوة دافعة رئيسية، يفتح آفاقاً جديدة من الإمكانيات. فهو يقدم حلولاً مبتكرة وفعالة لتحديات إدارة الموارد، ويرسم مساراً واعداً نحو تحسين نوعية الحياة الحضرية، مع الحرص على تقليص البصمة الكربونية للمدن بشكل ملموس.
هذا التزاوج بين الذكاء الاصطناعي والتخطيط الحضري يثير تساؤلاً محورياً: كيف يمكن لهذه التقنية المتطورة أن تشكل ملامح مدن المستقبل، وتساهم في بناء بيئات حضرية أكثر ذكاءً واستدامة وقدرة على تلبية احتياجات سكانها المتنامية؟
ما هي المدينة الذكية؟
المدينة الذكية هي مدينة تستخدم التكنولوجيا لتحسين كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين، وتقليل استهلاك الطاقة والموارد، وتحسين جودة الحياة بشكل عام. تتميز هذه المدن بأنظمتها المتكاملة التي تربط بين مختلف جوانب الحياة الحضرية، مثل النقل، الطاقة، إدارة النفايات، والخدمات العامة.
خدمات حكومية ذكية.في إطار تعزيز التحول إلى المدن الذكية، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا حيويًا في تطوير الخدمات الحكومية الذكية. من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن للمدن توفير خدمات حكومية تتميز بالكفاءة والسرعة، مما يسهل على المواطنين الوصول إلى المعلومات والخدمات. على سبيل المثال، يمكن للحكومات المحلية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة واتخاذ قرارات مبنية على الأدلة لتحسين إدارة المدينة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة المواطن من خلال توفير خدمات مخصصة مثل الاستشارات القانونية الإلكترونية، الدفع الإلكتروني للضرائب، أو حتى التفاعل مع الجهات الحكومية عبر مساعدات ذكية. هذا يسهم في تقليل البيروقراطية، تحسين الشفافية، وزيادة رضا المواطنين.
إدارة الطاقة والموارد بكفاءة,أحد التحديات الرئيسية التي تواجه المدن اليوم هو استهلاك الطاقة بشكل كبير. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا حاسمًا في تحسين كفاءة استخدام الطاقة من خلال التنبؤ بالطلب على الكهرباء وإدارة الشبكات الكهربائية بذكاء. على سبيل المثال، يمكن للأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحليل بيانات استهلاك الطاقة في الوقت الفعلي وضبط توزيع الطاقة بشكل ديناميكي لتقليل الهدر. كما يمكن دمج تقنيات مثل المنازل الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين استخدام الطاقة في المنازل الفردية.
تحسين النقل وتقليل الانبعاثات,يمثل قطاع النقل أحد أكبر مصادر الانبعاثات الكربونية في المدن. الذكاء الاصطناعي يوفر حلاً لهذه المشكلة من خلال تحسين تدفق حركة المرور وإدارة النقل العام بكفاءة أعلى. على سبيل المثال، يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل حركة المرور وتحديد المسارات المثلى للمركبات، مما يقلل من الازدحام وانبعاثات العوادم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن دمج الذكاء الاصطناعي مع تقنيات النقل الذاتي القيادة لتوفير وسائل نقل عامة أكثر كفاءة واستدامة.
إدارة المخلفات والحفاظ على البيئة,تعاني المدن الكبرى من مشكلات تتعلق بإدارة النفايات، ولكن الذكاء الاصطناعي يقدم حلولاً مبتكرة في هذا المجال. يمكن للأنظمة الذكية تحليل بيانات جمع النفايات وتحديد أفضل الطرق لجمعها وفرزها وإعادة تدويرها. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين جداول جمع النفايات بناءً على أنماط التراكم وتقليل استهلاك الوقود المرتبط بعمليات النقل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة فرز النفايات التي تعتمد على تقنيات التعلم العميق للتعرف على المواد القابلة لإعادة التدوير.
التخطيط العمراني والمباني الذكية,البنية التحتية الذكية لا تقتصر فقط على الجوانب التقنية، بل تشمل أيضًا القدرة على التكيف مع التغيرات البيئية والاجتماعية. على سبيل المثال، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي المدمجة في البنية التحتية أن توفر تحليلات دقيقة تساعد في التخطيط العمراني المستدام، وتوجيه التنمية الحضرية نحو تقليل التأثير البيئي وتعزيز الاستدامة وتحسين تخطيط المدن وتصميم المساحات العامة بشكل أكثر فعالية . يمكن للذكاء الاصطناعي مراقبة حالة المباني والبنية التحتية وتحديد الحاجة إلى الصيانة. من خلال جمع وتحليل البيانات بشكل مستمر، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي اكتشاف أي تدهور أو خلل في المباني قبل أن يصبح مشكلة كبيرة، مما يسهم في تقليل التكاليف وزيادة العمر الافتراضي للبنية التحتية.
تعزيز الأمن والسلامة
المدن الذكية تسعى لتوفير بيئة آمنة لسكانها، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمن والسلامة. يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة الأماكن العامة من خلال تحليل الفيديوهات في الوقت الفعلي للكشف عن أي أنشطة مشبوهة وتنبيه السلطات المختصة. كما يمكن أن تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دورًا في التنبؤ بالكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات أو الزلازل، من خلال تحليل البيانات البيئية واتخاذ تدابير استباقية لحماية السكان.
تحسين جودة الحياة,الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة لتحسين الكفاءة؛ بل يمكنه أيضًا تحسين جودة الحياة في المدن. من خلال تحليل البيانات المتعلقة بتفاعل السكان مع المدينة، يمكن للذكاء الاصطناعي توفير خدمات مخصصة تلبي احتياجات الأفراد. على سبيل المثال، يمكن للمدن الذكية استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين التعامل مع الرعاية الصحية من خلال تحليل بيانات المرضى وتقديم خدمات مخصصه لهم. كما يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين تجربة السكان من خلال تطوير منصات تفاعلية توفر معلومات دقيقة عن الخدمات المحلية والأنشطة الثقافية والترفيهية.
الاستدامة والشمولية,أحد أهداف المدن الذكية المستدامة هو تحقيق الشمولية لجميع سكان المدينة. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تحقيق هذا الهدف من خلال توفير حلول مخصصة تلبي احتياجات الفئات الضعيفة، مثل كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة. يمكن على سبيل المثال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتطوير حلول نقل مخصصة لكبار السن أو تحسين الوصول إلى الخدمات العامة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
 ختاما، يمثل الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في بناء مدن المستقبل الذكية والمستدامة. من خلال توفير حلول مبتكرة لإدارة الطاقة، تحسين النقل، إدارة النفايات، وتعزيز الأمن، يساهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق بيئات حضرية أكثر استدامة وكفاءة. ومع تقدم التكنولوجيا، ستصبح المدن الذكية قادرة على تلبية احتياجات سكانها بطرق أكثر ابتكارًا، مما يساهم في تحسين جودة الحياة والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة.
 والله ولي التوفيق